صفحات أخرى

تحت سماء الخداع البصري

محمد شرف
لا تقصد الخليقة دولة قطر، ودول الخليج عموماً، بهدف السياحة او الاستجمام او التعرّف الى المعالم، علماً بأن حكومات تلك الدول تعمل على تحويل بعض مرافقها واحات سياحية من طراز مختلف. يذهب الناس من بلادنا الى قطر للعمل، وللعمل فقط، بعدما تُغلق في وجوههم أبواب الرزق في وطنهم الأم. يفرّون من العوز المهين، ومن دجل السياسة ومناورات أصحابها الظرفاء.
لا سماء زرقاء في الدوحة. حكم كهذا يبدو إشكالياً ومبهماً في بلاد لا تمطر فيها السماء الاّ بقدرة قادر، وبفعل تيارات هوائية و”أنتيسكلون” لا تجد طريقاً اليها، يتمنى السكان قدومها ويصلّون من أجل ذلك بلا جدوى.
قلنا ان البلاد التي تفتقد الى الطقس العاصف والغيوم وزخات المطر المتساقطة، بعدما تُغلق أبواب السماء على اللون الجميل، تفتقر، على مناخها الحار، الى الازرق الذي نعرفه. يعود السبب الى عبوق غريب يبدأ من الأسفل، حيث تغيب رؤوس المباني وراء ضباب رملي لا يبان من خلاله الأفق، يمتد صعوداً ثم تخف وطأته كلما اقترب من مركز القبة السموية، فاسحاً في المجال لأزرق خجول هو مزيج من الكوبالت مع الكثير من الرمادي وبعض الابيض، لينتج من ذلك توليفة لونية لا تلبث أن تضيع معالمها مع أول عاصفة رملية. آخر عاصفة من هذا الطراز امتدت اياماً ثلاثة، توارت خلالها رسوم المباني بين ذرات الرمل، واتخذت الابراج الشاهقة الواقعة في منطقة الدفنة، هيئة سحرية لا يوازي غموضها سوى مشهد ناطحات سحاب مدينة نيويورك الرازحة تحت الغبار المتطاير من انهيار برجي مركز التجارة العالمي يوم 11 ايلول 2001، حين خرج من وسط الكابوس الجليل اشخاص ملونون بالابيض، يخيل الى من يراهم، وهو جاهل بالواقعة، انهم قادمون من مقلع حجارة.
بعض من التراث وكثير من الحداثة
مركز مدينة الدوحة القديم الى انقراض. جلّه من البيوت والحوانيت الصغيرة والأزقة الضيقة، تجتاحها الجرافات تدريجاً بعدما تعمل على هدمها كرات حديدية ثقيلة تؤرجحها آلة في الهواء ثم تلقي بها على جدران تئن وتتفسج قبل أن تنهار. لم يبقَ واقفاً سوى “سوق واقف” على انخفاض أحجامه المعمارية المرتفعة بقدر طبقتين في منزل عادي. تتألف معظم واجهاته من أقواس سريرية وأخرى حادة ترتاح جميعها على أعمدة سميكة من دون زخرفة، مكسوة بلون أبيض او مائل الى الاصفرار نجح المرممون في تعتيقها، إخفاء لعملية إعادة تأهيل يُشهد لمن قام بها بحسن خياراته التقنية. استقى السوق اسمه، كما يقال، من وضعية الوقوف المميزة للبائعين القدامى.
لا يعج السوق بالزبائن في أشهر الصيف القاسية، التي تصادف وجودنا في الدوحة مع وهجها. تعجب لصمود أصحاب الحوانيت المفتوحة ابوابها العريضة على الهواء، ما يجعل المكيّف عديم الفائدة. يقال ان الزوار يحتشدون في طرقه وساحاته شتاء بحيث يضيق بهم المكان الأشبه بقرية صغيرة تراثية. لم نشهد هذا الحشد ولا حتى بعض مؤشراته صيفاً، لا في النهار ولا في الليل. فحرارة الليل لا تختلف عن قيظ النهار الاّ قليلاً، وهذا القليل لا يفسح المجال لراحة او متعة مكتملة تحت قبة السماء، على مقاعد خشبية، تراثية ايضاً، ترتاح في الساحات الفاصلة بين الحوانيت. لم نشعر بالراحة ولم نهنأ بكأس احتسيناها منتصف الليل في الـ”سكاي بار” الواقع على طبقة مفتوحة من الطبقات العليا لفندق “لا سيغال”. كان الهواء الرطب ثقيلاً كالرصاص، ودفعنا ثمن الكأس ما يقارب الـ20 دولاراً، على قلة كمية الكحول التي تحتويها، كما لم نسترعِ انتباه فتاتين حسناوين متأنقتين كانتا تجلسان الى طاولة قريبة. لم تحن منهما أي إلتفاتة نحونا، أنا وصديقي، إذ لم يوحِ مظهرنا، ربما، بسوى التعب الذي كدّسه يوم آخر من العمل المرهق.
الفندق المذكور وسواه من الفنادق الجديدة تمثل وجهاً من وجوه الحداثة المعمارية البالغة أوج تجلياتها في منطقة الدفنة. يقال ان تلك المنطقة كانت بحراً وصارت يابسة بفعل الردم. حين زرنا الدفنة منذ سنوات عدة كان يمكن إحصاء ما تضمه من عمارات لم يتجاوز عددها اصابع اليدين، أما الآن فمن الصعب حصر امتدادها الأفقي ضمن حقل النظر، علماً بأن أول ما يلفت الناظر هو ارتفاعها، وما يلفت أكثر هي هندستها التي استثمرت كل إنجاز تقني متوافر من أجل صناعة عمارة بصرية في الدرجة الاولى، تستلهم أشكالاً بعضها قريب من المألوف، السائد، وبعضها الآخر خارج من عوالم الفانتازيا الفسيحة كي يتجسد شواهق من معدن وزجاج وحجر، ما كانت لتصبح واقعاً لولا توافر امكانات مادية خرافية، بالنسبة الى أمثالنا ممن ينهكهم بناء منزل متواضع. لسنا في وارد الحكم على الاساليب المعمارية المتبعة، او مناقشتها، فتلك حكاية تتطلب بحثاً خاصاً، لكن بعض الاشكال التي رأيناها يصعب اعتبار خروجها على المألوف انجازاً ينبغي أن يصفّق له. مثال على ذلك، البرج او البرجان التوأمان المسميان “زيغ زاغ تاورز”، اللذان يدل اسمهما على الشكل الذي يتخذه الحجم المعماري لكل منهما. فهما ليسا، في نظرنا كما في نظر الكثيرين، تحفتين هندسيتين، لا بل يتركان لدى المشاهد انطباعاً غير مريح. اضافة الى ذلك يقال ان مصممهما تعرّض لملاحقة قانونية، بعدما تبيّن ان فكرة المشروع مسروقة عن مخطط لمهندس آخر، ولا ندري كيف انتهت القضية.
دُفنت بعض أجزاء الشاطئ البحري وتُركت المياه ضمن مساحات أشبه بالخلجان فولدت من جراء ذلك “اللؤلؤة”: جنة ارضية اصطناعية تخترق المياه مفاصلها فتتكوّن مرافئ صغيرة سترسو على حفافيها يخوت فاخرة، وقرب الشواطئ تمتد مبان قليلة الارتفاع موزعة بين فنادق وشاليهات ومطاعم ومقاه، فضلاً عن محال لبيع الألبسة تحمل اسماء مشاهير في عالم الازياء، قرب كازينوات متعددة الوظائف والاحتمالات. سمعنا ان تلك البؤرة ستصبح أشبه بمنطقة حرة يرتادها السياح وهواة الاسترخاء خلال الشتاء القطري الذي يشبه الصيف الاوروبي من حيث حرارة الطقس، ويختلف عنه في انقطاع المطر الذي تنعم به باريس في عز الصيف، فيفاجئك وأنت تستحم في حوض سباحة، او خلال تسكعك بين مقاهي سان جرمان. على هذا الاساس تصبح “اللؤلؤة” نسخة خليجية عن شاطئ سان تروبيه الفرنسي او ماربيا الاسبانية، على شكل واحة صنعتها يد البشر من الألف الى الياء، وحمّلتها ما لا يخطر على البال، مما سيتمتع به القادرون على شراء النعيم من دون حساب المصاريف.
حرارة الطقس وتبعاتها
ترتدي مسألة الحماية من أشعة الشمس، ومن حرارتها، في الدوحة أهمية قصوى. أشهر الصيف هي فترة الـ”باسيزون”، على عكس ما هي الحال في أماكن أخرى كثيرة من العالم، ينتظر فيها الناس الفصل الدافئ كي ينعموا، لفترات غير طويلة، بأشعة تحجبها غيوم الشتاء مع نهاراته القصيرة. لا يتأثر سكان المدينة والعاملون فيها مرحلياً بالقيظ على النحو ذاته. هذه المسألة “الجوهرية”، وما تعنيه من راحة نسبية او ضيق وأعراض صحية محتملة، تتحول معياراً يُقاس على اساسه مركز المرء ورتبته ضمن السلم الاجتماعي، فتنقسم الخليقة فئات وطبقات، يحدد طبيعتها مقدار التعرّض للحرارة المنهكة.
يغادر من لا تحكمه طبيعة عمله من عليّة القوم المدينة الحارة الى بلاد ذات صيف رحيم، ومن لا يستطيع المغادرة، لأسباب مختلفة، يكتفي بالهواء المكيّف على مدار الساعة. الفئة الثانية، التي تضم الاجانب الاعلى كعباً، تضطرها ملاحقة سير العمل الى الاقامة أحياناً في أمكنة مكشوفة، او غير مبرّدة. أما الفئة الثالثة، الأكثر عدداً لكونها تضم العمال المقيمين في البلد، فهي الأشد عرضة لمزاجية الطقس في اشكالها الأكثر تطرفاً. هذا السواد الأعظم من السكان – العمال ينضوي تحت لوائه هنود ونيباليون وباكستانيون وفيليبنيون وعرب مصريون، قد لا تُلحظ أعدادهم الكبيرة نهاراً لتوزعهم على الورش، لكن الآسيويين منهم يحتشدون عادة عند العشيات، وأيام الجمعة عند المغيب، في وسط المدينة القديم قرب “تقاطع الكهرباء”، حيث يقف المئات منهم او يتحركون ببطء شديد، في حين يجلس البعض أرضاً، ويتناقشون جميعاً في أمور لا نعرفها بأصوات خافتة، تختلط جميعها، فيصدر عن الساحة ما يشبه الطنين.
لا يقف الجمع في الساحة فقط، بل يتناثر الافراد على الأرصفة وفي الطرق الفرعية بالمئات وربما بالالاف، اذا ما احتسبنا الموجودين في الحوانيت التي تعرض بضاعة رخيصة، وفي المطاعم الصغيرة الممتدة في عمق البناء أكثر من انفراجها عند حافة الرصيف، وتفوح منها روائح توابل من كل الاصناف المعروفة، وغير المعروفة. في كل الجموع المذكورة من الصعب أن تصادف كهلاً او شخصاً متقدماً في السن، لكن الأصعب هو أن تصادف فتاة واحدة. جلنا بنظرنا مراراً وتكراراً، يدفعنا الى ذلك فضول مرضي، علّنا نجد ممثلة واحدة عن الجنس اللطيف من دون جدوى. مجتمع ذكوري خالص يميّزه، الى عمر الشباب، لون البشرة الأسمر وحتى الشديد الإسمرار والشعر الاسود الكثيف، ونمط من الملابس لا يمت الى صرعات الموضة الرائجة بصلة.
يمارس من تم ذكرهم أعمالاً تتفاوت في صعوبتها، قد يكون أهونها قيادة سيارة التاكسي او العمل في محل تجاري او مطعم، وأكثرها قساوة كل ما له علاقة بأعمال البناء، على أنواعها. ليس المقصود هنا الاعمال نفسها، على الرغم من أن بعضها يتطلب جهداً وقوة عضلية، لكن المقصود هي الظروف التي تتم فيها تلك الأعمال وخصوصاً المناخية منها. اذ ان اعمال البناء تستدعي الانوجاد خارجاً في حرارة جو لا يحتملها الا الاشداء، وقد لا تكفي الشدة وحدها في حال لم تلتحم بالارادة. وبالعادة المكتسبة، او الفطرية، والصبر والجلد، وهذه كلها تنبع، اساساً، من حاجة مادية ملحة دفعت هؤلاء القوم الى ترك اوطانهم، ليكونوا الفئة الاكثر عرضة لقوة الطبيعة، في جانبها الحراري.
عامل المصعد وقيلولة منتصف النهار
القاعة الكبرى التي عملنا على زخرفتها، مساحتها الف متر مربع، او دونم واحد بحسب المفهوم الزراعي، لا اعمدة فيها، ولو امتدت على شكل مستطيل لساوت مساحة ملعب لكرة القدم. تقع في اعلى بناء يُعاد تأهيله، لا يزال مصعده الاساسي في طور التجهيز. في حالات مماثلة يصار الى استحداث مصعد موقت يلصق بالبناء من الخارج، لفترة محدودة، كي يصار الى تفكيكه بعد انتهاء الاشغال. تتحوط الادارة في استخدام المصعد الاساسي، الواقع في الداخل، المخصص للزوار والزبائن المستقبليين، فالتعاطي الاهوج المفترض مع الآلة المتحركة صعوداً ونزولاً على ايدي الشغيلة قد يحوله حطاماً في ايام معدودة.
المصعد الموقت المذكور ليس اكثر من قفص حديد يشبه اقفاص الدجاج او الطيور، لكنه يفوقها حجما ومتانة، ويفوق المصاعد العادية اصواتاً وصريرا، متميزاً عنها بعدم وجود ازرار كهربائية داخله للتحكم فيه، بل يقوم بهذه المهمة عامل يجلس في زاويته على كرسي من البلاستيك وامامه صندوق حديد ليس على صفحته سوى زرين: واحد للصعود وآخر للنزول. يقبع صاحبنا في مكانه لتشغيل المصعد، لساعات في الهواء الطلق المفعم بحرارة، ورطوبة احيانا، غنيين عن التعريف والوصف، مزودا تعليمات دقيقة تتعلق بعدد الاشخاص المسموح بنقلهم، تفادياً لحوادث ذات عواقب وخيمة.
لم نرتح كثيراً الى المصعد، اذ كانت طبيعته الهشة تقلقنا على رغم تطمينات المسؤولين. لكن مخاوفنا جاءت في محلها، اذ تغافل العامل مرة وبغير قصد عن الوزن المسموح به، فانقطع سلك من الاسلاك الفولاذية الاربعة الحاملة للآلة، ولو شاء القدر ان يكون الأمر مختلفا لانقطع اكثر من سلك، ما سيؤدي، لا سمح الله، الى “سقوط حر” للمصعد الى الطبقة الارضية. قفزت الى اذهاننا حادثة الاشرفية في بيروت الواقعة لسنوات خلت، والتي أفضت الى سقوط ما يزيد على 15 عاملاً امواتا، لدى انفلات مصعد من اسلاكه في احدى الورش. مرت حادثتنا بسلام واضحت التعليمات بعدها اكثر صرامة وصار مستعملو المصعد اكثر قلقا. تطلب اصلاح الآلة يومين، اضطررنا خلالهما الى سلوك الدرج الاسمنتي متسلقين حوالى 200 درجة، احصيناها عمدا، كي نصل الى الطبقة التاسعة، مما اضطرنا الى حصر تحركاتنا واختصارها الى الحد الادنى، الذي أُلغيت بموجبه زيارة الحمام، الواقع في الطبقة الاولى من المبنى.
لكن حالنا بقيت افضل من حال العمال الموكل اليهم نقل مواد البناء من الطبقة الارضية الى الطبقات العليا، اذ اضطر هؤلاء الى حمل ما هم قادرون عليه ونقله على الارجل صعودا الى المكان المطلوب مرات عديدة في اليوم الواحد. اكثر ما اثار حيرتنا واعجابنا ايضاً، اننا لم نلحظ تذمراً لدى احد منهم، ولا لدى كل من عمل في الورشة، بصرف النظر عن طبيعة مهمته وصعوبتها، لا بل كنا نلحظ وجوهاً مبتسمة او ضاحكة لدى افراد قانعين بما هم مقبلون عليه، وبالعالم الذي هم فيه، مع تناقضاته المقبولة من الجميع والمتفق عليها ضمناً، استناداً الى معرفة كل فرد بمكانته وموقعه في السلم الاجتماعي. وقد يتغاضى العاملون في الورشة عن العمل الزائد الموكل اليهم، لكنهم لا يفاوضون على حق مكتسب: النوم، او ما يسمى القيلولة، التي تعقب وجبة الغداء، وذلك بافتراشهم ارض القاعة، على صفائح كرتونية تجهز مسبقا. يسود حينها الصمت والهدوء، ونتجنب نحن، من غير المجهزين ولا القادرين على قيلولة من هذا النوع على رغم اغراءاتها، اصدار الاصوات احتراماً لحق النوم والحق في الحلم لمدة نصف ساعة من الزمن.
المول
لا تستقيم الامور في الدوحة من دون “المول”، اي تلك المجموعات التجارية الكبيرة الحجم ذات الوظيفة المتوافقة تماما مع طبيعة بلدان الخليج. كل “المولات” مقفلة في طبيعة الحال وليس فيها اي مساحات مكشوفة، اذ يتمحور دورها الرئيسي حول خلق ما يسمى micro climat ضمن مدينة لا تسمح طبيعتها بالتبضع او النزهة في الهواء الطلق طوال شهور عدة من العام. على هذا الاساس تُحشد في “المول” كل حاجات المرء، ما يجعل منه سوقا مكتمل العناصر، حتى ادق التفاصيل والملحقات المتمثلة في المقاهي والمطاعم وامكنة التسلية، مما يسمح بتمضية ساعات كاملة داخلها، قد تعقب اوقات العمل او فترات العطلة الاسبوعية.
يُعتبر الـ”فيلاجيو”، اي ما معناه القرية، “المول” الاحدث في الدوحة، على رغم انقضاء سنوات على افتتاحه. واذ هو يتطابق مع الامكنة الاخرى المماثلة من حيث الوظيفة، لكنه يتجاوزها من حيث الفكرة الهندسية والبعد الجمالي. ففي حين تُبنى “المولات” عادة، عموديا من اجل اختصار مساحة البناء، امتد “الفيلاجيو” افقياً في مدينة لاتنقصها المساحات الخالية، شرط نزع صفة الصحراء عنها. وهكذا يتكون المول من طبقة واحدة او طبقتين، وفاء لتسمية “القرية” التي اكتسبها قبل ان يبدأ بناؤه. وفي الواقع يتألف البناء من طبقتين: واحدة ارضية حقيقية تشغلها حوانيت من كل نوع ومقاه ومطاعم ترضي جميع الاذواق، واخرى علوية وهمية ليست اكثر من ديكور كالذي نراه في المسارح. شوارع القرية، الفاصلة بين الحوانيت، عبارة عن ممرات مستقيمة او ذات انحناءات، تجري في وسطها بين الارصفة قناة مائية يمكن من شاء ان يجتازها في زورق، ويعلوها سقف محدّب رسمت عليه سماء مع غيومها بطريقة الخداع البصري.
للمناسبة نشير الى ان مهمة زخرفة السقف كانت عرضت علينا لسنوات خلت، لكن المهمة ارعبتنا لا لسبب يتعلق بعدم قدرتنا على افتعال الخداع البصري المطلوب، ولا لقلة المامنا بتقنياته، بل اثر ابلاغنا ان المساحة المطلوب زخرفتها وهي تغطي كل ممرات “المول” وساحاته، تبلغ 20 الف متر مربع، وهذه المساحة وحدها تعطي فكرة عن حجم المجمع. قام بالمهمة اناس سوانا ونجحوا في ادائها، على ما يتركه لدينا من انطباع السير في شوارع القرية والنظر الى سمائها.
سماء غائمة قليلا، ومياه جارية، يمثل “الفيلاجيو” واحة اخرى، مقفلة ومسقوفة، من الواحات المفقودة الا في ذاكرتنا المستمدة من كتب التاريخ والافلام السينمائية، والقائمة، اصطناعيا، في اكثر من مكان في الدوحة عبر تمثيل استحضاري لا يخلو من المهارة في الفكرة والتنفيذ. يبقى ان التدخين ممنوع نهائياً في كل تلك الامكنة، وهي معضلة كبرى تتسبب بعذاب للنفس لا يعرف فصوله الا المدخنون، ممن يجتمعون كالمنبوذين خارج المبنى بالقرب من المداخل لممارسة العادة المكروهة في جو حار، بلا لذة ولا متعة ¶
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى