صفحات ثقافية

‘اسرار الخطاط’: رواية جديدة لرفيق شامي

null
يتفرق ادباء المهجر من العرب في كثير من دول العالم المختلفة، يحملون في داخلهم موروثهم الثقافي العربي الذي يتجلى كثيرا في اعمالهم الادبية.
يخال لك وانت تقرأ لهم في الغربة الطويلة الممتدة، كأنك تستعيد ذكرياتك وحياتك وايام الصبا من عالمك الاول الذي عشته وتعرفه، رغم ان الوصف والكتابة بلغة اخرى غير اللغة الام، ومع ذلك تعيش في ساعات القراءة معهم حالما متمنيا ان تعود يوميا الي الارض التي فيها ولدت.
انها قائمة لا تنتهي من رواد ادب المهجر الذين كتبوا بكل لغات العالم نذكر منهم جبران خليل جبران، ديفيد معلوف، الطاهر بن جلون، امين معلوف، سامي ميخائيل، جورج شحادة، كاتب ياسين، مولود معمري، ادريس الشرايبي، محمد خير الدين، محمد ديب، نعيم قطان، حبيب طنكور، البيرت ميمي، رشيد ميموني، رشيد بوجدرة، عبدالحق سرحان، صلاح ستيتيه، ناديا تويني، حسين الموزاني وغيرهم الكثير.
احد هؤلاء ايضا هو رفيق شامي الاديب الالماني السوري الاصل الذي استطاع ان يصنع لنفسه اسما بين اكثر ادباء المانيا شهرة، وذاع صيته بين القراء الالمان، ولقيت اعماله استحسانا كبيرا، وحال ظهور روايته الاخيرة ااسرار الخطاطب Das Geheimins Des kalligraphen في المكتبات الالمانية- فـإن ايدي القراء تلقفتها باسرع مما كان متوقعاً، والرواية تقع في 464 صفحة وصدرت عن دار Haser Carl للطبع في المانيا .
في احداث الرواية يعود رفيق شامي الى موطن رأسه في دمشق ويستحضر تاريخ الخمسينات من خلال ابطال روايته فحامد الفارسي ذلك الخطاط الشهير ذو الخلفية الدينية الاسلامية المحافظة يعمل في ورشته التي تقع في احد احياء دمشق العتيقة بصبر وثبات، ولا يستطيع احد ان يثنيه عن تنفيذ فكرة مشروعه الطموح المتمثل في احياء تراث الخط العربي من خلال فكرة تطويره والابداع في استحسانه باشكال فنية رائعة. هكذا تبدأ الرواية في وصف دقيق للحي العريق الذي تقع فيه ورشة الخطاط حامد الفارسي وهو الوصف الذي يطرب له القارئ الالماني بالنظر الى الشغف الكبير الى سبر اغوار ودهاليز تللك الاحياء العتيقة التي ما زالت تحافظ على عبق التاريخ راسخا ومتأصلا فيها.
ينتقل رفيق شامي الى التشويق في الرواية عندما يصل السرد فيها الى صباح احد الايام التي بدأت تتكشف فيها اخطر اسرار الخطاط حامد الفارسي ذلك عند بدأ سريان موجة من الهمسات القوية بين ابناء الحي جاءت لتطال الخطاط وزوجته الجميلة نورا،ففي مساء احد الايام كانت احياء دمشق العتيقة تغرق في الظلام الا من انوار خافته تنبعث من المخابز والمطاعم الصغيرة المتناثرة عبر الشارع عندما قررت نورا الجميلة الهرب من زوجها الخطاط الشهير، خاصة وانها لم تشعر في يوم بحب تجاهه، كان حامد الفارسي يعاملها بقسوة ويفرض عليها كل شيء لهذا فكرت في الهروب من هذا الواقع باحثة عن حياة جديدة في حب جديد تمثل لها في نصري الشاب الذي يعتنق المسيحية عندما قررت الهروب معه . وهنا تبدو قمة الاثارة في الرواية التي تبدأ في كشف اشكالية هذا الجانب من واقع يحدث كثيرا في تلك المجتمعات الدينية المحافظة حول علاقات حب وهروب وزواج وطلاق بين مسلمين ومسيحيين، لكن اهمية فكرة الرواية التي كتبت بالالمانية ولم تنقل بعد الى العربية ان من شأنها ان تعطي فكرة للقارئ الالماني حول درامية هذا الحدث الذي ما فتئ يحدث في المجتمعات العربية ومن ثم كيفية معالجته.
يطبع رفيق شامي الكثير من رواياته بموروثه الثقافي العربي وتجربته الذاتيه من خلال احداث مر بها، فاختيار مهنة الخطاط بالذات لبطل الرواية لها اكثر من بعد.. فهو نفسه قد تأثر كثيرا بالخط العربي وقد ارسله والده في بواكير الشباب لتعلم فن الخط العربي وكيف كان معلمه متدينا متشددا وهي الصورة التي اقتبسها في رسم صورة بطل روايته، لكن نقادا المانيين يرون ان اختياره للخطاط يرجع لمحاولته تسليط الضوء على ان الرسم والتصوير مرفوض اسلاميا، لذلك كان الابداع في تصوير الخط العربي الذي ارتبط بكتابة القرآن الكريم، غير ان رفيق شامي يرفض هذا الرأي.
ينفرد رفيق شامي باسلوب مغاير للكتاب الاخرين فهو يحكي كتاباته بالمانية اتقنها منذ ان حط الرحال به في المانيا في عام 1971 وبالتحديد عندما اتخذ الادب صناعة له في عام 1982 بعد ان هجر الكيمياء التي درسها وحصل على درجة الدكتوراه فيها وعمل بها لبعض الوقت، وهو بطريقة حكي رواياته هذه يمثل الطريقة العربية في الحكي اي طريقة ‘الحكواتي’ غير انه يرى انها الطريقة المثلى لتقييم رواياته ويقول عن ذلك انه على الاقل يقرأ كل يوم ساعتين من الروايات التي يكتبها بصوت عالٍ، ويستطرد: حتى وانا اسبح في البحر في اجازتي أقرأ وفي كل مرة من القراءة كنت اتعرف على مواطن الضعف في الرواية التي تستحق التحسين واعادة الصياغة.
حصل رفيق شامي على العديد من الجوائز الالمانية خاصة وانه يعتبر واحداً من اهم الكتاب في المانيا وترجمت رواياته الى اكثر من 24 لغة منها العربية، الاسبانية، الصينية، الدانماركية، الفينلنديــة، الإنكليزية، الفرنسية، اليونانيــة، العبرية، الإيطالية، اليابانية، الكورية، الهولندية، النرويجية، البولونية، السويدية والتركية.
يعتبر كثيرون من النقاد الالمان.. انه يمثل رابطاً حقيقياً في التفاهم بين الشعوب اضافة الى انه اثرى الادب الالماني بسحر الشرق الذي يعرف وقعه على القارئ الغربي بالنظر الى مساحة الخيال الكبيرة فيه ومن ثم دمجه بالواقع الالماني العقلاني. لهذا كانت تلك الحصيلة الرائعة من المؤلفات التي ابدعها والتي من اشهرها ‘الجانب المظلم من الحب’ التي تقع في 900 صفحة، و’التقرير السري عن الشاعر الكبير غوته’، ‘حكايات من معلولا’، ‘ورحلة بين الليل و النهار’، ‘حكواتي الليل’، ‘جبل الجليد الملتهب’، ‘في القلب دمشق’. والكثير من الرويات والكتب الاخرى. اما الاطفال فقد كتب لهم العديد من القصص منها ‘الغراب يقف على منقاره’، ‘هذا ليس ببغاء’، ‘حنين السنونو’ وغيرها.
المانيا ـ ‘القدس العربي’ من صلاح سليمان:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى