صفحات الناس

دفاعاً عن سلطة القضاء..!

null
المحامي ميشال شماس
في الوقت الذي نطالب فيه بضمان استقلال القضاء ، وعدم التدخل في شؤونه ، ومنع التعدي على السلطة القضائية وتعزيز دورها ورفع شأنها في نظر المواطنين، ورفع العمل بقانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية ، والبدء بعملية الاصلاح بمختلف جوانبها القضائية والإدارية والسياسية والاقتصادية.. وصولاً إلى بناء دولة المؤسسات والقانون.
في هذا الوقت صدر المرسوم التشريعي رقم 64 تاريخ 30/9/2008 الذي قضى في مادته الأولى باختصاص القضاء العسكري وهوقضاء استثنائي” في الجرائم المرتكبة من ضباط وصف ضباط وأفراد القوى الأمن الداخلي وعناصرشعبة الأمن السياسي وعناصر الضابطة الجمركية ، بسبب تأدية المهام الموكلة إليهم”، بعد أن كان مرتكبوا تلك الجرائم يحاكمون أمام القضاء المدني الطبيعي.كما نص المرسوم المذكور في مادته الثانية “على أن أوامر الملاحقة بحق ضباط وصف ضباط وأفراد القوى الأمن الداخلي وعناصرشعبة الأمن السياسي وعناصر الضابطة الجمركية تصدر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة وفقاً لأحكام المادة 53من قانون أصول المحاكمات العسكرية”، بعد أن كانت النيابة العامة في القضاء المدني هي صاحبة الحق في تحريك الدعوى العامة.
وقد رحب البعض بهذا المرسوم معتبرين أن القضاء العسكري أقدر على المحاسبة من القضاء المدني، بينما اعتبر البعض الأخر وخاصة القضاة منهم أن المرسوم المذكور سوف يساهم في إضعاف ثقة الناس بالقضاء المدني. واعتبر أخرون أن المرسوم قد تعدى على سلطة القضاء المستقلة عندما حرمها من النظر في تلك الجرائم لمصلحة قضاء استئنائي غير منصوص عليه في الدستور القانون الأساسي للدولة ، وتضيف وجهة النظر تلك أنه ليس للسلطة التشريعية عندما تستعمل حقها في ترتيب وتنظيم استعمال السلطة القضائية وتحديد اختصاصها أن تتعرض إلى سلطة القضاء بحد ذاتها، كأن تسلبها جزءاً من اختصاصها وتعطيه لجهة أخرى غير قضائية، كما فعل المرسوم المذكور، وإلا أصبح لغواً نص المادة 131 من الدستور السوري التي نصت: (السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى).
فولاية السلطة القضائية يجب أن تشمل مختلف المنازعات سواء كانت إدارية أم مدنية أو جزائية ، أي خضوع المتقاضين والمتنازعين أيا كانوا أفراد أم مؤسسات خاصة أو عامة للقضاء المنصوص عليه في الدستور، بغض النظر عن طبيعة القضية والأفراد المتنازعين. على اعتبار أن هذه الولاية ناشئة عن طبيعة السلطة القضائية المستقلة والمنصوص عليها في الدستور الذي أناط بها وحدها أمر أداء العدالة وتحقيقها، لذلك فإن إنشاء أية لجان خاصة أو محاكم استثنائية أو توسيع اختصاصها، أوسحب جزء من اختصاص القضاء العادي، فأن ذلك يمثل اعتداء على اختصاص السلطة القضائية، وإن كل تشريع أو قانون يتنقص من ولاية القضاء يوصم بأنه غير دستوري ويؤدي في النهاية إلى إهدار مبدأ سيادة القانون والمساواة أمامه المنصوص عنها في المادة 25/ف2 و3 من الدستور والتي نصت ف2: سيادة القانون مبدأ أساسي في الدولة والمجتمع ف3: المواطنوان متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات . ويعني هذا خضوع الناس حكاماً ومحكومين لحكم القانون، ويعني أيضاً إخضاع تصرفات السلطة التنفيذية لحكم القانون ، بحيث لايتمتع أي تصرف صادر منها بامتياز عدم الخضوع إلى القانون ، كما على السلطة التشريعية أثناء سنها لأي تشريع أن تهتدي بالقواعد الدستورية المتلائمة مع قواعد الحق الطبيعي المؤسسة على إحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
ويذكر أن المرسوم المذكور قد صدر عن السيد رئيس الجمهورية في عطلة مجلس الشعب استناداً للمادة 111 من الدستور التي نصت: ( 1ـ يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج انعقاد دورات مجلس الشعب على أن تعرض جميع التشريعات التي يصدرها على المجلس في أول دورة انعقاد له. 2ـ يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع أثناء انعقاد دورات المجلس إذا استدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية أو بمقتضيات الأمن القومي على أن تعرض هذه التشريعات على المجلس في أول جلسة له. 3ـ لمجلس الشعب الحق في إلغاء التشريعات المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين او تعديلها بقانون، وذلك بأكثرية ثلثي أعضائه المسجلين لحضور الجلسة على أن لا يقل عن أكثرية أعضائه المطلقة دون أن يكون لهذا التعديل أو الإلغاء أثر رجعي وذا لم يلغها المجلس أو يعدلها اعتبرت مقرة حكما ولا حاجة لإجراء التصويت عليها.4 ـ يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع في المدة الفاصلة بين ولايتي مجلسين ولا تعرض هذه التشريعات على مجلس الشعب ويكون حكمها في التعديل آو الإلغاء حكم القوانين النافذة. ).
وإذا كان السيد رئيس الجمهورية قد استخدم صلاحياته المنصوص عليها في الدستور التي تتيح له سلطة تولي التشريع وفق أحكام المادة 111 المشار إليها أعلاه ، فإن نفس المادة أعطت أيضاً لأعضاء مجلس الشعب في فقرتها الثالثة الحق بالغاء أو تعديل أي قانون أو مرسوم تشريعي يصدر خارج انعقاد دورات مجلس الشعب، إلا أنه ورغم إنعقاد مجلس الشعب منذ أيام، فلم نسمع أنه ناقش ذلك المرسوم ، وكل ما سمعنا به هو أنه يناقش حالياً مشروع قانون يسمح للأم السورية بمنح جنسيتها لأبنائها ، الذي نأمل أن يرى النور قريباً..!
نقول هذا الكلام دفاعاً عن السلطة القضائية صاحبة الولاية الكاملة والاختصاص الشامل لمختلف المنازعات بين الأفراد والدولة وبين الأفراد أنفسهم، لأنها تستمد وجودها وكيانها من الدستوربصفته القانون الأعلى لسورية، والذي أناط بها وحدها أمر تحقيق العدالة مستقلة عن باقي السلطات ، باعتبار أن السلطة القضائية تشكل ضمانة الإنسان في المجتمع ، والضمانة الحقيقية لحرية الأفراد وحقوقهم ، وحقوق الدولة أيضاً، وهي المكلفة بالسهر على تنفيذ القوانين وتطبيقها تطبيقاً سليماً.
إن تقدم الدول وتطورها يقاس بمدى استقلال القضاء ونزاهته وكفاءته فيها. والدولة في المجتمعات الحديثة تخضع للقانون، ولا يخضع القانون فيها للدولة، كما يخضع للقانون كل من الحاكم والمحكوم. والأهم من ذلك كله هو نشر روح الحرية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على حد سواء ، لأن النصوص وحدها لا تكفي إذا لم نسعَ إلى تأصيل تلك الروح في نفوس الناس وقلوبهم .
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى