صفحات سورية

“خلاص” سوريا و”إخوانها”

null
عريب الرنتاوي
استفاق “إخوان سوريا” وإن بعد حين، على حقيقة أن لا خلاص لبلادهم بـ”جبهة الخلاص”، وأن هذا الإطار الذي انبثق في لحظة سياسية بالغة الخصوصية والدقة والصعوبة (بعد اغتيال الحريري وانشقاق خدام)، استنفذ أغراضه السياسية والدعائية منذ أن بدأت أطواق العزلة الدولية المضروبة حول دمشق، بالتفكك الواحد تلو الآخر، والمؤكد أن “إخوان سوريا” أدركوا أن “المنقذ والمخلص” الذي يتخذ من باريس مقرا له، لا ناقة له ولا جمل في عملية الإصلاح والتغيير في سوريا، وأن الرجل كان وسيظل، جزءاً من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل.
“إخوان سوريا” برروا خروجهم على “جبهة الخلاص” بالحاجة لنصرة “محور المقاومة والممانعة” في ضوء أحداث غزة، وهذا “تفسير” يمكن أن يكون مفهوما في ضوء اصطفاف معظم، إن لم نقل جميع الفروع الإخوانية العالمية، إلى جانب هذا المحور، ومن ضمنه النظام السوري الذي تناصبه الجماعة السورية أشد العداء، لكننا ونحن نتفهم هذا التفسير أو التبرير بالأحرى، لا نقبله كتفسير وحيد لهذه الانعطافة في مسيرة تحالفاتهم، إذ بالمعنى نفسه، واستنادا إلى الحجة ذاتها، فقد كان يتعين عليهم الإقدام على هذه الخطوة قبل ثلاث سنوات، عندما استهدفت حرب تموز فريقا “مقاوما وممانعا آخرا”، ومدعوم من سوريا أيضا، لكننا وجدنا الجماعة لا تبدي أي تعاطف جدي مع حزب الله، بل وتتقرب من خصومه من قوى 14 آذار كتيار المستقبل ووليد جنبلاط.
ثمة أسباب غير “المقاومة والممانعة”، تدفع “إخوان سوريا” لاتخاذ خطوة من هذا النوع، وفي هذا التوقيت بالذات، منها على سبيل المثال، إحساسهم بأن النظام خرج من عنق الزجاجة، وأن التحضيرات لـ”وراثته الوشيكة” التي بشّر بها عبد الحليم خدام، كانت متسرعة وسابقة لأوانها بكثير، وأن حلفاء جبهة الخلاص ومموليها وحاضنيها، يتسابقون اليوم لخطب ود دمشق.
والراجح أيضا، كما تقول مصادر عدة، من بينها خدام، أن قنوات اتصال خلفية بين الإخوان والنظام، قد فتحت مؤخرا، وأن الحركة عليها تسير بنشاط وفي الاتجاهين، وأن ثمة رهان قوي على “مصالحات وطنية” محتملة.
إن صحت هذه الأنباء (وليس مستبعدا أن تكون صحيحة)، فإنها ستعد من دون شك مؤشرا إيجابيا، بخلاف النبرة الاتهامية التي ميزت تعليق خدام على قرار الإخوان، والمأمول أن يشرِّع النظام السوري أبوابه لكل المعارضين الوطنيين، داخل سوريا وخارجها، وأن تكون هناك “مصالحات وطنية حقيقية” تقفل الباب في وجه رياح التدخل الأجنبي الضارة، فالمرحلة القادمة صعبة على سوريا والمنطقة عموما، خصوصا مع صعود اليمين واليمين المتطرف إلى سدة الحكم في إسرائيل، وهي تتطلب أوسع وأصلب الجبهات الوطنية الداخلية.
لكن المصالحة الوطنية، في سوريا أو غيرها من الأقطار، مثل رقصة التانغو، بحاجة لطرفين، السلطة والمعارضة، وهي ترقى إلى مستوى الضرورة، ويتعين الإقدام عليها بمعزل عن شروط اللحظة السياسية الراهنة، فلا تستقوي المعارضة بعزلة النظام وأزمته مع المجتمع الدولي لتحقيق مآرب ضيقة، ولا يدير النظام ظهره للمعارضة حين يستشعر أن الرياح الدولية تهب بما تشتهي سفنه، فالمشهد السياسي الإقليمي والدولي متحرك بقوة ومتبدل بسرعة، في حين تبقى قضايا المصالحة والوحدة الوطنية، من ثوابت الأوطان وأعمدتها، وما يصح على سوريا، يصح على غيرها من الدول العربية، سيما تلك التي تواجه إشكاليات جدية في العلاقة بين الحكم والمعارضة.
مركز القدس للدراسات السياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى