ماذا عن السيارة المتفجرة أمام فرع فلسطين الأمني في دمشق
بدرالدين حسن قربي
ابتداءً نؤكد أننا مع كل الأصوات من مجلس الأمن الدولي والدول العربية والأجنبية إلى كل المعارضين السوريين المنفيين طوعاً وقسراً من نيوزيلندا حتى مدينة سياتل على المحيط الهادي إدانةً وشجباً واستنكاراً لكل اعتداءٍ على حياة الآمنين وترويعهم ولكل عملٍ إجرامي ينال من أمن الناس وحياتهم في البر والبحر والجو سواء كان من فرد في المجتمع أو جماعةٍ أو نظام أو حكومة أو دولة . نقول ذلك مقدمةً لبعض قراآتٍ وتساؤلات فيما كان من حادث التفجير أمام أحد أكبر المراكز المخابراتية في العاصمة السورية منذ أسبوع في مكان له سمعته وأهميته خوفاً ورعباًً ورهباً وفي الذكرى السنوية الأولى لاغتيال أو قتل الخطيب الحلبي المصقاع محمود قولاغاسي أبوالقعقاع، الذي اشتهر في مدينة حلب شيخاً سلطوياً ناراً على علم يحث الشباب على جهاد أعداء الله والأمة ومقاومة المحتلين في الجولان وتجنيدهم للسفر لمحاربة القوات الأمريكية ومن يشد على أيديها.
وسائل الإعلام الرسمية فيما قالت ومانقل عنها من مشاهد وصور ورواية للحدث فيما هو مسموح، وقعت في إشكاليات زمانية ومكانية ومعلوماتية على طريقتها وشفافيتها في صناعة الخبر من مَصدره ومُصدّره الإعلام السوري العتيد حيث تضمن كلاماً غير منسجم طولاً وعرضاً. وإننا إذ نلحظ ذلك فإننا نعتمد في القراءة على ماكان في الرواية الرسمية للعملية المروّعة والمدانة ومبتعدين عن النظرية المؤامراتية.
عملية تفجير بالضخامة التي أذيعت، ومانقل من أن أهل دمشق بل ومناطق بعيدة عنها وماحولها سمعوا حسيسها قبيل الثامنة صبيحة ليلةٍ مباركة، أُعلن عنها رسمياً أنها كانت في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً أي بتأخير ساعة تقريباً عن الوقت الحقيقي للتفجير المشبوه. فإذا أنصتنا إلى من يقول بأن عودة شخصية مهمة جداً من سفرها عن طريق المطار كانت في ذلك الوقت وقبيل الانفجار يكون مفهوماً لنا بعض السبب في التغيير لئلا يظن من في قلبه مرض أو من الناس إياهم والعياذ بالله أو يرد إلى ذهن أحد ما أن هدف التفجير كان شيئاً غير الذي كان، فتضعف عزيمة الأمة أو تتأثر نفسيتها ويقع المحظور. عموماً يبقى موضوع تأخير الوقت لساعة تقريباً عن وقت التفجير تساؤلاً وجيهاً لعله يجد إجابة له من الإعلام أو أي جهة رسمية أخرى.
أشار الخبر الإعلامي أيضاً إلى بعض موجودات المكان مدنياً وبالتحديد، كما صور بعضاً مما يحيط بمسرح التفجير، ولكنه تغاضى الإشارة والحديث بقصدٍ أو غيره عن أن السيارة المفخخة كانت على الجهة المقابلة لمجمع أمني عتيد يضم واحداً من أشهر فروع الأمن حمّلوه اسماً عزيزاً كريماً هو اسم فلسطين، وهو فرع لأشهر مراكز الأمن العتيدة التي اشتهرت بتاريخ مشهود كغيرها في تعذيب المواطنين واضطهادهم وإذلالهم وقمعهم. فإذا علمنا بأن هدف السيارات المفخخة عموماً يكون المراكز الأمنية وأكابر ناسها، والشخصيات المؤثرة وذات الوزن في السلطة، يكون مفهوماً لنا حصر السلطات الرسمية للمدنيين هدفاً لسيارة الموت في الأيام الأولى والابتعاد عن الإشارة للفرع الأمني لئلا يظن أعداء أجهزة المخابرات وكارهيها لاسمح الله أن الفرع ومن فيه قد أصابهم مكروه، أو تعكّر مزاجهم بسوء، فيفرح الذي في قلبه زيغ والعياذ بالله.
كما أشار الخبر الرسمي إلى أن السيارة كانت مفخخة بحوالي 200 كغ من المتفجرات الشديدة الانفجار، ومتوقفة بتخطيط منفذيها في مكان مكتظ بالناس المدنيين والعابرين لتحقق أكبر حجم من الأضرار والإضرار وكان عدد القتلى 17 والجرحى بالعشرات، وهو هدف أكدوا عليه بداية وكان لهم عليه تحفظاً انتهاء عندما لفتوا نظرنا إلى أسباب ستكشف لاحقاً كما أسلفنا. عموماً لسنا هنا في مقام التقليل من عدد القتلى والجرحى، فحتى لو كان العدد واحداً فالعمل مدان ومرفوض من مبدأ إنساني كريم يعلمنا أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً، وإنما نفترض عليهم تقليل وزن العبوة الناسفة المذكور لينسجم مع العدد الرسمي المشار إليه من المصابين، أو نفترض أن تقدير الوزن كان قريباً جداً للواقع وإنما تمّ إغفال الإشارة للعدد الحقيقي من الضحايا والمصابين في المجمع الأمني المقابل لمكان السيارة المتفجرة لاعتباراتٍ ما على الرغم من أن الناس تتناقل خبر مقتل عدد من العسكريين الذين تغاضت البيانات الرسمية عن الإشارة إليهم.
إذا ضممنا ماقلناه من الإرجاء الرسمي لوقت الانفجار، وحصر هدف السيارة المتفجرة بالمدنيين تحديداً واستثناء المخابراتيين والأمنيين، وعدم الإشارة البتة إلى أسماء الضحايا والجرحى وهم مدنييون حسب الرواية الرسمية فهو مريب وغير مبرر إلا اسمين لعسكريين اثنين أوردتهما الوكالة الروسية للأنباء بعد أيام. إذا ضممنا كل ماسبق إلى أمرٍ آخر كان في غاية الغرابة ومثيراً للتساؤل أيضاً في عمل إرهابي يقال بأنه كان يستهدف المدنيين والأبرياء الغافلين عن سبب منع الإعلام غير الرسمي صحافةً وفضائيات والخارجي منه خصوصاً من الحضور والتصوير والنقل وهو أمر لو تحقق لسوف يفضح بشكل أكثر عملاً إجرامياً استهدف المدنيين والأبرياء، ويخدم في مواجهة الإرهاب.
رغم قناعتنا وتأكيدنا أن التفجير مدان ومرفوض كائناً من كان منفذه ومهما كانت مبرراته، ورغم قناعة الجهات الرسمية أيضاً أن روايتهم مكتملة الحبكة ويفترض فيها أن تقنع الجماهير، رغم أن حديث الناس في دمشق العاصمة خلاف ذلك، فإن الضمة السابقة التي أشرنا إليها وجمعناها تؤكد أو أنها تثير شبهات بالغة على الأقل في أن الرواية الرسمية للحدث اتّسمت بالتفكك وافتقدت الانسجام والترابط فضلاً عن الشفافية في حدث يفترض فيه الصدقية والشفافية التامة ولاسيما أنه يستهدف المدنيين والأبرياء. وهذا مايدعونا وغيرنا للاعتقاد بأن المسألة فيها مافيها قولاً وتحليلاً واستنتاجاً فضلاً عن معرفة من الفاعل ومن هو وراء الحدث الذي هزّ العاصمة السورية.
القضية الأكبر في الحدث التفجيري أنه كان حدثاً لم يدّعِه كما لم ينسبه إليه أحد، ومن ثم بقي لغزاً غامضاً في حدود الكلام الرسمي الذي قيل فزاده غموضاً، لأنه لم يتحدث عن جهة بذاتها ولا ذكر اسماً بعينه للشخصية الانتحارية التي أشار إليها وهكذا جاء كلاماً عاماً عائماً كأنما أريد له ألا يكون مفيداً سوى أنهم تكفيريون وكفى، ومن هنا انطلقت الشكوك والظنون تحليلاً وتساؤلاً عمن يكون الفاعل شخصاً وجهةً..!!؟
تفجير السيارة في الزمان والمكان المعلوم جاء شبيهاً جداً بالتفجيرات التي كانت تحدث في لبنان في سنواته الأخيرة مستهدفة بعض الشخصيات المهمة عند أناس وغير مهمة عند آخرين، فكان الموالون يتهمون النظام السوري، والمعارضون ومعهم سوريا يشيرون إلى إسرائيل باعتبارها سبب كل علّة، وفي الحالين كان نسب هذه الانفجارات فيما يبدو للناس مقطوعاً وهات ياتحقيقات. الشيء المختلف في التفجير السوري الحالي أن الجهات الرسمية بما فيها خطيب عيد الفطر في جامع بني أمية الدمشقي وهي هنا بمثابة الموالاة في المصطلح اللبناني أشارت بشكل واضح إلى جماعة من التكفيريين من دون توصيف أو تحديد فكانت الإشارة كعدمها، لأنها ربطت الحدث بثقب أوزون فكري وعقدي في المنطقة لعله أشد تعقيداً من ثقب الأوزون في شمال كرتنا الأرضية.
لسنا هنا في معرض مناقشة مايقال في السيارة المفخخة وصفاً ونسباً من رجال السياسة والأمن إلى مشايخ الدين والسلطان حتى عموم الناس من البسطاء في جوٍ يفتقد الشفافية، ومن ثمّ فهم موزعون اتهاماً وظنوناً ولكل منهم مؤيداته التي يتكلم عنها، فمابين متهمٍ منهم لإيران وحزب الله انتقاماً لفقيدهم الحاج مغنية وأشياء أخرى غيرها، أو معتبرٍ لها حقيقة أو وهماً أنها جزء من التصفيات في الصراع بين مكونات السلطة، أو أنها تحضيرات مهمة على أعتاب المحكمة الدولية لمن يعنيهم ويقلقهم أمرها، أو أنهم الأعداء الخارجيون لنظام صامد ممانع بسبب مواقفه التاريخية مفاوضةً سراً وعلانية أو حرباً وسلاماً في المؤتمرات والمنتديات، وهم يراد بهم حيثما ذكروا أمريكا وإسرائيل. أما ألطفهم فكان خطيب العيد حيث ذهب إلى أن من لم يعزّ الجهات الرسمية في الحادث فهو من كان وراء جريمة التفجير، وأشار توضيحاً وإبراء للذمة أنهم جهتان لاغير أحدهما إسرائيل. ولكن إذا كان من غير الممكن أن تكون إسرائيل هي المقصودة بمصطلح تكفيريين الذي ذكرته الجهة الرسمية، فعلى طريقة تحصيل حاصل تكون الجهة الأخرى قد حددها خطيبهم ولكن دون ذكر الاسم الذي أشارت إليه بعض الصحف الرسمية. كل الخوف أن تقوم هذه الجهة المتبقية بتقديم واجب العزاء ولو متأخراً أو تسأل الشيخ الخطيب الدمشقي ومن يقول بقوله: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( وقد سألوهم )، فيبقى زير المتهمين في بير الأمنيين، وتبقى الجريمة فعلاً مبنياً للمجهول.
ومابين التكتيك والحقيقة وبين ماهو أمني وسياسي ومحاولة البحث عن الفاعل وصعوبتها مع شعور البعض بنقصان الهيبة والقدر لسبب ما، فإن هذا البعض لايتوانى عن إيجاد جهة قابلة و(لبّيسة) لمثل هذه الأحداث أو حتى تصنيعها وفبركتها زوراً وبهتاناً ولو على طريقة (أبي عدس) إظهاراً للهيبة أو صرفاً للأنظار عن حقيقة المجرم والجريمة. ومن ثم يكون اللف والدوران والتزويغ لعدم الحديث في الممنوع، وليصدق على عمومهم ماقالته الايكونومست البريطانية: المتكلمون في المسألة لايعرفون، والعارفون لايتكلمون.
النظام السوري جاء على دبابة مع بيان رقم واحد، وعاش حياته ومازال بالأجهزة المخابراتية والأمنية واستمر بتصريحاتٍ منه دائمة على قاعدة الأمن أولاً وأخيراً ولو مع الجوع والفقر، والأدهى أنه أوجد قاعدة عريضة على طريقته تدعو ربها أن يديم عليها الحال رغم شدته وضنكه خوفاً من الويل والثبور وعظائم الأمور على طريقة السجان الذي يقنع سجناءه أنهم بخروجهم من السجن يموتون جوعاً، فلاسكن يؤويهم والدنيا لاترحم وأولاد الحرام لم يتركوا لابن الحلال شيئاً يَطعَمه أو بيتاً يسكنه، حتى أنهم لن يجدوا سجّاناً ناصحاً أحسن منه، فخير لهم أن يستمروا في غيابات سجنه بعيداً عن هم الجوع والمأوى وعدم وجود البديل إلا أن يكون نزالاً وكفاحاً ومجابهةً لأعداء الله والدين والأمة يطيب فيها موتهم ويعيش بها سجانهم. وعليه فإنه استطاع بعمليات لوجستية معقدة أن يستخدم من استخدم للمحافظة على حياته واستمراريته، ومستعملاً كل العمليات الحسابية والجبرية المعقدة ومستدعياً الديني والقومي في تحالفه الصامد والممانع مع المقاومين والمجاهدين في إيران ولبنان والعراق وفلسطين في مواجهةٍ تهدّدته.
ومن ثم يكون السؤال: إلى متى يستمر تضليل مثل هذا السجان، حتى ينكشف المستور، وينقلب السحر على الساحر، ليعقبه تساؤل: هل رجعت الصحوة لبعض هذه القاعدة أو القواعد من خلال مايدور في بازارات السياسة ويتبدّى منها، فاكتشفوا جديداً غاب عنهم في السكرات، وأنهم كانوا آخر من علم وقد جاءتهم (الفكرات)، فما كان يقدم على أنه الاستراتيجي في الشعارات والطروحات، تأكد أنه تكتيكي في النهايات، والعكس صحيح في المآلات..!!؟ وهل يكون هؤلاء الحلفاء والمؤيدين قادرين على هضم مقلبٍ أٌشرِبوه ثمّ ليُرمى بهم بعد أن استُخدِموا وانتفت الحاجة إليهم ولاسيما مع الشعور أنهم باتوا عبئاً ثقيلاً على من أيدوه ودعموه ونصروه في ساعة العسرة.!!؟
يقتضي إنصاف الإجابة أن عموم هؤلاء يمتلكون القابلية لابتلاع المقلب لاسيما إذا ترافق مع مهضمات مقدمة من مبررات وحجج براغماتية تبدو لمن أعطاهم المقلب المرتب أكثر من ضرورة له للزوم استمراره ودوام سلطانه، ولكن لاشك أن بعضهم سوف يواجه صعوبات بالغة في شرب المقلب ولو مع (كازوزة أو سفن أب)، ومن ثم يمكن لهم أن يغصوا فيه أو يختنقو، ولكن الآكد أنهم سوف يعترسون رفضاً لهكذا سلوك مهما كانت الحجج، ولاسيما أنهم لبثوا عمراً مديداً يُثوَّرون نضالاً ويُعبّؤون أحلاماً بتكسير الرؤوس وتحطيم المشاريع وفضح الخانعين والمستسلمين على سندانات الصامدين والممانعين ليظهر لهم انتهاءً المخبوء ممّا لايرضونه.
أما كيف ستكون عترسة المعترسين ورفض الرافضة فهو أمر لسوف تختلف صوره فيما نعتقد، ولعل التفجير في مقابل المجمع الأمني على طريق المطار عينة ليس أكثر، وهو أكبر من أن يكون تفجيراً إرهابياً لقوم يتفكرون، وياخبر اليوم بفلوس غداً ببلاش. فلئن خرج المقاوم الفلسطيني أخيراً على الناس مفاجئاً يجرف بجرافته، ويدهس بسيارته، فلسوف يخرج أيضاً بعض الحلفاء والمؤيدين على عصابات الشبيحة والنهابين والقامعين ممن باع بمقاومتهم واشترى بدمائهم..!!؟ ولسوف يخرج العامل والكادح والمعتّر منهم على عتاولة النهب والفساد ممن لايرون في قطر عرقهم إلا أصفاراً لملاييينهم وملياراتهم يفجّرون ويتفجّرون بعد أن ذاقوا المرارات وتحملوا قوانين الطوارئ بحجج الصمود والممانعة لعشرات من السنين..!!؟ ولسوف يخرج الجياع ومن لايجدون قوت يومهم بسكاكينهم على آكلي لقمة عيشهم وخبزهم، كما خرج كرام الناس وأفاضلهم بلسانهم وكلمتهم يبحثون عن كرامتهم وحريتهم المسلوبة.
هل يكفي اعتقاد حفنةٍ من الشبيحة والنهابين واللصوص المؤمنين أن سرقة لقمة عيش الملايين من فقراء الناس وجياعهم ومصّ دماءهم تجارة لاتبور لتكفيرهم، وكذلك أيضاً محاولة النظام لتظهير كل معارضة له أو نصح أو نقد بأنه تآمر ومؤامرة على بلد آمن سخاءً رخاءً صحةً وعافيةً، ويؤيده في هذا جوقة من المشطفين والمصفقين الذين لايرون في مصائبه وإعاقاته واستبداده وفساده وقمعه شيئاً مذكوراً..!!؟
إننا وبعيداً عن التفجيريين والتكفيريين وإدانتهم والصامدين والممانعين وأفعالهم، وماقيل ويقال إن صدقاً وإن كذباً فيما حصل مؤخراً أمام مركز أمني عتيد في دمشق، فإننا نعتقد أن المافياويين والقتلة والمجرمين فيما يصنعون ويُصنِّعون من إرهاب لابد ذائقوه، وما يطبخون من سمّ لابد يوماً آكلوه.
خاص – صفحات سورية –