صفحات سورية

مدلولات جنون الإرهاب في سورية

null
د. عبدالله تركماني
التفجير الذي استهدف دمشق في 27 سبتمبر/أيلول الماضي عملية إرهابية بكل المقاييس. فما هي الرسائل التي أراد الإرهابيون إيصالها ولمن ؟ وما هي دلالاتها ؟
بغض النظر عن الجهة المخططة والمنفذة والمستفيدة وعن أغراضها، لا يمكن تجاهل أمر واقع يتمثل بقدرة الإرهابيين على الاختراق الأمني. فللمرة الثالثة، في غضون أشهر معدودة‏,‏ تشهد سورية حدثا إرهابيا‏:‏ ففي فبراير/شباط الماضي اغتيل عماد مغنية، القائد العسكري البارز في حزب الله اللبناني، في أحد أحياء دمشق المعروفة بشدة الإجراءات الأمنية فيها‏.‏ وفي أغسطس/آب الماضي أُعلن عن جريمة اغتيال المستشار الأمني للرئيس الأسد العميد محمد سليمان‏,‏ ثم جاءت حادثة التفجير الأخيرة‏.‏ الأمر الذي يثير التساؤل حول حدود الاختراق الخارجي والانكشاف الأمني الواقع بالفعل‏,‏ ويدفع إلى القول بأنّ سورية لم تعد بلد الأمان التي اشتهرت به لفترة طويلة سابقة‏,‏ ولكنها تدخل الآن إلى مرحلة  خطيرة‏.
إنّ الشيء المتفق عليه، ما بين أصدقاء وخصوم النظام السوري، هو غموض السياسة السورية والتباسها‏,‏ وإرسالها إشارات متعارضة‏. فلم يحدث أن أعلنت السلطات السورية عن انتهاء التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية السورية بشأن العمليات الإرهابية السابقة‏,‏ وظلت الأمور ومازالت في مجال توزيع الاتهامات الغامضة لأطراف غير محددة كـ ” الإرهاب العابر للحدود‏ “,‏ أو ” العدو التاريخي للأمة العربية‏ “,‏ وغير ذلك من اتهامات لجهات مجهولة‏. فهل يكفي القول أنّ المنفّذ ” على علاقة بجماعة تتبع تنظيما تكفيريا ” وأنه دخل بالسيارة التي نفّذ بها العملية ” عن طريق مركز حدودي لدولة عربية مجاورة “. وهل يكفي قول صحيفة ” تشرين ” الرسمية أنّ سورية ” أقوى من الإرهاب “. ومما يزيد الطين بلة أنه لم يحدث أن أعلنت أية جهة مسؤوليتها عن تنفيذ هذه العملية أو تلك‏.‏

وفي كل الأحوال يظل الغموض هو سيد الموقف‏,‏ سواء من الجهة الفاعلة أو من جهة الأجهزة الأمنية المسؤولة، بما يحتمل العديد من التفسيرات‏,‏ وتلك بدورها مفارقة أخرى تعكس نوعا من التلاقي غير المنطقي بين الجاني والمجني عليه‏. مما لا يستبعد وجود خلافات ما بين الأجنحة المتنفذة في السلطة السورية‏.‏ وقد يكون التفجير الانتحاري في دمشق مرتبطا بالصفحة الجديدة من العلاقات بين سورية والغرب، وقد أراد المسؤولون عن هذه العملية أن يكتبوا رسالة واضحة موجهة إلى القيادة السورية وفحواها: لا تتوهموا أنّ بإمكانكم أن تعقدوا صفقة مع الغرب على حسابنا، ولا تظنوا أنّ بمستطاعكم أن تبيعوه ضمانات بحفظ الاستقرار في لبنان والعراق وفلسطين رغما عنا.  وفي الوقت نفسه إبلاغ الغرب أنّ سورية، التي لا تستطيع أن تحفظ أمنها الداخلي، ليست مؤهلة لصون الاستقرار خارج حدودها، وعليهم ألا يبالغوا في الرهان على دورها في هذا المجال، وبالتالي فهم يخطئون إذا افترضوا أنّ التعاون معها يشكل ممرا لتحقيق الأمن الإقليمي في المنطقة.
وأيا كانت هوية من يقف وراء العملية، فإنّ مدلولاتها واضحة: دمشق لم تعد المدينة الآمنة، والسلطة السورية تحصد اليوم ما زرعته على مدار السنوات الأخيرة من خلال سياسة خارجية متطرفة داعمة للإرهاب.  ومن حق المواطن السوري الذي روّعته العملية الإرهابية الأخيرة في عاصمة بلده، أن يعرف من هو وراء هذا العمل الإجرامي الرهيب، تخطيطا وتمويلا وتنفيذا. ومن واجب النظام الذي يحكمه أن يقدم له الدليل القاطع على هذا، كي يعرف في المحصلة، من هو عدوه الحقيقي الذي يستهدف أمنه واستقراره وحياته. مما يستوجب ضرورة تحصين الجبهة الداخلية من خلال المزيد من الحريات الديمقراطية  واحترام حقوق الإنسان، والإسراع إلى عقد مؤتمر وطني شامل لكل أطياف الحياة الفكرية والسياسية السورية، يضع سورية على طريق أن تكون لكل مواطنيها، وأن تكون المسؤولية في مراكز الدولة تكليفا وليس تشريفا، على قاعدة الكفاءة وليس الولاء للحزب الحاكم.
ووسط هذا كله فإنّ السلطة السورية مطالبة بتحديد خياراتها الحقيقية‏:‏ الإصلاح الداخلي والسلام الإقليمي أم شعارات المواجهة والعمليات الغامضة هنا وهناك ؟‏
إنّ المنطقة العربية كلها باتت موضوعة على مائدة التفكيك وتقطيع الأوصال، والإرهاب الذي ضرب سورية هو عنوان المرحلة، ولم تعد هناك أية دولة محصنة من أعراضه. فالمنطقة في حال من الاحتقان الشديد إثر استفحال الفساد، وانتشار الفقر، وظهور جيل يشكل نصف تعداد الأمة بلا مستقبل، وفي ظل غياب كامل للمشروع الوطني والتوزيع العادل للثروات، واعتماد الحلول  الأمنية فقط، وتغييب الحلول الاجتماعية والسياسية.
تونس  في 5/10/2008
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
صحيفة ” الوقت ” البحرينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى