صفحات الشعر

من قصائد السكان الأصليين (الهنود الحمر) في كندا: هل يمكن أن يكون ريش الغراب أبيض؟!

تورنتو ـ جاكلين سلام
دانيال ديفيد موسى، شاعر وكاتب مسرحي كندي من الهنود الحمر، مواليد 1952. ولد وترعرع في مزرعة قرب أونتاريو للسكان الأصليين. نشر كتابه الأول عام 1974، له عدة إصدارات في الشعر، والمسرح. حاز على جوائز وترشيحات مهمة في كندا عن أدبه وكتاباته في الدراما. درس في جامعات تورنتو وحصل على ماجستير في الفنون الجميلة، وهو يقوم بتدريسها في جامعات اونتاريو وتورنتو حيث يقيم الآن. حرر عدداً من الانطولوجيات المختصة بالأدب الكندي- الأصلي. وظهرت أعماله في عدد من الأنطولوجيات الشعرية ومنها »انطولوجيا شعر الكنديين المثليين الذكور« – فكرة لمن يرغب في السطو عليها-.
ليس كل ما يكتبه الهنود الحمر أدب »قضية« وتاريخ إبادة رغم أن لفلسطين نصيب في بعض قصائد اتيحت لي قراءاتها، وهناك أدب جماليات وإشكاليات الحياة الفردية والرؤى الشخصية وعذاباتها. ورغم أن الكاتب مشتغل في البحث والتوثيق لأدب الهنود الحمر في مختارات خاصة، إلا أنّه في هذه القصائد يجنح نحو نيرانه وأغوار ذاته. النبض والصورة استقيا من بئر مخيلة ثرية، بنفحة سريالية رمزية يحكي للنار ولذاته عن رسالة شخصية – قد تكون رسالة حبّ، وقلما أجد في أدب الهنود الحب عشقاً وولهاً ورمانسية-. يتحدث عن تداعيات الشتاء على روح الفرد والمكان، من دون سوداوية. يكتب بلا تهويل عن موت فرد يبقى حصانه حياً بعد أن يترجل عنه، السماء التي لن تنطبق عند رحيل فرد. القصائد مكتوبة في نهايات التسعينات ومنتقاة من أنطولوجيا »شعراء الهنود الحمر المعاصرين في كندا«. تحمل العناوين التالية: الرسالة، هل يمكن أن يكون ريش الغراب أبيض، أغنية مرتجلة، السماء لن تنطبق طبعاً. ترجمت قصائده إلى لغات عديدة منها: الفرنسية، الصينية، الاسبانية، الألمانية والتشيكية.
[ الرسالة
هذا الجميل الذي تطلبه من نفسك
قد لا يخدمك في شيء- لكن قلِْ
لنفسك إنه سوف يفعل، قل لنفسك إنه

يجب أن ينقذ جلدك، أن يحمل النار خارج
جسدك قبل أن يصبح ذلك متأخراً جداً. قبلَ
أن تنال منك هذه الحرارة الشديدة، التي تستبدل

بالرماد. القليل الذي بقي
قلما يجعلك تشعر بالانزعاج لأنها
ليستْ سهلة القراءة – قلما
تجعلك قادراً على التحكم بالموضوع. من فضلك،
ذاك الخراب فيكَ يقول، تخلّى عن الرسالة.
لقّمها للنار. سهلُ على النار
أن تلتهم. الورقة
الوقود الأكثر وهجاً لإثنين بعد نهاية المطاف.

الجسد، بتورده وأوردته، يبدو
غبياً جداً إلى جوارها. سوف تبدو
فقط – تبادلُ نيرانٍ. النار
تستطيع أن تأخذ الورقة وتبقيكَ

وحيداً. كم جميل أن تدرك أن
قراءة الرسالة لن تدفع النار
لاإشتعال في داخلك أبداً.

خطُ اليد عليها، لن يصبح
ببساطة أسوداً وأبيض ثانية على الإطلاق، بسهولة
إقرأ وأنت تنحني برأسك فوق
اللهب وتلتقط بعض الكلمات، بعض العبارات
للمرة الأخيرة – ربما عباراتك، ربما
يكون الاسم الآخر قد زال
وطمسه الدخان- وجهك تحت الضوء
غارق في السخام، سيهدأ
ويصبح عادياً لا أكثر
بل ونظيفاً بعد أن تغسله، سوف ترى
الجلد ناعماً، خالياً من التجاعيد، حراً
ثانية،
تقلّبُ صفحة جديدة.
[ هل يمكن أن يكون ريش الغراب أبيض؟

إنّه الشتاءٌ، أدمدمُ، كما لو أن الكلمة
ستخفف البرد، وألتصق بنافذة الطائرة، أو بقول

قديم معروف يقول بأن الجليد
يتطاير ريشاً فوق »بحيرة العبودية الكبيرة« تحتنا.
في البيت عندما نقول جاء الشتاء، الكلمة، الكلمات
تخبط الهواء، الأوراق تتغير ألوانهاـ
تتساقط، مجرد شائعات عن الوصول،

ونجهّز أنفسنا، الشمس ما تزال تعشش
في رؤوسنا، لذلك لا نؤمن تماماً
أن الشتاء وشيك. أما اليوم

حيث الشمس وراءنا تقريباً،
نحن الذين لنا وجهة،
نطير إلى الجزيرة وفق جدول وخطة
عبر المحيط المتجمد، إنها هذه الكلمات
هذه الكلمة التي تسقط من لساني وتغطس
تحت أنفاسي، والوجه الصخري

للكلمة يستدير نحونا ويصبح أبيض
خالياً من التعبير. نعم، هذه كلمات
من لغة مهاجرة. هذا المكان

لا يحتوي على ما خُلق من أجله.
نقول شتاء ثانية وثالثة
بلا نهاية. إنها نكتة أو دمعة

إنّه سؤال في أحسن الأحوال. كم من السنوات
قبل أن تسمع آذاننا هذه الكلمة- مقطعين صوتيين كتعويذة؟

أسألُ اللغات الكائنة هنا.
هل نحتاج إلى أجيال، قسوة
جليد يشحذ أطراف ألسنتنا، قبل
أن تصبح الذائقة أساسية وحقيقية،
قبل أن يقف البيت على قدميه
ويحلم بالغناء، عشّ ممتلئ بالوهج

أفواه مفتوحة عندما تبعثر الريح
عظامها، الظلال البيضاء تصبح أجنحة. نعم،
اللغة تفرّخ، إنها حكيمة كالبيضة.

[ أغنية مرتجلة

لستُ أجرؤ على مقارنة يدك
مع تلك التي لأمرأة أو طفل
أو مع جناج مضمون لطائر
مستريح على الطاولة. أنا لا
أجرؤ هنا على مقارنتها حتى
مع يدي المبسوطة
والتي بمقدروها أن تحضنك أو تغطي يديك
فيما نحن نتكلم.
ليدكِ القدرة على ملامسة صدرك لتبطئ

أو توقف دقات قلبك.
ما الذي تريده إذن من حاجة اللمس،
لعشّ، أبٍ أو إنسان؟

أتمسّك بكأسي، أدعه
أنتهي من شرب القهوة،
غير راغب في الجرأة على مقارنة
وداع يد ليد. هناك
قد أصبح مأخوذاً بالرغبة إلى
المعانقة أو المسايرة أو الطيران.
[ السماء لن تنطبق طبعاً

طبعاً، عندما يجعلك العطش تترجل
عن حصانك، سيأخذك الإسترخاء
حيث سقطّت. من لديه القدرة
أو الرغبة أو العمود الفقري ليتحرك-
أو لمجرد أن يفكر في ذلك؟

طبعاً، أنت تصدق أذنيك
وعينيك – رغم تلك الطاقة
الهزيلة وما كان عليك ذلك. يبدو
أنهم أخبروك أن السماء مفتوحة
لأجلك فقط!

طبعاً، قد يكون هذا حقيقة
كل ما يعرفونه. الهواء الجاف،
حتى الأصوات باتت مبهمة
وغبارية والأضواء فظة
إنها تجعل منظرك أشد رعونة.

طبعاً، سوف تخطئ بين حصانك
( إذا هرول إلى الخلف) وبين الغيمة،
قل، هذا إذا قصف الرعد.
هذه المشاعر دعها تتدلى من عينيك
حيث الطيور نائية لا تسمع.

طبعاً، أنت تسحب أنفاسك
وقسوة الغبار على الريح
وطعم السحب المتراكمة،
تتوقع أن عاصفة ستحجب السماء هناك.

طبعا، الشمس
عين بيضاء تحدق في الريح
في وجه السماء الأزرق، وجه
منبسط تستطيع أن تنكره
ولا شيء تقدمه عيناك.

طبعاً، السماء تفضّل المستنقعات.
إنها تنهبها بخفة من
وجه الأرض. السماء
لا تكترث بك أكثر-
وإلا فستنهب عيناك أيضاً.

طبعاً، أنت الآن غاضب جداً
وتشعر بالغيرة، طاقتك
كافية لتظهر كم أنت موتور،
كم يرثى لحالك.

طبعاً، أنتَ منزعج
السماء الغبية جداً لن ترى
موتك. أتراها ستواصل التحديق إليك في أسف،
من غير أن تعلن أنها الرابحة؟

طبعاً، أنت مخطئ.
السماء ممتلئة بالندم.
الظلام في وجهها يبكي
العيون التي هناك في الأرض،
ستسقي حصانك أيضأ.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى