من الممكن أن نكون ديمقراطيين ووطنيين
محمد زكريا السقال
تأتي أهمية الديمقراطية من خلال كونها فضاء للتعبير عن وجود فاعل ، بمعنى أنها تسمح لنا بالتعبير عن أفكارنا وخططنا ومكنونات هواجسنا ، ولا تدعي الديمقراطية الوصول للكمال ، بالقدر الذي تكون مطواعة للتعامل معها ، أي إنها لاتدعي المثالية بحل القضايا والمسائل ، ولكنها تفتح ذراعيها للمحاسبة والنقد ، حيث يمكن شراء أصواتها وذمتها ، إلا أنها تعد بوضع ذلك أمام جمهورها ومؤسساتها وعشاقها بالوقت الذي يقررون اللجوء به للقانون والدستور ، وبقدر ما تتمسك بمقولة القانون لايحمي المغفلين ، فإنها بالوقت ذاته تمد لسانها لهذا الغفل بطريقة دراماتيكية .
الديمقراطية لاتدعي إنها من نصيب هواة السوق بل هي لكل من في السوق من النخاس للعبيد ويمكن للكل الأ حاطة بها وبذل الجهد لنموها وازدهارها ، حيث لايمكن للديمقراطية أن تعيش دون تعدد ولا ترفض طرفا ولا تقرب طرفا على طرف إلا بالقدر الذي يتعامل معها ومع إشكالاتها وشروطها والقبول بها ، باعتبارها مناخ للجميع ، فاز بها القوميون ، أم الأشتراكيون ، أم الإسلاميون ، أم إتلاف أكثر من طرف .
ليس صحيحا أن الديمقراطية تعني التخلي عن المسألة الوطنية ، كما ليس صحيحا أن كل من يصرخ ليل نهار عن الوطنية وفلسطين والعراق أنه الوطني الذي لايشق له غبار ، والقضية ليست هواية نمارسها عند التمنطق وخداع النفس قبل الجماهير ، القضية هي الحاجة والضرورة من اجل حياة أفضل اقل ما يتحقق بها هو الكرامة والحرية .
ندرك تماما ونؤكد على إن منطقتنا تواجه مشروعا خارجيا يعمل ليل نهار من أجل إيقاف نهضتها وتركها نهبا لأطماعه ومشاريعه ، وهذا ليس وليد اليوم ، بل أنه قديم تطالعنا لعناته من ستين عاما على عمر نكبة فلسطين وأربعين عاما على هزيمة حزيران ، ولكن من الذي آبد هذه الهزيمة ومدد هذا المشروع ليحتل العراق ويقضم فلسطين ويهدد سوريا ولبنان ، أليس أنظمة القمع والاستبداد وممانعة أن تكون أوطانها منيعة وسليمة ، أليس من يلغي المواطن والقانون يمهد الطريق لكل المشاريع التي تتقدم وتتأخر من حولنا ، أليس من يحتكر التفكير والرأي والأعلام والصحافة والمقاومة والممانعة والوطن والمواطنين هو الخطر الأساسي على الوطن ووحدته الوطنية وسيادته واستقلاله .
فالخطر الخارجي القابع منذ عقود في المنطقة ويتمدد ويتطاول، يوازيه بل يفوقه خطورة من يلغينا ويشل كل قدراتنا، هما خطران لا خطر واحد خطر يخطط ويناور بل يقدم للخطر الأخر المغريات
والحوافز من أجل استعبادنا واسترقاقنا، وخطر يناور وبيده حريتنا وكرامتنا وأرضنا أوراقا للبيع على مذبح استقرار سجنه وقمعه وقصره ، الاستبداد يصرخ ويكرر صبح مساء عن الخطر الخارجي ولكنه يمسك بكل الأسلحة لمقاومة هذا الخطر ويضعها بخزائنه ويصادرها ، من الحرية للوحدة الوطنية .
إن إعلان دمشق الخطوة الجريئة بتاريخ الحركة الوطنية السورية ، كانت صحتها إنها حددت وشخصت مأزقنا وهو كيف نتوحد وعلى أي شئ نتوحد ، إعلان دمشق جمع الكل على طاولة المأزق ، وهو مأزق التغيير لهذا الوضع الشاذ بتاريخ سوريا الحديث ، وكل من زاوية مصالحه وقضاياه إلا أن القاسم المشترك للجميع وهذه التي يراوغ عنها البعض ، هو أنه الكل متفق على أن هناك وضع شاذ يلغي الحياة السياسية وكل متطلباتها من الحياة العامة ، هناك من يلغي التفكير بكيفية الخروج من المأزق باعتباره مستقبل سوريا كوطن وحاضنة ونموذج نريده قابل للتعميم . الحزب والتجمع والجبهة هي اطر وحوامل من أجل الوصول للهدف ، عنصر التوسط هذا كان يقرر أنه توسط بين الإلغاء والوجود ، بين أن نكون وطنيين فاعلين ،أاشتراكيين فاعلين ، أو قوميين فاعلين ، وهذا لن يكون بدون حريات وديمقراطية وإعلام وصحافة وأحزاب ، وهو ما يتطلب تغييرا ديمقراطيا ، يلغي الاستثناء ومحاكمه ، ويشيع القانون والعدالة ويعمم الدستور كعقد اجتماعي يحقق إنسانية وحقوق المواطنين ، أن يكون التغيير الديمقراطي هو حاجة تهم الجميع فهذا يتطلب توافقا على التغيير ومن زاوية المصلحة العامة والتي يحددها وضع هذه المصلحة والمخاطر التي تحف بها على طاولة الحوار ، والتعامل بمرونة وحركة تنم على الشفافية ، بعيدا عن التشكيك وقراءة الضمائر فنحن نريد العمل بالسياسة وليس التنجيم ، وهذا لايلغي الحذر والتبصر والتروي .لذا نرجو من الجميع في
بداية هذا العام ومعتقلي الرأي مازالوا يقبعون بالسجن ، وقانون الطوارئ يدخل عامه الخامس والأربعين ، نتمنى على كل قوى إعلان دمشق التوحد وراء نتائج مؤتمرهم وقيادتهم التي انتخبت ديمقراطيا وبصناديق اقتراع حقيقية ورقابة ذاتية ، واخذ دورهم كمراقبين مسؤولين وحازمين من اجل الديمقراطية أولا كهدف نريد تحقيقه ، ومن أجل تفعيل الإعلان وتصويب مساره .
محمد زكريا السقال
برلين / 2 / 1 / 2008