واشنطن ودمشق وخريطة طريق جديدة
محمد السعيد ادريس
لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مع نظيرها السوري وليد المعلم في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى هامش اجتماعات لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية واللجنة الرباعية الدولية، واتساع اللقاء ليشمل ملفات إقليمية مهمة تتجاوز المفاوضات السورية غير المباشرة مع “إسرائيل” بوساطة تركية مثل العراق ولبنان ودارفور وعملية السلام في الشرق الأوسط (ما كان يسمى بالصراع العربي- الصهيوني) يكشف عن حقيقة مهمة هي أن واشنطن باتت في معرض مراجعة موقفها من دمشق والتعامل معها على أنها طرف أصيل وقوي في “محور الشر” الذي تعاديه واشنطن وتسعى لاحتوائه. وبوضوح أكثر أن واشنطن تبحث عن “خريطة طريق جديدة” تدير بها العلاقة مع دمشق وتراجع بها خريطة تحالفاتها في المنطقة.
فواشنطن سبق أن توافقت مع دولة الكيان الصهيوني حول الشروط الأساس التي يمكن بها إعادة الجولان إلى سوريا، وهي تفكيك التحالف السوري مع إيران، وقطع العلاقات مع حزب الله (لبنان) وطرد وإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المعوقة لعملية التسوية من دمشق. هذه الشروط اصطدمت بموقف سوري واضح وصريح يطالب بأن تكون واشنطن طرفاً مباشرة في أي مفاوضات مباشرة مع “إسرائيل” وأن تكون طرفاً ضامناً لأي اتفاقات، وأن تنهي سياسة الضغط والاحتواء والعداء مع سوريا، كل هذا دون أن تعلن سوريا أو حتى تلمح بقبول الشروط الأمريكية- “الإسرائيلية”.
كل هذا أضحى معروفاً لكن الجديد هو أن سوريا أخذت تمتلك أوراقاً جديدة في التعامل مع واشنطن، فهي من ناحية لم تعد الطرف المعوق لحل الأزمات السياسية في لبنان، وهي بفضل إنجاحها لاتفاق الدوحة الخاص بلبنان، نجحت في فتح صفحة جديدة مع فرنسا، وهي الآن تتمتع بعلاقات تحالف قوية مع كل من روسيا وتركيا، وقدمت مبادرات تدرك واشنطن أهميتها بالنسبة للأوضاع داخل العراق.
هذا يعني أن سوريا لم تعد معزولة، ولم تعد تستمد قوتها من تحالفها مع إيران فقط، فتركيا واعية الآن بأهمية توثيق علاقاتها مع دمشق، حضور رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان القمة الرباعية الشهيرة التي عقدت في دمشق بمشاركة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (ممثلاً للاتحاد الأوروبي) وأمير دولة قطر (ممثل مجلس التعاون الخليجي) والرئيس السوري بشار الأسد (ممثلاً للجامعة العربية) يقول ويؤكد أن تركيا أضحت حليفاً مهماً لسوريا، وأن تركيا غير مستعدة للتفريط في هذه العلاقة في ظل تطورات مهمة ومتسارعة تحدث في المنطقة.
يأتي التقارب السوري- الروسي المتصاعد في وقت يحتدم فيه الخلاف الروسي- الأمريكي حول إدارة النظام العالمي ودعوة روسيا للتنافس مع الولايات المتحدة على الزعامة الدولية، ونجاح روسيا المبهر في إدارة أزمة جورجيا، ليقول ان سوريا أصبحت أو هي في طريقها لأن تصبح أهم قواعد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط خصوصاً إذا اتجهت موسكو إلى نقل أسطولها البحري من البحر الأسود وخاصة من الموانئ الأوكرانية إلى البحر المتوسط وبالتحديد إلى الموانئ السورية.
إن سوريا العائدة إلى لبنان وصاحبة الوجود في العراق، والحليفة لإيران، ومالكة أوراق مهمة في الشأن الفلسطيني، والتي نجحت في اختراق الحصار الغربي لها بالتقارب مع فرنسا والتي تتجه للتحالف مع روسيا لم تعد لقمة سائقة لسياسة الاحتواء الأمريكية. لكن واشنطن مطالبة بمراجعة مجمل تحالفاتها في الشرق الأوسط وإعادة تنسيق أوراقها وصياغة خريطة طريق جديدة لهذه التحالفات تبدأ بسوريا وتمتد إلى كل المنطقة.
الخليج