صفحات ثقافية

الكتابة على الجدران: في أحوال الصفحات الثقافية في الصحافة اللبنانية

null
ناظم السيد
يحدث باستمرار أن يؤدي اجتماع المثقفين في مقاهي بيروت، في شارع الحمرا على وجه التعيين، بوصف هذه المقاهي مكاناً للنميمة في بعض أوجهها الكثيرة، يحدث أن يؤدي اجتماع هؤلاء إلى إبداء آراء نقدية أو شتيمية (من شتيمة) تجاه كاتب ما أو تجاه كتاب ما. ما يبدو في الشفاهة بداهة، يغدو حراماً وبذاءة في الكتابة. ليس هناك صفحة ثقافية واحدة تستطيع تحمل ما يُقال شفاهة. في الصفحات الثقافية تنقلب الأمور بكل ما للكلمة من معنى: هنا مكان مثالي للتورية وتبديل الآراء وتقمص شخصيات مخالفة للواقع. هكذا تصبح الشفاهة حقيقة لتتراجع الكتابة إلى الباطن المتخيل، أقصد إلى باطنية وتقية باتتا سمة من سمات الحقل الثقافي في لبنان.
أردت البدء بهذه الملاحظة التي قد يراها البعض هامشية. ربما هي كذلك. لكن هامشية هذه الملاحظة لا تغفل كونها متناً للثقافة في معنى من المعاني. هذا الجزم ليس تأملاً من قبل شاب بقدر ما هو معرفة عينية خبرتها طوال كتابتي في الصفحات الثقافية منذ نحو ثلاث عشرة سنة. إذا تركت هذه الملاحظة خلفي وتقدّمت من خلالها إلى فكرة أوسع، يمكنني القول إن جانباً كبيراً من كلام الثقافة عندنا احتفالي. هذه الاحتفالية تجعل من النقد متساوياً كأسنان المشط، إذ يغدو كل كتاب جديد شبيهاً في النقد بكتاب آخر. لا تقوم الكتابة النقدية عندنا على الإغفال المباشر والإقصاء الفج، إنما على إلغاء الفوارق بين عمل أدبي وآخر، وبين عرض مسرحي وآخر، وبين فيلم سينمائي وآخر، وبين معرض تشكيلي وآخر. لكنَّ هذه السوية عموماً التي تجعل من الكتابة النقدية واجباً شبيهاً بواجبات التهنئة في الأعراس أو التعزية في المآتم، لا تلغي ما يُسمّى النقد الاخواني القائم على علاقات محض شخصية. هكذا يمكننا متابعة مجموعات من الكتّاب مترابطة ومتصلة ضمن دائرة مغلقة. وهكذا أيضاً ينشأ حواريون وراء كاتب مشهور، يبث جماعته في الصفحات الثقافية معطلاً بذلك النقد الجاد الذي يسهم في تحريك الآداب والفنون ودفعها نحو المنافسة. غالباً ما يعمد المسؤول الثقافي في الصحف الثقافية عندنا إلى احتواء العناصر الوافدة إلى عالم الكتابة، ما ينتج من عملية الاحتواء هذه تطويعاً تدريجياً بسبب إحكام السيطرة على المنابر الثقافية. وعليه، فإن لبنان الذي لا يشهد انقساماً ثقافياً مبنياً على ثنائية مثقف السلطة ومثقف الهامش أو المعارضة، يشهد نوعاً آخر من المثقف: المثقف السلطة. على أن العلاقات الاخوانية بين المثقفين اللبنانيين عموماً، مبنية في جزء منها على ضيق المكان البيروتي الذي تنتج فيه الثقافة. إن الاحتكاك اليومي، الملامسة الجسدية، أو ملامسة الحواس المتواصلة في ما بين المثقفين، بسبب المكان الواحد والصغير الذي يتواجدون فيه، تجعل النقد عملية قائمة على الخجل والمسايرة. ولهذا السبب غالباً ما يتذمر مثقفو الأطراف من تهميش حضورهم في الوسط الثقافي: حمزة عبود في صيدا، غسان علم الدين في طرابلس، وأنطوان مالك طوق في بشري. أليس من المعيب أن ينجز حمزة عبود، بالتعاون مع الأونيسكو أكبر أنطولوجيا شعرية في لبنان، إذ بلغ عدد صفحاتها بعد نشرها ورقياً وبشكل مختصر(نشرتها دار الفارابي بعد نشرها بوقت على الانترنت)، نحو 850 صفحة من الحجم الكبير، من غير أن يحظى هذا الجهد بتغطية نقدية وافية، في حين تحظى أنطولوجيات لا تتجاوز المئة صفحة بكل أنواع المديح؟ تهميش كهذا لا يقوم على النسيان والغفلة بسبب عيش حمزة عبود في صيدا، مفضلاً المدن الثانية كما يقول، بل على القصد والتعمد. وسبب هذين القصد والتعمّد الإضاءة على أعمال مشابهة أقل شمولية وقدراً ومسؤولية. بالطبع، ينبغي لي أن أستدرك هنا أن ثمة عدداً من مثقفي الأطراف تربطهم علاقة طيبة بمثقفي المركز ما يجعلهم حاضرين دائماً برغم بعدهم الجغرافي نسبياً. إن العلاقة التي تربط كاتب ما بمريديه، تسيء إلى الثقافة بشكل فاضح. منذ بدأت أقرأ ثم أكتب في الصفحات الثقافية لم يمرَّ عليَّ مقال واحد ينتقد كاتباً مشهوراً أو مكرّساً: أدونيس، محمود درويش، أنسي الحاج، ثم الجيل الثاني: عباس بيضون، بول شاوول، شوقي بزيع، محمد علي شمس الدين، إلى عبده وازن وعقل العويط، وبينهم بالطبع الياس خوري وحسن داوود. هل من المعقول ألا يكون هناك ناقد فعلي أو حتى شاتم متمرد لواحد من هؤلاء؟ أظن أن السلك المعدني الذي يربط بين كل دائرة من هؤلاء يمنع ظهور ذلك الراغب الخفي في إبداء بعض الانتقادات أو بعض اللعنات. هذه الحال لا تفضح العملية النقدية في صفحاتنا الثقافية فحسب، وإنما تُسقط مفهوم الديمقراطية عن مثقفينا وربما عن ثقافتنا. أستدرك مجدداً بالإشارة إلى أن ثمة مقالين كانا عنيفين أو قاسيين تجاه اسمين من الأسماء المذكورة: مقال بول شاوول في رده على محاضرة أدونيس في مسرح المدينة، ومقال ماهر شرف الدين ضد عباس بيضون في كتابته حول ‘مؤتمر قصيدة النثر الأول’ الذي عُقد في الجامعة الأميركية. وكلا المقالين اللذين نُشرا في ‘المستقبل’ و’ملحق النهار الأدبي’ تباعاً بُنيَ على موقف شخصي خالص.
في معرض استذكاري لنقائص صحافتنا الثقافية، أود الحديث عن الألسن الأعجمية فيها: المترجمين. يحظى المترجمون عندنا، وغالبيتهم شاعرات وشعراء، بمكانة خاصة لا تقوم على النتاج الإبداعي بقدر ما تقوم على صلة هؤلاء بالغرب ولغاته. المترجمون بما لهم من مربط خيل في بلاد الإفرنج، ينالون حظوة استثنائية في صفحاتنا الثقافية. ولا يضاهي هذه الحظوة إلا رؤساء التحرير في الأقسام الثقافية. بحسب معرفتي ليس هناك مترجم أو رئيس تحرير كتب كتاباً متواضعاً أو عادياً أو حتى سيئاً. المترجم ورئيس التحرير دائماً على حق. المترجم يحتكر الغرب في حين يحتكر رئيس التحرير الشرق. هكذا تؤسس هذه العلاقة على طريقة أغنية الشيخ إمام ‘شيلني وشيلك/ أنا برده فرحتلك’ لنقد مزيف يتبادل المجاملات والتحيات. النقد التشريفي هذا جزء من شراهتنا. جزء من هذه البدانة التي تنتقل من المترجمين ورؤساء التحرير إلى جسم الثقافة كلها كما نراه مطبوعاً في الصفحات الثقافية.
ليس عندنا في صحافتنا الثقافية صحافة فضائحية، بعكس الصحافة الفنية الصفراء التي تبدو على اصفرارها أصدق من الصحافة الثقافية. لماذا لا يوجد عندنا كاتب سارق؟ لماذا لا يوجد كاتب ضحل؟ لماذا لا يوجد مخرج تأثر بمخرج غربي أو رسّام أخذ لوحاته من زملاء له أو سابقين عليه؟ هل من المعقول أن يكون بيكاسو- كما أظهره معرض غربي أخيراً- سارقاً، في حين أن حسين ماضي، وهذا مجرّد مثال افتراضي، ابن نفسه ووليد يده؟ لماذا لا يزال أنسي الحاج حتى اليوم يردد أنه كتب ‘لن’ قبل أن يقرأ آرتو أو رامبو؟ لماذا لا يغدو بدر شاكر السياب تلميذاً لإليوت إلا بعد موته؟ لماذا لا يوجد شعراء لبنانيون (وعرب بالطبع) تأثروا بشعراء سابقين أو مجايلين لهم أو حتى لاحقين عليهم؟ هذه أسئلة ليست لها إجابات في ثقافة تقوم كل يوم على المبايعة أو التبادل الريعي.
والحال، كيف يمكن تقديم صورة موجزة عن الصفحات الثقافية في لبنان. ما أرغب فيه هو وصف مقتضب لهذه الصفحات:
‘ملحق النهار الأدبي’: منذ فترة كفَّ هذا الملحق عن أن يكون ملحقاً أدبياً ليغدو ملحقاً شبه سياسي. لقد بات الملحق منصة لكتابات سياسية تتناول النظام السوري في الدرجة الأولى ثم ‘حزب الله’ في الدرجة الثانية. ليس في هذا مشكلة على اعتبار أن المثقف معني في الشأن السياسي، لكن ما آخذه شخصياً على ملحق النهار أنه غلّب السياسي على الأدبي، ناهيك بمقال أسبوعي يتناول كل مرة تاريخ الأيقونات والقديسين والأولياء. أليس من حق القارئ أن يسأل عن مدى ضرورة هذه المادة التي يكتبها كل أسبوع الزميل محمود زيباوي وعن مدى راهنيتها واتصالها بالثقافة الآن؟ أليس من الضروري أن يسأل القارئ عن مقالات أسبوعية في هذا الملحق للأشخاص أنفسهم نصفها نكات ونصفها أمثال شعبية؟
الصفحة الثقافية في صحيفة النهار والتي تحمل عنوان ‘أدب فكر فن’: ما آخذه شخصياً على هذه الصفحة أنها باتت تطل على الغرب أكثر مما تطل على الواقع الثقافي اللبناني. وغالباً ما نرى مقالات بلا مناسبة في هذه الصفحة التي تديرها الصديقة الشاعرة جمانة حداد تتناول كتاباً غربيين. في المقابل، تغيب أنشطة ثقافية كثيرة عن هذه الصفحة لتتولى صفحة أخرى في الصحيفة، صفحة ‘مدنيات تربويات’ تعويض هذا التغييب. قد يظن البعض أن هذا الغياب يتعلق بالكادر الموجود في الصفحة، لكن متابعة يومية سوف تبين أن هذا التغييب يعود إلى رؤية المشرفين على الصفحة وتصورهم عن الثقافة. وتمكن إضافة المادة الشبابية والنسوية في هذه الصفحة والتي لا تكون دائماً في المستوى المطلوب للكتابة كمأخذ على اعتبار أن مثل هذه الكتابة تقع ضمن أدب التنمية الذي بات موضة الغرب في علاقته بثقافة العالم العربي.
صحيفة ‘الأخبار’: الصفحة الثقافية في هذه الصحيفة المعنونة ‘ثقافة وناس’ استطاعت أن تجد لها شخصية خاصة بين جميع الصفحات: مادة قصيرة، متابعة ميدانية وراهنة لغالبية الأنشطة. لكن ما يُؤخذ على هذا القسم المكون حقيقة من عدد من الصفحات، أنه خلط الثقافة الأدبية بالمنوعات. لا أنكر أن المنوعات ثقافة، لكن خلط الغناء بالتلفزيون بالكتب بالسياحة بالانترنت، يغيّب هذه الخصوصية التي تحدثنا عنها. لهذا يغلب على هذا القسم المتابعة السريعة بدل المقال المشغول بجدية ودربة وتأنٍ. لقد استطاع بيار أبي صعب، مسؤول هذا القسم، أن يرفع المنوعات إلى مستوى الثقافة الأدبية أو الفنية، لكنه في المقابل أنزل الثقافة الأدبية والفنية إلى مستوى المنوعات. بالطبع يمكن تسجيل ملاحظات تفصيلية على مواد محددة في هذه الصفحات: مثلاً، يعمد بيار أبي صعب وفريق عمله إلى كتابة مقالات استباقية عن أنشطة متنوعة. هكذا نقرأ له مادة مطولة عن مسرحية ‘خمسون’ للفاضل الجعايبي وجليلة بكار قبل عرضها في بيروت. لا أعرف كم من المستحسن كتابة مقال عن مسرحية قبل عرضها، ذلك أن المسرح تفاعل بين المشاهد والجمهور، ناهيك بأن العرض نفسه قد ينجح في بلد ويفشل في آخر. كذلك نقرأ له صفحتين كاملتين عن ‘أشغال داخلية 4- منتدى عن الممارسات الثقافية’ الذي نظمته جمعية ‘أشكال ألوان’ قبل بدء فاعليات المنتدى، صفحتين غلبت عليهما اللغة التسويقية، ولا سيما أنهما اعتمدتا على ما جاء في الملصقات الإعلانية أو الإعلامية لكل نشاط على حدة. والأمر نفسه ينطبق على مادة بيار أبي صعب عن حلقة تلفزيونية أجراها مراسل الصحيفة في المغـــــرب الصديق الشاعر ياسين عدنان في برنامجه ‘مشارف’ مع الشاعر المغربي محمد بنيس. ومثله فعل بشير صفير مستبقاً الحفلة الأخيرة التي أجراها المطــرب عبد الكريم الشعار. أعطي هذه الأمثلة لأشير إلى سياسة يتبعها بيار أبي صعب تجعل من الحدث الثقافي سبقاً صحافياً. لقد نجح في جعل الحدث الثقافي سبقاً لكنه- في اعتقادي- أخفق في النقد، ذلك أن النقد يأتي بعد الحدث وليس قبله.
الصفحة الثقافية في ‘السفير’: حافظ عباس بيضون في صفحته الثقافية في ‘السفير’ على كلاسيكية في التعاطي مع المادة الثقافية. هنا لا نجد إلا حوارات آمنة، مقالات نقدية آمنة، تغطيات تختلف نبرتها من كاتب إلى آخر، مع إعطاء أولوية لكتاب مستكتبين يتكررون باستمرار، من غير أن يغير في التوجه شبه العربي للصفحة على غرار الصحيفة نفسها. هكذا تغدو الصفحة الثقافية في السفير مثل الصحيفة نفسها: صفحة العرب في لبنان.
الصفحة الثقافية في ‘الحياة’: يقودنا أمان الصفحة الثقافية في السفير إلى أمان أوسع، كما هي حال الصفحة الثقافية في صحيفة ‘الحياة’. تقوم صفحة ‘الحياة’، كما هي السياسة السعودية سابقاً: عدم إغضاب أحد. بالطبع، ثمة مقالات لا نعرف مدى ضرورتها تتكرر أسبوعياً في الحياة: الزاوية الضخمة لأدونيس، الزاوية الضخمة لجابر عصفور، الزاوية الضخمة لمودي بيطار. إنها صفحة الزوايا، إنما ليس زوايا الدراويش بل زوايا النفوريش. وتمكن إضافة عدد من المقالات التجميلية عن كتّاب خليجيين إلى هذه الزوايا. هكذا تصبح صفحة الحياة مقراً خاصاً للكتّاب المشهورين، من غير أن يحظى الشباب فيها، إلا بمقالات يتم قذفها أسفل الصفحة اللهم إلا المستلحق منهم.
