بازار حقوق الإنسان العربي
فلورنس غزلان
إن كنت مسافراً في القفر العربي، أو نائما في مهده، أو عاملاً في لحده، أو تائهاً في حبه ومصابا بالجنون كليلى أو قيس، كعنتر أو عبلة في عشق أرض أو وطن…مهاجراً هارباً أو منفياً ضائعاً، فلا فكاك لك من السحر والشعوذة تلاحقك في نهارك وليلك…بصور شتى وألوان متقنة ومتنوعة…تُصنع وتُوَلف في أسواق عربية عرف تاريخها القدرة على الكيمياء الحيوية والعضوية، عليك أن تبتهج وتصاب بالفرح ، عليك أن تصطاد الضحك في عقر دارك وأن تدخره لحين احتقانك ونفاذ صبرك، عليك أن تدعه ينساب بسهولة وتتفنن في تموجاته الباسمة وترسمها أحداقك الحزينة وجفونك المتغضنة، لأنها لن تنفعك في يوم كهذا يقولون عنه أنه يوم ميلاد تحفة إنسانية، وقفزة في عالم الإنسان وانتصاره على أنانيته وحروبه واضطهاده الطويل لأخيه الإنسان باسم القوة العارية أو المُتلبسة بأثواب السلاح والرماح،( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، عليك أن تكون فارس الخرس وتاجر الفرح والنسيان ، حكواتي النكتة وصانع الأناشيد والأعلام ليباركك السلطان ويعمدك القديس والرهبان، بأنك ابن الوطن البار حافظ الشعارات والأسرار ، متقن عبارات التمجيد والتخليد لتسجيل وتدوين النصر المؤزر ، الذي اكتسبه قادتنا على أعدائنا وحسادنا
لماذا؟:
*ــ لأنك تعيش في بازار عربي حضاري! تجد فيه النادر من البخور والعطور، التي تغطي على روائح الفساد وبيع الأوطان بالمزاد.
* ــ لأنك في بلد ينتمي للعروبة ذات الحسب والنسب والقدرة على شراء الذمم والنسب في الوكالات والعقارات والأسهم والمضاربات في سوق الربح الداخلي دائم السيولة في النقد والعمولة، أما الخسارة في الخارج من بنوك ومصارف في بلاد الأصدقاء والمعارف، فهذا أمر طبيعي لأنه ضريبة الحضارة والحصافة في التجارة.
* ــ في سوقك العربية لا تجد لك هوية سوى الانتماء لجذورك القومية، فأنت عربي مثلا قبل أن تكون سوريا أصلا وعملا، هكذا قال القائد والدستور المعدل بيد الفذ الرائد( الدستور السوري المعدل عام 1973 )، ولو خالفت التعاليم وخرجت عن الخطوط الحمر والأقانيم ، التي يضعها العسس لخنق الروح والنَفَس، في دوائر الأمن وفروع المخابرات ، التي تتحكم بالتهم والإضبارات وتخلق لك وجع الراس وصلات لا تعرفها تخلط عباس بدباس ، حتى لا تعود تعرف نفسك ، إن كنت ابن تيس أو ابن ناس .
* ــ لأن وطنك الحبيب قد غرق في حب غريب عجيب، لأسرة لم يخلق لها الله مثيلا ولا يعرف الشعب لها بديلا، جاءت مزودة بمحبة الشعب! مدججة بسلاح السلب والنهب، وبعصابات التجريم والتحريم والقتل الرحيم!، لكل من تسول له يده أن تخرج من كمه ، أو قلمه أن يسطر حرفاً ويكتب سطراً بحق آل البيت الكريم، فقد نزلوا علينا بغيمة سوداء كبيرة جاءت بالمظلة العسكرية والدبابة الروسية، فحلت أهلاً ونزلت سهلاً، عسلا وورداً اسمنتياً على بساتين الشام وغوطتها الغناء، قطعت الأشجار ونكلت بالأنهار والبحار، فتحت الأسواق وأغرقت بتجارتها البلاد وأقصت العباد، لأننا اكتشفنا بهذه الليلة الليلاء ، أننا لم نعد نملك لأمرنا من قدرة ولا إرادة أو حكمة، فقد تم تسجيلنا وتقييدنا بدوائر النفوس وسجلات الجرد وفي أول صفحة من القاموس والناموس ، أننا نعيش ونترعرع تحت اسم حديث ينقلنا من عصر التغيير والتبديل، إلى عصر التزمير والتطيبل ، من عصر وطني إلى عشائري قبلي وطائفي مذهبي ، لنحسن الإبداع ونعرف الانصياع للغة الإرادة الأسرية الموحدة فصار لنا اسم يطرب للممانعة ويعزف على نغمات المخاتلة والمساومة، وبقدرة الضربة الصائدة في حركة تسديدية حاقدة انتقلنا من الجمهورية السورية، إلى الجملوكية العربية الأسدية لضرورات المصلحة الاقتصادية والادارية وللحكمة التاريخية!.
* ــ كيف لك أن تدرك أنك في بلد يتناسل كالأرانب ويتقاتل كالأعداء بين الأهل والأشقاء زرعوا عبوات من الخلاف ونصبوا الحواجز والسواتر بين الجار وجاره ، بين الشقيق وشقيقه، فعملوا بنصيحة” فرق تسد”، وطبَّعوا الشعب وجوعوه كي يصفى لهم النهب وعلى العرش يسودوا ويتربعوا، فكلما زاد الفقر زاد النقر، وكلما جاع الناس ابتعدوا
عن الفعل والإحساس..كثر المنافقين والتجار ، الطب غدا تجارة وصيد وربح وشطارة، والأسعار لهيب ونار وسُعار ، أما البيوت فقد صارت من فخار يتكسر ويتبعثر عند أول هزة ، فالأعصاب مشدودة والأيدي مستعدة وممدودة للضرب والركل بين الزوج والزوجة وبين الأولاد ووالديهم ترفع السكاكين من أجل حفنة من الليرات وقليل من العبر والخبرات..المدربة في مدارس الطلائع والشبيبة، ومعاهد المخبرين والكَتيبة( بتسكين التاء ).
* ــ وبما أنكم ودعتم عيداً …كنت أتمنى أن يكون سعيدا ، فها أنتم تستقبلون عيدا من نوع خاص لا يعرفه ولا يسمع فيه الكثير من الناس…عيدكم اليوم بعد ستين عاما من خروجه للنور بوثيقة هامة تحمل لكم الكرامة وتصون إنسانيتكم…لكنكم بفضل الثقافة الحزبية والمادة الثامنة من الدستور لا تعرفون منها غير أنكم مقيدين بسلاسل أيديولوجية …ستعيد لكم وهج الاشتراكية بينما تفتح الأسواق الاجتماعية!!…لمن يستفيد منها ويزيد من أرباحه النهبية بينما يضعف قدراتكم الشرائية، وبهذا تصبح أعيادكم كلها أعيادا وطنية لا علاقة لها بالأعياد العالمية، إنها أعياد مستوردة مثلها مثل الديمقراطية…نرفضها لأنها من منابت غير عربية! ، ولأن السيد بوش استخدمها وطرحها كقميص عثمان في دخول العراق وأفغانستان، وبما أننا من جنس ( خالف تُعرف ، أو مانع تَربح ) في السوق العربية وبالذات البازارات الإيرانو ــ سورية. وجدنا فيها شعارا تحريضياً، وفرشنا ومهدنا لها الأرض المروية برياح تحفظ السلطة الاستبدادية بفضل دعم السلطة الدينية وعملائها من الأصولية والسلفية.
هويتكم الجديدة وعقيدتكم الأكيدة (أطيعوا ذوي الأمر منكم )، واحتفلوا بالمسيرات الشعبية ، التي تقررها وتعدها القيادات القومية والقطرية حيث تُفَّصل الدساتير وتُعَد الأضابير بما يتناسب والمرحلة الاستقرارية، التي تدوم وتطول بفعل صمتكم ومواقفكم السلبية..
ــ يطيب لنا اليوم أن نمر بعنابر المعتقلين من أبناء سورية الأبية، الذين يؤكدون يوماً بعد آخر، أن النور لابد سيلقي بأشعته الضوئية علينا وسيعيرنا الزمن اهتماماته لأن بيننا أبطالا عاهدوا…وعدوا وكانوا بمستوى الوعد …كانوا بمستوى الصمود والجد ، لأنهم أقسموا أن أرواحهم فداء الوطن من أجل سورية الديمقراطية.
سورية حرة بهم وبكم سيأتي يومها ولن تغيب فيها شمس الحرية،…عليكم أمر في عدرا…وفي صيدنايا حيث شبابنا الثورية…أكحل عيني من خلال الشباك وأمرر يدي لتلامس أصابع تجيد عزف الكلمة الحرة النقية…إنه عيدكم…إنه عيد بناه أمثالكم من الأحرار في نضالات عالمية، ستطفو ثقافتها وتعلو هاماتكم بفخر وعز في كل بقعة من بقاع أرضنا البهية…
العيد بكم سعيد…العيد بكم فرح مجيد…وإلى اللقاء في نهاية الشهر….ننتظركم وننتظر …ربما!! يكون لقضائنا كلمته الفصل فيستغني ويعلن أنه حر نزيه…وأنه لن يعدم الكلمة ولن يقتل فينا وهج الحرية.
ــ باريس 10/10/2008
خاص – صفحات سورية –