أميركا من الداخل.. الديموقراطيون والجمهوريون
سمير التنير
يسيطر الحزبان الكبيران الديموقراطي والجمهوري على الحياة السياسية في الولايات المتحدة الاميركية وذلك منذ الاستقلال وحتى اليوم. ورغم المحاولات المستمرة لانشاء قوة سياسية ثالثة في مختلف الحقب والأزمان، الا انها باءت جميعها بالفشل. وكانت ظاهرة روس بيرو ورالف نادر (رئيس حزب الخضر حاليا) فقاعات صابون ما لبثت أن اختفت بسرعة. وكانت الأصوات التي نالها رالف نادر في انتخابات الرئاسة الاميركية عام ٢٠٠٠ هي السبب المباشر لفوز جورج و. بوش برئاسة اميركا. وقد تم ذلك بقرار قضائي، وليس بأصوات الناخبين.
أسس توماس جيفرسون ثالث رؤساء الولايات المتحدة، الحزب الديموقراطي في عام ١٧٩٨ ليمثل المواطنين العاديين. وكان الحزب دائما بطل التقدم الاجتماعي والدعوة الى تدخل الدولة في الاقتصاد، والذي يشكل العقد الجديد New Deal لروزفلت في الثلاثينات من القرن العشرين رمزا له. وقد شهد تاريخ الحزب فترة صعبة عند تحرير العبيد السود في القرن التاسع عشر، بينما كان يدافع عن النظام الاقتصادي الزراعي في الجنوب المهدد بتطور التصنيع في الشمال. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر عزز الحزب الديموقراطي قاعدته الشعبية الى حد كبير، وذلك بسبب تبنيه قضية المهاجرين الاوروبيين الذين كانوا يتدفقون الى المدن الكبرى والمراكز الصناعية في البلاد. وخصوصا في الشمال والشمال الشرقي. وقد دافع الديموقراطيون بقيادة وليم برايان بشدة عن حق المرأة في الانتخاب، ومبدأ فرض الضرائب تدريجيا على الدخل وانتخاب اعضاء مجلس الشيوخ بالانتخاب المباشر.
وفي بداية القرن العشرين اصبح الحزب الديموقراطي قوة مهيمنة في الحياة السياسية الاميركية وحتى السبعينات قبل ان يشهد تراجعا تلته نهضة جديدة مع بيل كلينتون والديموقراطيين الجدد.
وقد أقام الرئيس وودرو ولسون في العشرينات نظام الاحتياطي الفدرالي الذي يمثل المصرف المركزي ودفع الكونغرس الى اعتماد اول القوانين حول العمل وحقوق الاطفال. وبعد جيل كامل نجح فرانكلين روزفلت الذي انتخب عام ١٩٣٣ وسط الجمود الاقتصادي على اساس برنامجه »العقد الجديد« في تحريك الاقتصاد بسياسة ركزت على الاعمال الكبرى ومنحت الدولة دوراً اقتصادياً واجتماعياً مهماً وأساسياً خصوصاً. بإقامة النظام العام للتقاعد. وفي عهد هاري ترومان ثم جون كنيدي وليندون جونسون تبنى الديموقراطيون قضية ازالة الفصل العنصري في الجنوب التي أدت الى تبني القوانين حول المساواة في الحقوق المدنية وذلك في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وبعد اغتيال جون كنيدي أعلن جونسون »الحرب على الفقر« واطلق سلسلة من البرامج الاجتماعية الكبرى، ومن بينها التأمين الصحي للمسنين Med care. ولكن الحزب الديموقراطي تراجع بسرعة كبيرة في السبعينات والثمانينات. ثم استعاد مكانته بعد انتخاب بل كلينتون في عام ١٩٩٢ واعادة انتخابه عام .١٩٩٦ وقد شهدت الولايات المتحدة في عهد ادارة كليــنتون التي كانت عملية وتؤمن بالمركزية، عشر سنين من النمو الاقتـصادي.
وقد بقي الديموقراطيون أغلبية في مجلس الشيوخ حتى شهر تشرين الثاني عام .٢٠٠٢ ولكنهم فقدوا تلك الأغلبية بسبب مقتل السيناتور عن مينسوتا بول ولستون ليصبح عددهم مساويا لعدد المقاعد التي يشغلها الجمهوريون في المجلس الذي يضم مستقلا واحدا. ومن اصل حكام الولايات الخمسين ينتمي ٢١ منهم الى الحزب الديموقراطي وكذلك رؤساء بلديات معظم المدن الكبرى. وقد استعاد الحزب الديموقراطي سيطرته على مجلس الشيوخ عام .٢٠٠٦ اما الحزب الجمهوري فيشرح مبادئه السيناتور ترنت لوت. فالحزب في البدء يضم كل المحافظين من جميع الآراء. وهو يقول انه »يؤيد المبادئ الصحيحة والفلسفة الصحيحة«. وقد أثارت آراء لوت الكثير من الردود حول الحقوق المدنية. في مناسبة الاحتفال بالعيد المئة لولادة السيناتور والمرشح السابق لرئاسة اميركا ستروم ثورنمود. وكان على بوب دول رئيس الاغلبية في مجلس الشيوخ السابق ان يؤكد ان على اميركا ان تشكر جميع الذين عملوا من اجل المساواة في الحقوق السياسية« وهي أمور لا يحترمها اعضاء كثيرون من الحزب الجمهوري.
وبالعودة إلى الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة في عام ،١٩٤٨ والتي اعترض فيها ثورنموند على توسيع الحقوق المدنية للاميركيين السود. وقد قامت حملة ذلك المرشح على اعادة الفصل العنصري قائلا »ان كل قوانين واشنطن لن تستطيع ادخال السود الى بيوتنا ومدارسنا وكنائسنا«. ويتطلع لوت بشغف الى عودة تلك الأيام. ولكنه يعود الى الاعتذار ويعزو ذلك الى سوء اختياره للكلمات واستعمالها.
يمثل الحزب الجمهوري ما يمكن تسميته »بالقومية الاميركية« المتمثلة بالمهاجرين الاوروبيين البيض الذين كانوا على الدوام قادة السياسة العامة، والذين تسلم نوابهم كل المراكز المهمة في الدولة وفي القوات المسلحة. ولكن الأقليات استطاعت رغم ذلك اختراق الحواجز وتبوّء مراكز حساسة في الادارة الاميركية. وفي ادارة بوش الحالية هناك كوندليسا رايس وزيرة الخارجية، وقبلها كان كولن باول وزيرا للخارجية ايضا، وهما من السود. كما دخل وزارة بوش ايضا ممثلون عن الأقلية الناطقة بالاسبانية. وفي المجال الاقتصادي يتبنى الحزب الجمهوري الليبرالية الجديدة، التي قادت الاقتصاد الاميركي الى حافة الهاوية، في الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وهذه النظرية الاقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا بموجات العولمة، التي سادت الاقتصاد العالمي منذ الربع الأخير من القرن العشرين. كما يطبق الجمهوريون سياسة الانحياز للاغنياء. فكل رئيس منهم يفتتح عهده بتخفيض الضرائب عن الاغنياء. ويحاولون ايضا تقليص برامج الضمان الاجتماعي الى أقصى حد ممكن.
ميز دونالد رامسفيلد بين اوروبا الجديدة واوروبا القديمة بعد حرب احتلال العراق وما اثارته من تداعيات. ومن المفيد هنا الاشارة بأن ذلك ينطبق تماما على الولايات المتحدة الاميركية. فالانقسام القديم ـ الجديد فيها هو انقسام في السكان والاعراق والمناطق. والدوغما الاميركية مقسمة بين الأحمر والأزرق. وهذا الانقسام يبدو واضحا في المناطق الواقعة في السهول الاميركية، حيث التعلق بالدين، ومن حيث الاقامة في الضواحي المدينية. وتدعى تلك الولايات »بالولايات المتأرجحة« وهذه تصوت عادة للجمهوريين. وإزاء ذلك هناك السكان الذين يقطنون في المدن الساحلية وهؤلاء علمانيون على الأغلب. اما في المدن الصناعية فينقسم المواطنون البيض بين الأفكار المحافظة والقومية التي يمثلها الحزب الجمهوري وبين الليبرالية والاستقرار الاقتصادي والضمانات الاجتماعية التي يمثلها الحزب الديموقراطي.
انتصر جورج د. بوش في عام ٢٠٠٤ باستغلاله التعصب الديني الأعمى، الذي يمثله المحافظون الجدد ودعاة المسيحية الصهيونية. والقومية العمياء التي قادته الى اعلان الحرب على العالم العربي والاسلامي بحجة محاربة الارهاب. ولكن الفشل الذريع في الانتصار في العراق والكارثة المالية الحالية، أي الفشل في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا بد له من ان يبعد ماكين مرشح الجمهوريين من الوصول الى رئاسة اميركا.
([) كاتب لبناني
السفير