بدوره، يعاني ملحق ‘آفاق’ في صحيفة ‘الحياة’ مشكلة كبيرة تتأتى من شخص المشرف عليه وهو الروائي ربيع جابر. ربيع جابر لا يتصل بأحد ولا يجيب على متصل. يعيش في عزلة تامة مع ذلك تم إيلاؤه مسؤولية الإشراف على ملحق أسبوعي وتحريره. قد أفهم وجود كاتب غائب في صفحة ثقافية لكن أن يكون مسؤول هذه الصفحة غائباً على الدوام فتلك من تدابير الإدارة العربية للثقافة، إذ ان كثيراً من منابرنا الثقافية تحفل بأسماء تشريفية لا صفة لها ولا شغل. ولما كان ربيع جابر، رئيس تحرير ‘آفاق’ روائياً، أمكننا أن نجد كل أسبوع غلبة للمادة الروائية. كما أن الأسماء المستكتبة هي نفسها كل أسبوع، مع تكرار في المواضيع نفسها لدرجة يمكننا أن نحزر المادة المقبلة قبل نشرها. ولما كان أيضاً ربيع جابر يحب أدب الرحلات أمكننا أن نلاحظ أن كتّاب هذا الملحق يدأبون على الكتابة عن أدب الرحلات. ناهيك عن أن مادة ربيع جابر الأسبوعية نفسها تجري في عالم آخر، عالم خاص ومغلق لا شأن له بما يجري في الواقع. تحديداً، تدور كتاباته حول روايات عالمية قرأها، يجمع فيها مصادفات من هنا وهناك. مادة بغض النظر عن مكانتها الأدبية لا تصلح لأن تكون بالشكل المتكرر الذي هي عليه، مقالاً صحافياً.
ملحق ‘نوافذ’ في ‘المستقبل’: يبدو هذا الملحق عموماً غير معني بأي حدث ثقافي في البلد إلا ما استمزجه العاملون فيه. الأحرى هو ملحق يجمع ما بين الأدبي والفني والسياسي، وإن غلبت السياسة على أعداده في اشتداد الأزمات، ليغدو ناطقاً باسم الجريدة نفسها، يعلو بعلو صوتها ويخفت حين المصالحات. كما تغلب على هذا الملحق المادة المصرية خصوصاً والعربية عموماً. أما ما يُنشر من كتب وما يُقام من معارض وما يعرض من مسرحيات وأفلام فلا يوليها الملحق أهمية، مع أنه يحدث أن يخطر لكتابه أن يستمزجوا عملاً أدبياً أو فنياً لا ندري له معيار هذا الاستمزاج. ربما من حسنات هذا الملحق أنه أدخل الكتابة عن العمارة على الصفحات الثقافية كمادة أساسية، ولست أدري فعلاً هنا إذا كانت هذه الفكرة وليدة أهواء الكتّاب أم أنها مرتبطة بإعادة الإعمار والبناء. لهذا غالباً ما كنا نتندّر في المقاهي التي ذكرتها في بداية هذه المداخلة، أن ملحق ‘نوافذ’ لم يترك بناية أو حجراً إلا وكتب عنهما.
الصفحة الثقافية في ‘المستقبل’: تغلب على هذه الصفحة المادة الكلاسيكية حيناً، والمادة الخبرية أو الفنية حيناً آخر. طبعاً هذا لا ينفي وجود مواد ثقافية مشغولة باتقان.
مما تقدم، يمكن القول إن الصفحات الثقافية في الصحف اللبنانية، تتشكل وفقاً لمعطيين:
الأول، أنها تصوغ نفسها بناء على سياسة الجريدة، الأمر الذي يُفقد كتّابها المزاولين صفة الحيادية.
الثاني، أنها مصوغة وفقاً لشخصية رئيس التحرير الذي يديرها. مثلاً، تشبه الصفحة الثقافية في ‘السفير’ حذر عباس بيضون وتردده، وتشبه الصفحة الثقافية في ‘المستقبل’ عزلة بول شاوول وترفعه، وتشبه الصفحة الثـــــقافية في ‘الأخبار’ بيار أبي صعب القادم من مجلة ‘الوسط’ ومجلة ‘زوايا’ الشبابية التي كانت تهتم بالفيديو آرت والعمارة والموسيقى والمسرح، وتشبه الصفحة الثقافية في ‘النهار’ ثقافة جمانة حداد الغربية بوصفها تتقن نحو سبع لغات، ويشبه ‘ملحق النهار الأدبي’ في عدائه للنظام السوري فلسطينية الياس خوري العرفاتية.
لم يفتني بالطبع أن أقول إن ثمة كتّاباً عندنا يكتبون وفي اعتقادهم أن لا أحد يراهم. أقصد تلك الكتابات السرية التي يتركها المراهقون على جدران الحمّامات.
‘ شاعر من لبنان، وهذه ورقة ألقيت في ندوة بعنوان ‘الأقسام الثقافية في الصحف اللبنانية ما لها وما عليها’ في ‘المجلس الثقافي للبنان الجنوبي’.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى