حول تصريحات رياض الترك الأخيرة، مع ملحق بنصها الكامل
سلامة كيلة
مناقشة لسياسات جديدة
حينما تتهم السلطة المعارضين بالعمالة لجهات أجنبية فلأنها تريد تبرير الاعتقالات التي تقوم بها، رغم أنها هي من يسعى بكل السبل للحاق بالسياسات الأميركية. لهذا لاشك في ضرورة إدانة كل الاعتقالات والملاحقات التي حدثت منذ انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق، وقبل ذلك طبعاً. هذه ملاحظة لكي يكون النقاش التالي واضحاً، ولكي يوضع في سياقه الصحيح، أي لكي لا يحمل الاتهامات كذلك كما نلاحظ ذلك ضد منتقدي الإعلان.
وأوضح مسبقاً بأنه في الصراع السياسي ليس من مكان للاتهام بالخيانة، لأن ذلك يقع خارج السياسة، يقع في دائرة القانون. لهذا يجب أن يجري تناول الخلافات في المعارضة السورية انطلاقاً من السياسي الطبقي (هذا التعبير الذي يستثير أعصاب أصحابنا الشيوعيين السابقين، لكنه أساسي وصحيح)، وإلا أصبح الحوار هو عبارة عن سجال شتائمي لا يؤسس لوعي ، أو لفكر، كما نعيش منذ عقود.
وبالتالي فحين ينتقد الأستاذ رياض الترك الذين يتهمون إعلان دمشق أو بعض أطرافه بالعمالة لأميركا، وهو محق في ذلك،عليه كذلك ألا يتهم أطراف أخرى في المعارضة، لأنها تهاجم أميركا، بأنها تفعل ذلك “خشية من النظام أو خدمة له”. فهذه مثل تلك، والذي ينهى عن ممارسة لا يجب أن يمارسها.
ربما لأول مرة يرسم رياض الترك سياسة خارجية واضحة، تعبّر عن إعلان دمشق وعنه. وأقول أنها تعبّر عن إعلان دمشق لأن رياض ذاته يقول “نحن في تجمع إعلان دمشق”، ويكرر كلمة نحن في كل المسائل التي تتعلق بالسياسة. فقط حينما يتحدث عن رياض الترك يقول أنا، وهو الجانب المتعلق بالسؤال حول تغيير موقفه من الاشتراكية. لهذا سوف أعتبر أن ما يقوله باسم نحن، أنها سياسة إعلان دمشق، إضافة إلى أنها سياسته بالطبع. وما يشير إليه بأنا، بأنه يخصه هو كذات.
على مَ تقوم هذه السياسة؟
طبعاً سوف أعتمد على تصريحين لرياض الأولى لوكالة (آكي) الإيطالية مؤرخة في 21/12/2007. والثانية إلى خدمة القدس برس مؤرخة في 24/12/2007، وحاوره فيها عادل الحامدي. في هذين التصريحين استثارة لمسائل عديدة حساسة وهامة، وتوضّح الفروق بين السياسات في إطار المعارضة السورية، بل ربما تضعها في موقعين متعارضين تعارضاً عميقاً.
لن أحلل هنا خطأ (أو عدم خطأ) هذه المواقف، لكن سوف أحددها. حيث أنها تحدد سياسة ومصالح تعبّر عن فئات اجتماعية محددة. والتحديد هنا مهم لأنه تمييز، وبالتالي توضيح للفروق بين السياسات، قبل أن نحدد الاتفاق أو الاختلاف معها. طبعاً سوف يستثار، هنا، الشيوعيين السابقين، لأنني أستخدم مفهومات إعتبروا هم ذاتياً أنها تعبّر عن لغة “خشبية”، فأسقطوها من ذهنهم، وقرروا أن على الآخرين أن يسقطوها. هذه مشكلة هؤلاء السابقين، لكن من حقي أن أدرس المسائل من المنظور الذي أراه صحيحاً. وطبعاً أعرف أن رفض استخدام تلك المفهومات هو –في الغالب- من أجل تغطية السياسات الجديدة، المدرجة تحت عنوان العقلانية ومستجدات العصر، ولمعرفة هؤلاء بأن هذه المفهومات تؤسس لوعي طبيعة هذه السياسات الجديدة. لهذا يصابون بالعُصاب حينما أستخدمها، فليكن.
السياسات العربية والدولية:
يقول رياض في مقابلة مع (آكي) ” ونحن في سورية شئنا أم أبينا لا نستطيع الخروج عن الصف العربي والمحيط العربي، وبمعنى آخر، إن التحالفات التي يعقدها النظام السوري مع إيران التي لها مشاكل كبيرة ومتعددة مع المجتمع الدولي، تشكل عبئاً لا يستطيع الشعب السوري أو النظام تحمله، ولا بد لسورية من العودة إلى الصف العربي، والبحث عن سياسة حكيمة قادرة على حل التناقضات بين سورية والمجتمع الدولي”. هنا يحدد بأن النظام في سورية يجب أن يتحالف مع “الصف العربي”، أي مع نظم السعودية ومصر والأردن والعراق …ألخ. وهذا ما يوضحه في مقابلته مع خدمة قدس برس، حيث يشير إلى النظام الذي أقام تحالفاً “مع إيران وأهمل دولاً عربية مثل مصر والأردن والسعودية”. هذه مسألة أولى: التحالف مع “الصف العربي”، وبالتالي ليس مع المحيط العربي الذي يشمل الشعب.
ويكمل (مع آكي) “ونريد حلاً لأزماننا في إطار مصالحنا الوطنية والعربية، وحلاً بالحسنى في الإطار الإقليمي والدولي، يستند إلى مبادرة السلام العربية للوصول إلى سلام دائم وشامل وعادل”. طبعاً هنا تحددت مصالحنا الوطنية والعربية في مبادرة السلام العربية، وبالتالي فهو ينطلق من وجود الدولة الصهيونية، ويدعو للتفاوض معها من أجل “استعادة الجولان” كما يقول في مقابلة قدس برس، وإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي ما قبل 4 حزيران. وبالتالي العيش المشترك مع إسرائيل. أي إتباع سياسات النظم في كل من مصر والسعودية والأردن.
ثم يعتبر بأن النظام “عبء على محيطه العربي والإقليمي في لبنان والعراق وفلسطين”، أي كما يتردد بأن النظام يدعم المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان. وبالتالي فهو ضد دعم المقاومة لأن في ذلك عبء على المحيط. طبعاً أوضح قبل أن أتهم مباشرة بأنني مع النظام (وهي تهمة جاهزة طبعاً) أن النظام يلعب بالأوراق ولا يدعم مقاومة، وأنه سبب المشكلة في لبنان، لكنه ليس هو الوحيد الذي يسببها. ولسوف يتوضّح تالياً رأيي بشكل أشمل.
وأيضاً “لا بد من سياسة جديدة لسورية تقوم بجوهرها على الأخذ بعين الاعتبار الوضع الدولي والإقليمي”. طبعاً النظام لم يستطع فعل ذلك فسقط في ممارسات زادت من مشكلاته. لكن أنا المعارض هل يجب أن أطبق السياسة التي لم يطبقها النظام؟ وبالتالي بأي معنى يجب أن نأخذ الوضع الدولي والإقليمي بعين الاعتبار؟ أمن أجل مواجهة الأخطار التي يسببها أم من أجل التكيف مع سياساته، مع ميله العام؟
ويختم في مقابلته مع (آكي) بتوجيه نداء “إلى جميع القوى الخيرة ومنظمات المجتمع المدني ومنظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية، والدول الحريصة على أن تخرج منطقة الشرق الأوسط من قائمة البؤر المتوترة، العمل على حل التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية بالحسنى، وأن تتجه الجهود الدولية لإيجاد حل بعد أنابوليس للقضية الفلسطينية قائم على إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي ما قبل 4حزيران … وإشراك كافة القوى العراقية في رسم مصير بلدهم، ثم العمل على خروج الاحتلال من العراق ..”. مَنْ يحل هذه المشاكل، “المجتمع الدولي” أم نحن؟ أليس كل ذلك ركون لدور تلك القوى من أجل أن تحل هي المشاكل؟ وبالتالي أليس حرياً بنا أن نطرح نحن حلاً لهذه المشاكل بدلاً منهم؟ أم أن الأمور لا تسير دون “تدخل دولي”؟ ورياض هنا يدعوها إلى “العمل على” وليس المساعدة في حل، والفرق كبير بين هذه وتلك.
هذه هي السياسة التي يقدمها رياض: التوافق مع سياسات النظم في السعودية والأردن ومصر، وحل الصراع العربي الصهيوني على أساس المبادرة العربية (التي وافق عليها النظام السوري)، وعدم دعم المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان، ودعوة “القوى الخيرة” للعمل على حل مشاكلنا.
بوش، الإنسان والإمبريالية الأميركية:
في المقابلة مع (آكي) رسم رياض السياسة، لكنه في المقابلة مع خدمة قدس برس عمّق المسائل، دخل في العمق. وبالتالي فهي تحتاج إلى تحليل، أكثر من السرد والتحديد الذي قمنا به قبلاً. رغم أن هذه المقابلة تحوي تحديداً يوضّح أكثر ما جاء في مقابلة (آكي).
أولاً، يرحب رياض بتصريح لبوش حول الاعتقالات الأخيرة التي قام بها النظام ضد عدد ممن حضر اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق، ويكمل “بغض النظر عن قائله، إن كان جاداً أو تأثر بهذه الاعتقالات، لأنه قام بعمل إنساني نبيل”. ويكرر الشكر أكثر من مرة. لكن هل يمكن أن نفصل بوش “الإنسان” عن بوش المصالح؟ وهل أن إنسانيته هي التي دفعته إلى ذلك أم هي السياسة المتبعة تجاه سورية والمبنية على المصالح، ورؤية السيطرة على المنطقة؟ رياض يحاول أن يوهمنا بأنه يقوم بفصل الإنسان (بوش) عن مصالحه، وبالتالي عن مصالح أميركا. رياض هنا ينطلق من تجريد الإنسان، الإنسان المجرد. الخالص من المصالح والأهداف، والذي تدفعه إنسانيته المجردة إلى (فعل الخير). لكن ليس من إنسان مجرد في الواقع، الإنسان واقعي، وبالتالي فهو محكوم بالمصالح، محكوم بسياسات محددة. ولأن ليس من إنسان مجرد يتحوّل شكر بوش إلى تحديد، حيث “من هنا نفهم معنى التعاون مع أناس يريدون بناء مجتمع ديمقراطي”. لهذا يصبح الإنسان المجرد هو إنسان ديمقراطي يمكن التعاون معه.
بوش ليس إنساناً مجرداً، إنه رئيس الولايات المتحدة، وزعيم عصابة المحافظين الجدد، والمنفذ لسياسات الشركات الاحتكارية. وهو يعرف بصفاته هذه، وبالتالي باندفاعه لتنفيذ السياسات التي تبلورت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، والمعبّرة عن ميل الرأسمال الأميركي للسيطرة على العالم، بالقوة وليس بأية صيغة أخرى. هذا ما يجري في الواقع، ونراه يومياً دون تزويق. يمكن أن يقال أن هذه سياسة صحيحة وخيرة، لكن ليس من الممكن إنكارها. ومعروف أن تحقيق التغيير في سورية مطروح على أجندة إدارته منذ ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومطروح أنها “الهدف التالي” في قائمة بيرل المشهورة بعد العراق (هي أو إيران كما ورد آنئذ). وهي السياسة التي لم يتراجع عنها بوش رغم الأزمة التي يعانيها في العراق، على العكس فهو مندفع إلى الحرب ضد إيران، ويحشد الجيوش، ويكتل “الصف العربي” في حلف المعتدلين (مع الدولة الصهيونية). هل هذه سياسة سرية؟ أميركا اليوم تمارس السرية في العلن، تقول ما تريد أن تفعله، وهي تقول كل ذلك.
لهذا من الطبيعي أن يركز بوش على سورية الآن، وأن يؤكد بأن صبره قد نفد من النظام. لكن هل أن كل ذلك هو في خدمة الشعب السوري؟ بالطبع أميركا ليست جمعية خيرية كما قال بوش ذاته.
إذن، لماذا هذا الإيهام بأن تصريح بوش هو عمل إنساني نبيل؟ إنه تصريح محسوب ضمن سياسة واضحة، ربما نلمسها في الأيام القادمة. هل يجهل رياض هذه الألف باء؟ أم أنه يعتبر بأنه يمارس التكتيك الأشد ذكاءً، والذي هو أهم من هذه الألف باء؟
يكمل رياض بأن تضامن قوى الخير مع قوى إعلان دمشق يساعدهم على إنجاح مشروعهم، فيسأل المحاور “هل أميركا قوة خير؟”، يجيب رياض “أنت تكون جاحداً إذا جاءك إنسان وساعدك على التخلص مما تعانيه ثم تقول له إذهب عني”. ربما كان هذا الجواب هو التفاف على السؤال، لكنه يؤكد القبول بالمساعدة من أميركا، ومن بوش الإنسان. أميركا إذن باتت هي من “قوى الخير”، وهذه مسألة جديرة بالتأمل.
طبعاً يشير رياض إلى الاختلاف مع أميركا، لاشك في ذلك. فهو يرحب بالتصريح “بصرف النظر عن السياسة الأميركية في المنطقة التي جانبت مسألة الديمقراطية” في السبعينات كما يشير في مكان آخر. ويقول بأن كلامه هذا “لا تعني أننا نؤيد سياسات أميركا في الشرق الأوسط، فنحن ندرك أن سياساتها لم تكن في صالح شعوبنا، ولم تكن بوارد الضغط على إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة”. ويؤكد “نحن نختلف مع أميركا في سياساتها تجاه العراق وأفغانستان، رغم أنهم أزالوا نظاماً سقيماً عن الشعب العراقي”. الاختلاف إذن مع سياسات، وبالتالي فالنظر هنا ينطلق من الأرضية ذاتها، كما تفعل النظم في السعودية ومصر والأردن، التي قال قبلاً بالتوافق مع سياساتها.
ثم هل هذه سياسات أم أنها نتاج مصالح؟ هل عدم الضغط على إسرائيل هو سياسة أم نتيجة عمق العلاقة بينهما، هذه العلاقة التي جعلت من الدولة الصهيونية أداة عسكرية للهيمنة على الوطن العربي؟ إذن لماذا تضغط أميركا وهي تسعى لتطوير قوة الدولة الصهيونية، وتكرس توسعيتها؟ طبعاً سيقول “المجددون” هذا كلام “عفا عليه الزمن”. ليكن، لكن يجب أن يكون واضحاً أن هذه هي السياسة الممارسة. أن لا يخافوا من سياستهم التي يطرحونها.
السياسة الأميركية تنطلق من مصالح أميركا، وبالتالي فهي تسعى للسيطرة والتوسع والاحتلال. وهنا المسألة ليست مسألة اختلاف بل مسألة تناقض. المختلف في هذه المعادلة هو من يقبل الأرضية المشتركة، أي التكيف مع الهيمنة الرأسمالية، لكنه يرى أن “القسمة” ليست عادلة. لكن الأرضية التي تفرضها الرأسمالية هي في تناقض مع مصالح مجتمعنا.
وهل نسمي الاحتلال “إزالة نظام سقيم”؟ هل يمكن ابتسار المسألة إلى هذا الحد؟ أميركا احتلت العراق، ولم يكن الهدف هو إزالة هذا النظام السقيم، بل من أجل النفط. ولو تكلف رياض عناء قراءة بعض ممن يصدر عن كبار مسؤولي الإدارة الأميركية الحالية المتقاعدين لعرف أن تفكير الإدارة لم يكن منصباً على هذه الزاوية، فقد تحالفت معه سنوات، بل كان من أجل النفط والنهب والسيطرة. لماذا إذن هذه الرقة تجاه السياسة الأميركية؟ وهم؟ قصور وعي؟
وبالتالي يمكن أن نقول بأن الموقف من أميركا ينطلق ليس من تناقض عميق معها، بل من اختلاف في السياسات. طبعاً هذا من حق رياض وإعلان دمشق الذي يتحدث باسمه. ولكن تحديد هذه المسألة مهم في السياسة، لأنها تحدد الموقع الطبقي، أو بشكل أدق الميل الطبقي.
ما هو دور “الخارج”؟ ماذا يُطلب من بوش؟ يقول رياض بعد ترحيبه في تصريح بوش “أتمنى أن تنعكس هذه على سياساته تجاه شعبنا”، ويكمل “من هنا نفهم معنى التعاون مع أناس يريدون بناء مجتمع ديمقراطي”، و”أدعو أن يكون جوهر تدخله في المنطقة مساعدة الحركات الديمقراطية لتصبح قوة داخلية للتغيير الديمقراطي”. و”إذا استطعنا أن ننال دعماً سياسياً من المجتمع الدولي ومؤسساته في سياق نضالنا من أجل الديمقراطية فإن هذا سيقوي معنويات مجتمعنا في مواجهة الاستبداد”. إذن، المطلوب هو التعاون والمساعدة والدعم من “أناس يريدون بناء مجتمع ديمقراطي” مثل بوش.
واضح من النص بأن التعويل على الخارج في تحقيق التغيير كبير. لا يعني ذلك أن المراهنة تقوم على التدخل العسكري كما حدث في العراق، فالإعلان يرفض ذلك، لكن هناك أساليب أخرى. لكن المهم هنا هو أن هناك تعويل كبير على هذا الخارج، وعلى أميركا. بمعنى أن التغيير لا يتحقق إلا بالاعتماد على الضغط الخارجي (بالأشكال غير العسكرية على الأقل). حتى حينما يجري التطرق إلى المجتمع يجري الربط بين معنوياته في مواجهة الاستبداد والدعم الدولي، وليس نتيجة مفاعيل داخلية بالأساس، عبر الدفع نحو تطوير الحراك المجتمعي. أي ليس هناك مراهنة على الشعب. ولا يعني ذلك أنني أقول بالمراهنة على التغيير من الخارج، فالإعلان يرفض ذلك كما أشرت، لكن المراهنة على الضغط الخارجي هي أساس تحقيق التحويل الداخلي، وليس حركة الشعب، ليس النشاط الجماهيري، والاضرابات والمظاهرات …ألخ، فهذه كلها غير ممكنة في ظل الاستبداد كما ينطلق رهط الإعلان عموماً، وبالتالي يجب إزالة الاستبداد أولاً، إذن كيف؟ كيف إذا لم يكن الضغط الخارجي؟ فالمعادلة التي تسكن في وعي جزء كبير من المعارضة هي أن الاستبداد يمكن النشاط، وبالتالي يجهض التغيير عبر النشاط الشعبي، إذن يجب أن نتعلق بحبال المراهنة على الضغط التي تفرض على النظام “فسحة ديمقراطية”، أو حتى تغيره. لكن حينها هل سيقوم نظام ديمقراطي يسمح بالحراك الشعبي؟ هنا الخارج يفرض صيغته، ولقد باتت واضحة بعد العراق.
يبرر رياض كل هذا الاعتماد على الدعم والمساعدة بالتالي” فـ “نحن نعتقد أننا في عصر لم نعد نستطيع فيه أن نبتعد عن المجتمع الدولي (متى كان من الممكن أن نبتعد عن المجتمع الدولي؟ -س) وننعزل في جزيرة لا نتعاطى مع مؤثرات الخارج (وهل تطرح المسألة بهذا الشكل؟ -س) فالداخل والخارج مترابطان. هذه حكمة التاريخ. لكن المسألة الأساسية هي أن العلاقة مع الخارج لا بد أن تنطلق من الداخل. ونحن نعتقد أن مصلحة بلادنا في الظروف الحالية أن نتخلص من نظام مستبد فاسد”. ويمكن أن أكمل الجملة بالتالي: “من أجل التوافق مع الخارج“.
كل هذا اللغط واللغو حول “لم نعد نستطيع أن نبتعد وأن ننعزل” لا معنى له، لأنه ليس من الممكن أصلاً الابتعاد أو الانعزال، فالتأثير قائم في كل الأحوال. لكن المسألة الأساسية هنا هي، هل نتكيف مع الخارج المسيطر، أو نكون ضده؟ أن نندغم في السياسات التي يفرضها أو نواجهها؟ كل هذا اللغو يهدف إلى إخفاء هذا التحديد، أو إعطاء جواب ملتو يقول بالتكيف مع القوى المسيطرة عالمياً (لكي لا ننعزل)، وإلا لم يكن بحاجة إلى كل هذا اللف والدوران. فهذه هي “السياسة العقلانية”، أي أن نقبل بالأمر الواقع، أن نتبع القوى المهيمنة في كل عصر. كان الاتحاد السوفييتي، والآن أميركا. وهذه السياسة التي ينبني عليها كل الهجوم على اللغة الخشبية، والأفكار القديمة … ألخ من الجمل التي تعدم كل الأفكار السابقة، كل النضال السابق تحت شعارات العقلانية ومستجدات العصر.
لكن بماذا تختلف هذه السياسة عن سياسة النظام؟
ربما يفاجئ هذا السؤال. فالتأكيد على توافقها مع السياسات السائدة يجعلها تبدو مناقضة لسياسة النظام. لكن بعض التدقيق يوصل إلى نتيجة. حيث أن فهم طبيعة الاختلاف بين الدولة الأميركية والنظام يكشف هذا السر. حيث لم يكن النظام في يوم من الأيام خارج “الصف العربي”، ولم يشذ عن النظم العربية في علاقته مع الولايات المتحدة. الذي إختلف هو أن نظرة الدولة الأميركية إلى المنطقة هي التي إختلفت. أو بشكل أدق، أن رؤية هذه الدولة لدوام السيطرة على المنطقة إختلفت. ولهذا طرحت إستراتيجية إعادة صياغة المنطقة. وكانت إعادة الصياغة هذه تفترض شطب النظام العراقي، والسوري والإيراني. والتغيير هنا لم يكن يعني الإتيان بنظم ديمقراطية، بل يعني تفكيك الدول تحت شعار الديمقراطية، القائمة على أسس طائفية وإثنية، والتي تحوّل المجتمعات إلى كتل طائفية متناقضة، عليها أن تتوافق على تقاسم السلطة. وفي إطار فيدرالي يفتح على التقسيم.
فكيف ستقبل السلطة أن تُشطب؟ رغم أن المدقق في تكوين “نخبة” السلطة، أو “الرأسمالية الجديدة” يلحظ ميلها الشديد إلى التكيف مع السياسات الأميركية وليس التناقض معها، وهي تحاول وتكرر المحاولة للتفاهم. لهذا تبدو المشكلة ليس في سياسة النظام التي يمكن أن تتكيف مع السياسة الأميركية فيما لو ضمنت استمراريتها، بل في كيف يمكن التوفيق بين أن يتغير شكل السلطة، من سلطة مركزية استبدادية إلى سلطة هشة واستبدادية كذلك، وشكلية هي تجميع لمافيات طوائف. ولهذا فإن الرأسمالية الجديدة لا تختلف مع كل ما قاله رياض، أليس مفاجئاً ذلك؟
إن النظر انطلاقاً من المصالح يوصل إلى ذلك، لهذا يغطى الصراع مع السلطة بالحديث عن الاستبداد فقط. السلطة ليست مستبدة فقط، ولا فاسدة فحسب، بل إنها تمثل مصالح “رأسمالية جديدة” نهبت الطبقات الشعبية وأفقرتها، خصوصاً منذ بدء سياسة الخصخصة وتعميم اقتصاد السوق، الذي تسارع في السنة الأخيرة بوتيرة عالية.
وإذا حاولنا تحليل التناقض القائم، وقيام “معارضة” وسلطة على ذات الأرضية الطبقية السياسية، سنلمس بأن سيطرة “الرأسمالية الجديدة” على السلطة في شكلها الاستبدادي يجعلها تستأثر هي وحدها بالرأسمال المتراكم، وتستولي عن رأسمال “القطاع العام”، لهذا لا تجد الشرائح الرأسمالية الأخرى (القديمة) مخرجاً إلا بإزالة الشكل الاستبدادي للسلطة، من أجل تحقيق “تكافؤ” في التنافس، وبالتالي تقسيم أفضل للرأسمال المتراكم. لكن هذه الشرائح لا تستطيع الحراك خوفاً على مصالحها، وهذا المطروح هو الذي يعبر عنها بالضبط. لكن ليس كنقيض للرأسمالية الجديدة بل ربما بالتشارك معاً في ظل معادلة مختلفة. إذن، هذا هو الدور الذي يحاوله التيار الليبرالي الذي تبلور في “إعلان دمشق”. وهو الذي جعل كثير من مكوناته تعيش لحظات وجد تجاه البرجوازية التقليدية وتنتظر دعمها.
وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن كل هذا الصراع سوف يكون من أجل إعادة صياغة العلاقة بين شرائح الرأسمالية الجديدة والقديمة، في ظل سلطة “مرنة”، أو هشة، أو مفككة، على أسس طائفية انطلاقاً من مفهوم “الديمقراطية التوافقية”، ومن الفيدرالية. وهو ما تعمل على أساسه الدولة الأميركية، والتي بدعمها ومساعدتها، وضمانها ترتيب التحالف بين تلك الشرائح، تستطيع أن تفرضه. حيث أن إعادة الصياغة هذه تتحقق في بوتقة التكيف مع “النمط الأميركي“.
السياسة العقلانية:
طبعاً يؤكد رياض على أن هذه السياسة هي “سياسة عقلانية”. هل هي فعلاً سياسة عقلانية؟ بالتأكيد هي كذلك من منظور رياض والشرائح التي بات يعبّر عنها، كما هي السياسة ذاتها عقلانية للطبقات الحاكمة في مصر والسعودية والأردن ….ألخ، وكل الفئات الحاكمة العربية. فهي تقوم على التكيف مع “المجتمع الدولي”، وهو الاسم المعطى للنظام الإمبريالي المهيمن.
لكنها بالتأكيد ليست سياسة عقلانية لكل الطبقات الشعبية التي باتت تحت خط الفقر بدرجات، وبات بعضها ينشط للدفاع عن وجوده، كما يفعل العمال والفلاحون في مصر، أو تفعل جماهير الفقراء في المغرب والأردن واليمن، وكما بدأ يتبلور في سورية كذلك.
بالنسبة لهؤلاء هذه السياسة هي سياسة كارثية، سوف تزيدهم فقراً وبؤساً من جهة، وهي سياسة تتجاهل الخطر الأميركي الذي تلمسه تلك الطبقات بإحساسها عبر ما ترى في العراق، وتتجاهل (أو لا تريد أن تعرف) أن هذه السياسة تمس بالقضية العربية كلها. إنها السياسة التي تفضي إلى قهر الطبقات الشعبية، وتودي إلى فقرها وإغراقها في الفوضى والقتل والتهجير.
إنها سياسة عقلانية لذاتها، ولكنها ليست عقلانية لتلك الطبقات التي هي وحدها صانعة التغيير.
ولقد هجر كثير من الشيوعيين الحديث عن تلك الطبقات منذ انهيار النظم الاشتراكية، ولم يجدوا سوى هذه “السياسة العقلانية” لكي ينظروا لها ويدافعوا عنها. معتبرين أنهم “تطورا”، “جددوا” فكرهم، رغم أنهم لم يفعلوا سوى تكرار سياسات الرأسمالية التابعة التي ظلت تكررها منذ عقود لأنها في صلب مصالحها. إنهم هنا لا يطورون فكرهم، بل يتحوّلون طبقياً. ولهذا يقدمون “فقراً” رثاً.
عن الماركسية والشيوعية:
يستثار رياض حينما يسأل عن تركه الماركسية والشيوعية، فيستعيد خطابه القديم بكل دقته، وهو خطاب الحركة الشيوعية سنوات الأربعينات والخمسينات إلى أواسط الستينات، والمعبّر عن وعيها آنئذ. ورياض هنا يستعيد حتى الكلمات ذاتها، مثل حياة ديمقراطية سليمة التي كان يكررها الرفيق خالد بكداش، وأيضاً كلمات الاحتلال الأجنبي. لهذا سوف أناقش هنا وعي الحركة الشيوعية عبر الرفيق رياض الترك، لأصل معه إلى أنه لم يتغير، لكن فقط كوعي، والى حدود كسياسات، ولكن في صيغة أكثر رداءة مما كانت آنئذ. إنه حقيقة لم يتغير، لكن الحامل الاجتماعي الذي يعتمد عليه هو الذي تغير نتيجة مصالحه، وبالتالي فقد غير رياض الحامل الدولي تبعاً لارتباط الحامل الاجتماعي المحلي، وأقصد الرأسمالية المحلية، به.
حيث أن الفكرة الجوهرية التي اخترقت هذا العقل هي أن تجاوز الإقطاع (ورياض يشير إلى مواجهة ماركس للإقطاع، رغم أن ماركس واجه الرأسمالية وأسس سياسة بديلة لها، وفقط في ألمانيا كان يواجه الإقطاع. بمعنى أن نظريته إنبنت على مواجهة الرأسمال) يقوم على دور البرجوازية التي هي وحدها التي تحقق الحرية بمعناها العام. والتي كانت تتحدد في نظام ديمقراطي وحياة ديمقراطية سليمة، في ظل سيادة الملكية الخاصة (أي نظام رأسمالي). وهو ما جرى تحديده في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي السوري اللبناني المنعقد نهاية سنة 1943 وبداية سنة 1944. وهذه هي الروحية العامة لما يطرحه رياض اليوم، لكن بالتوافق مع “المتغيرات العالمية”، هذه المتغيرات التي جعلت الشكل الجديد هو كاريكاتور الشكل القديم. وبالتالي فإذا كان الشكل القديم خاطئاً فإن هذا الشكل هو أكثر من ذلك، هو شكل مدمر. ولقد لا حظنا فيما سبق كيف تبدى ذلك.
المدخل النظري لرياض هو هنا الحرية وماركس. بمعنى أن المفصل الأساسي الذي ينطلق منه هو أن البلد “لا زال بلداً متخلفاً، والاستبداد زادنا تخلفاً، والمستعمرون لا يريدون لنا أن نتقدم ( طبعاً هذا ما كان يقال آنئذ) وجوهر التقدم لا ينطلق إلا من الحرية”. وبهذا المعنى هو يفهم الليبرالية كما يشير، وأيضاً يفهم ماركس “الذي كان متمرداً على الإقطاع، كان يطالب بالحرية، لذلك لا بد علينا أن نفهم جوهر مبادئه”. الحرية التي تعني أن “تنتظم الحياة على نحو أفضل”. هذه الكلمات البسيطة تعبّر عن عمق وعي الحركة الشيوعية منذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين إلى أواسط ستيناته، والتي ظل رياض الترك يحملها بعد أن غيّر الآخرون (وليس بالضرورة بالاتجاه الصحيح)، وهي تنطلق من فهم مجرّد للحرية، الحرية المطروحة في مواجهة الإقطاع، والتي كانت البرجوازية الناشئة في أوروبا تعطيها معنى العمومية، وتتقصد التجريد/العمومية فيها، لإخفاء مصالحها الخاصة كطبقة جديدة صاعدة، مثل كلمات المساواة والعدالة، التي ظلت مجردة، وحين مورست أفضت إلى عكسها، وماركس يشرح ذلك بالتفصيل.
لكن ماركس، الذي يستند عليه رياض، بدأ من نقد هذا المفهوم للحرية، نقد الحرية المجردة، وربطها بمصالح الطبقات، وبالتالي لم يرَ حرية عامة دون تحديد طبقي. ولهذا ربطها بمشروع طبقي اقتصادي اجتماعي سياسي. والذي يعود إلى كتاباته الأولى يلحظ هذه المسألة بدقة. فكتابه “حول المسألة اليهودية” يتطرق إلى هذا الموضوع، حيث يرفض الاكتفاء بالتحرر السياسي، لهذا يطالب بالتحرر الإنساني، هذا التعبير الذي أوصله إلى الاشتراكية. لهذا حمل أهداف الديمقراطية لكن في إطار مشروع الطبقة العاملة، وبالتالي تناقض مع الليبرالية هنا، لأنه طرح تجاوز الرأسمالية نحو الاشتراكية، أي طرحها ضمن سلطة طبقة غير الطبقة الرأسمالية.
وبالتالي لا يكفي الحديث عن “الأخذ بيد الطبقات الفقيرة” و”العدالة الاجتماعية” هنا، لأن البرجوازية تطرح ذلك. الأساس هو ما هو مشروع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء الذي يجب أن يصيغه الماركسيون؟
ولاشك في أن تجريد الحرية الذي كان يطرح آنئذ، والذي لازال رياض يطرحه، يتضمن الليبرالية الاقتصادية وسلطة الرأسمالية مع الحريات العامة. هذا ما كان يقول به خالد بكداش بالضبط.
إن هذا الفهم العمومي لماركس، الذي حوّله في الحقيقة إلى ليبرالي، والمنطلق من أنه كان يطرح الحرية ضد الإقطاع فطلاق طاقات التطور، الذي هو بالضرورة رأسمالي، هو الذي حكم الحركة الشيوعية، ولازال يحكم رياض. لكن ميزة رياض أنه يكيّف هذا الفهم مع “مستجدات العصر” و “المتغيرات العالمية” تحت شعار “السياسة العقلانية”. وهذا طبيعي مادام يرسم أفق التطور مرتبطاً بدور الرأسمالية، ولهذا فهو يتوافق مع سياساتها (أو يطرح برنامجها). وهي الآن معنية بأن تكون “برغي” في عجلة الرأسمالية العالمية، لهذا تنشط في القطاع الاقتصادي “المسموح به”، أي في التجارة والخدمات والمال. وبالتالي فهي معنية بالتكيف مع السياسات والمصالح الرأسمالية العامة، لأنها باتت تطابق مصالحها.
وإذا كانت السياسة القديمة للحركة الشيوعية، التي كان يتبناها رياض، مبنية على دعم “الاتحاد السوفييتي الصديق”، وكل القوى الخيرة في العالم، أي قوى السلم والاشتراكية، فإن رياض هنا يتحول إلى “القوى الخيرة” الجديدة، للمساعدة والتعاون من أجل توفير شروط النهضة “لبلداننا كي تلتحق بالركب الحضاري“.
وبالتالي فهو كما يقول: “لم أغيّر فكري”، أي أنه لم يغيّر طريقة تفكيره، لازال يفكر في العقل ذاته، لم يجدد ولم يحدّث منظومته الفكرية. بدّل في السياسة فقط. وهذا من طبيعة هذه المنظومة الفكرية التي تنقلب عادة من حد إلى الحد المعاكس، لأنها ترى كل شيء وفق حدين متناقضين، ولا ترى أكثر من ذلك. إنه العقل الأحادي المزروع في وعينا منذ القرون القديمة، والذي لم نستطع التخلص منه. هذا هو العقل “الشيوعي” الذي يجب نقده وتفكيكه من أجل تجاوزه، لكي يكون ممكناً أن تتأسس سياسة تعبّر حقيقة عن الفقراء.
ـــــــــــــــــــ
( ملحق)
النداء: تسهيلا على القارئ وتوثيقا للحوار، نعيد فيما يلي نشر تصريحات رياض الترك موضوع الرد:
رياض الترك: نريد من محيطنا العربي أن يبذل جهده لأن لا تخرج سورية عن سربها العربي
الأحد/6/كانون الثاني/2008 النداء: www.damdec.org
دمشق – خدمة قدس برس
انتقد قيادي في تجمع إعلان دمشق استمرار السلطات السورية في اعتقال أعضاء المجلس الوطني للتجمع، واعتبر أن ذلك يندرج ضمن سياسة الهروب إلى الأمام لحماية أمن النظام وسلوك ذات الطريق الذي تمسك به الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكانت نتيجته التدخل الخارجي وما يتعرض له العراق اليوم.
وأكد عضو الأمانة العامة لتجمع إعلان دمشق المعارض رياض الترك في تصريحات خاصة لـ “قدس برس” أن السلطات السورية قد اعتقلت الخميس (3/1) عضو المجلس الوطني لتجمع إعلان دمشق فايز سارة، واعتبر أن ذلك ينسجم وطبيعة النظام السوري منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، وقال إن “موقف السلطة في الأساس لا يقبل أي تنظيم سياسي معارض، والممارسة العملية لنظام حافظ الأسد تؤكد ذلك على الرغم من أن الأنظمة التي سبقته كانت تأخذ وتعطي مع المعارضة، والسبب العميق لمسألة الاعتقالات في تجمع إعلان دمشق، هو أن إعلان دمشق يشكل حالة نوعية في المعارضة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لفتت إليها الأنظار من مختلف أنحاء العالم عن احتمال وجود معارضة جادة متوازنة تأخذ بعين الاعتبار المصالح السورية المترابطة مع محيطها العربي وتقوم على أسس عقلانية لا يشوبها تطرف أيديولوجي، وتلتقي حول المسائل الداخلية التي تأزمت نتيجة السياسات الخاطئة التي مارسها النظام“.
واعتبر الترك أن إعلان دمشق قد يكون النواة البديلة التي تلتقي حولها مختلف التيارات السياسية في سورية: الإسلامية المعتدلة، والليبرالية الوطنية واليسارية الاشتراكية والقومية، وقال “الجسور الآن شبه مقطوعة بين المجتمع السوري والنظام بسبب مغامرات النظام في محيطه الإقليمي والعربي أو سياساته الخاطئة التي جعلته في عزلة كبيرة، مما جعله يصدر أزماته إلى الخارج، نموذج لبنان والعراق خير مثال على ذلك، لذلك أستطيع القول إن سمعة إعلان دمشق أو مدى جدواه السياسية أصبحت موضع نظر جدي من مختلف القوى داخليا وإقليميا وعربيا ودوليا، وأنا لا أريد أن يكون إعلان دمشق قوة أو نواة بديلة في المستقبل، إلا أن المتضررين من هذا النظام بدأوا يجدون فيه أملا، بمعنى أن الأحزاب السياسية التي تلقت ضربات موجعة من النظام في الماضي وأزاحتها السلطة عن الاضطلاع بدورها الطبيعي وجدت فيه أملا، وهذا يعني أننا أصبحنا أمام قناعة لدى الجميع أنه لا يمكن إجراء التغيير إلا بتلاقي التيارات الأساسية في الأمة: الديني المتعقل، الليبرالي واليساري الاشتراكي والقومي الذي هو بحاجة إلى إعادة النظر في إيديولوجيته التي أثرت على سياساته وجعلته لا يطرح السياسات التي تفيد المجتمع وأيضا السياسات المفيدة في عملية الصراع بيننا وبين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية“.
وأشار المعارض السوري المخضرم، الذي قضى عشرين عاما في السجون السورية إلى أن هذه التطورات السياسية المحلية والإقليمية والدولية تضيق الخيارات أمام النظام الحاكم في سورية، وقال “بهذا المعنى أصبح إعلان دمشق وليدا جديدا، وهناك رغبة أن ترعاه قوى كثيرة عساه يعدل سياسات النظام بطريقة عقلانية أو أن تدفع السياسات القائمة البلاد إلى حالة شبيهة بحالة نظام صدام حسين الذي تصرف بطريقة رعناء وعزل نفسه عن محيطه الداخلي والعربي، ونحن لا نريد هذه الحالة لبلادنا ونريد من السلطة أن تتعقل، ونريد من محيطنا العربي أن يبذل جهده لأن لا تخرج سورية عن سربها العربي“
رياض الترك: إقامة نظام ديمقراطي في بلدنا هو ضمانة الاستقلال والوحدة الوطنية
الأثنين/24/كانون الأول/2007 النداء: www.damdec.org
عادل الحامدي ، وكالة قدس برس 23/12/07
أشاد سياسي سوري معارض بتصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش المؤيدة لمطالب نشطاء إعلان دمشق، واعتبر ذلك عملا مساعدا للقوى الديمقراطية كي تستمر في العمل من أجل إحداث تغيير ديمقراطي لم يعد بمقدور منطقة الشرق الأوسط أن تعيش بدونه.
ورفض عضو أمانة تجمع إعلان دمشق رياض الترك في تصريحات خاصة لـ “قدس برس” اعتبار التحية التي وجهها الرئيس جورج بوش لتجمع إعلان دمشق ومطالبته للنظام السوري بإطلاق سراح من تبقى منهم معتقلا، تدخلا في الشؤون الداخلية، وأكد أن ذلك “عمل إنساني نبيل” لا يملك أي مدافع عن حقوق الإنسان إلا أن يحييه، لكنه جدد رفضه التام لأي تدخل عسكري أمريكي في الشؤون السورية، وطالب المجتمع الدولي بأن يكون قوة خير لدعم الحركات الديمقراطية لتنجز التغيير بيدها.
ونفى الترك ـ الذي يعتبر واحدا من أبرز السياسيين المعارضين المعاصرين، إذ أنه قضى نحو عقدين من الزمن في سجن انفرادي بسبب معارضته لسياسات نظام البعث في سورية ـ أن يكون قد تحول عن أفكاره اليسارية إلى الليبرالية، واتهم الحركات الشيوعية العربية بأنها انجرت وراء صراع سياسات دولية كان للحزب الشيوعي الروسي تحديدا دور كبير في صياغتها، وأكد أن الحرية تمثل جوهر الأطروحة الشيوعية.
وأشار الترك إلى أن الحركات الشيوعية نقلت مقولة “الدين أفيون الشعوب” خطأ عن كارل ماركس، وأكد أن الدين مسألة جوهرية تدخل في عمق الإنسان ورؤيته إلى الوجود والخلود.
وفي ما يلي نص الحوار مع السيد الترك، الذي أجراه “عادل الحامدي” من أسرة وكالة قدس برس في لندن:
س) ما هو ردك على التحية التي وجهها الرئيس الأمريكي جورج بوش إليكم في إعلان دمشق، باعتباركم مجموعة شجاعة ومطالبته للنظام السوري برفع القيود عنكم؟.
ـ أنا شخصيا أرحب بمثل هذا التصريح بصرف النظر عن السياسة الأمريكية في المنطقة التي جانبت مسألة الديمقراطية التي لم تكن أساسية في علاقات واشنطن مع الأنظمة العربية، وظلت الشعوب العربية تعيش مقهورة من قبل أنظمة دكتاتورية.
وقد كانت هنالك نظرة أمريكية سادت في سبعينيات القرن الماضي، عن أن الاستقرار يمكن أن يتحقق في منطقتنا عبر دعم أنظمة استبدادية، لكن التجربة أثبتت غير ذلك، حيث أكدت أن الحكام العرب لم يعيروا أي اهتمام لمصالح شعوبهم، ونشاط المطالبين بالديمقراطية والتغيير السلمي يصطدم بهذا العائق دائما، من هنا فإن أي تضامن يعطي دفعة للمشردين والقابعين في السجون، لا بد أن نرحب به بصرف النظر عن قائله، إن كان جادا أو تأثر بهذه الاعتقالات، لأنه قام بعمل إنساني نبيل، بهذا المعنى أرحب بتصريحات بوش وأتمنى أن تنعكس هذه على سياساته تجاه شعبنا والشعوب العربية، لأننا نعتقد أنه لا يمكن حل قضايا المنطقة بالعنف، فالعنف صنو الاستبداد. من هنا نفهم معنى التعاون مع أناس يريدون بناء مجتمع ديمقراطي.
نحن نختلف مع أمريكا في سياساتها تجاه العراق وأفغانستان رغم أنهم أزالوا نظاما سقيما عن الشعب العراقي، لكن بقاءهم في العراق وطريقتهم في إدارة علاقاتهم بالشعب العراقي قادا إلى أضرار كبيرة اتجهت إلى تفتيت المجتمع وتشجيع الصراعات الطائفية. وما نراه نحن في تجمع إعلان دمشق أنه إذا كان للمجتمع الدولي دور في التغيير الديمقراطي فهو أن يكون وسيطا وداعما لا غير، وأن يترك للشعوب أن تجد حلها مع الاستبداد.
وضمن هذا التحليل نرى أن الحلقة الرئيسة لنهوض الشعبين العراقي واللبناني، وشعبنا في سورية هو أن خروج المحتل الإسرائيلي والأمريكي، وفي نفس الوقت رحيل الاستبداد وإعطاء فرصة لمجموعات الديمقراطيين أن تحل تناقضات شعبها.
وعلى أساس هذا الفهم نقف مع لبنان الذي يشهد تدخلا سوريا وإيرانيا في شؤونه ويمنعه من انتخاب رئيس جديد لحل أزمات لبنان. ومن هذه الزاوية أشكر الرئيس جورج بوش على تضامنه مع شعبنا وأدعو أن يكون جوهر تدخله في المنطقة مساعدة الحركات الديمقراطية لتصبح قوة داخلية للتغيير الديمقراطي، لأن هذا العصر ليس عصر الدكتاتوريات، ونحن نريد لمنطقة الشرق الأوسط الاستقرار الذي لا يجلبه الاحتلال كما لا يجلبه أيضا استمرار الاستبداد.
س) ألا تخشى أن يكون مصير سورية هو نفس مصير العراق، ومن العراقيين من تحدثوا قبل الغزو عن التغيير الديمقراطي لكن الذي جرى على أرض الواقع هو صراع طائفي مرير؟.
ـ كلامي هذا لا يعني أننا نؤيد سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، فنحن ندرك أن سياساتها لم تكن في صالح شعوبنا، ولم تكن بوارد الضغط على إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة، ولا نعتقد في الوقت ذاته أن سورية إذا تحررت فإنها سوف تتجه إلى الفوضى، لأننا نرفض تماما أن تأتي جيوش الرئيس بوش لتحررنا، فنحن ضد التدخل العسكري وضد الضغوط المتزايدة على بلادنا بما فيها الضغط الديبلوماسي.
ومع ذلك نحن نعتقد أن مأساة سورية والبلدان العربية آتية في الجوهر من سياسات أنظمتنا الداخلية، فهي التي أضعفت شعوبنا وجرأت الخارج على التدخل في شؤوننا.
إذا استطعنا أن ننال دعما سياسيا من المجتمع الدولي ومؤسساته في سياق نضالنا من أجل الديمقراطية، فإن هذا سيقوي معنويات مجتمعنا في مواجهة الاستبداد، ونحن عندما ندعو إلى الخلاص من الاستبداد نطرح مسألة الحرية لمجتمعنا بصرف النظر عن مكوناته، وندعو أيضا لحل عقلاني، لكن لا ننكر أن هناك متطرفين قد يخلقون الفوضى، لكن الفوضى لا يجلبها إلا الاحتلال والاستبداد. ونحن عندما ندعو للخلاص من الاستبداد فإننا لا نطمع في أن نكون حاكمين، فنجن رواد في تجمع إعلان دمشق، رواد الحرية لنا وللقوى الديمقراطية ولشعبنا، إذ أنه في ظل الحرية تنتطم الحياة على نحو أفضل، هذه هي طروحاتنا التي ترتكز على أن القوى الرئيسية للتغيير هي قوى الداخل، لكن تضامن قوى الخير معنا يساعدنا على إنجاح هذه المشاريع.
س) هل تريد أن تقول بأن أمريكا قوة خير؟.
ـ أنت تكونُ جاحدا إذا جاءكَ إنسان وساعدك على التخلص مما تعانيه، ثم تقول له اذهب عني!، نحن عندما نرحب بتضامنه معنا، فهذا لا يعني أننا نرحب بكل سياساته.
ولتوضيح الصورة لا بد من الحديث عن النظام السوري، حيث أن من يشتم أمريكا صباحا مساء إما خشية من النظام أو خدمة له، وتأمل معي كيف يتكتك النظام مع أمريكا. ونحن نعتقد أنّا في عصر لم نعد نستطيع فيه أن نبتعد عن المجتمع الدولي وننعزل في جزيرة لا نتعاطى مع مؤثرات الخارج، فالداخل والخارج مترابطان، هذه حكمة التاريخ لكن المسألة الأساسية هي أن العلاقة مع الخارج لا بد أن تنطلق من الداخل.
ونحن نعتقد أن مصلحة بلادنا في الظروف الحالية أن تتخلص من نظام مستبد فاسد، ومصلحة بلادنا أن تُحمى وحدتها الوطنية من أجل ضمان الاستقلال والخلاص من الاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي يعبر فيه الجميع عن رأيه، هذا هو جوهر سياسة إعلان دمشق، وليس صحيحا أننا نهمل المسائل الوطنية والاجتماعية، إن من يهمل الجولان ومصالح شعبه هو النظام الاستبدادي والتحالف القديم الذي كان بين هذا النظام وأمريكا في السبعينيات عندما كانت أمريكا تنظر إلى الأنظمة الاستبدادية على أنها سبيل الاستقرار، وقد تبين أنه استقرار كاذب، لأن الاستقرار يصنعه نظام ديمقراطي يحل مشكلاته مع جيرانه بالحسنى، وأن تكون له سياسة عقلانية مع الخارج مبنية على احترام الاستقلال وعلى المصالح المشتركة مع أي بلد خارجي كأمريكا وفرنسا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بحسن جوار مع محيطنا العربي، إذ كيف يكون لي أن أقيم حلفاً مع إيران وأهمل دولا عربية مثل مصر والأردن والسعودية، أو أن أتوجه إلى تركيا، فهذه دول لها مصالح دولية كبرى قد تصبح عبئا على بلدي.
ثم إنه على أي نظام أن يحدد أولوياته وأفضلياته، وهذا لا يتحقق إلا بسياسة عقلانية سليمة وسياسة خارجية تقوم على حسن الجوار، فنحن في سورية لدينا خلافات دائمة مع جيراننا كأننا لا نعيش إلا في ظل الأزمات، وكان حافظ الأسد عندما يتعرض لأزمات يصدرها إلى الخارج، لهذا نحن نريد لحكامنا أن يتعلموا ويعودوا إلى شعوبهم، إنهم يمنعوننا حتى من الاجتماع، لقد حاصرونا لأننا اجتمعنا بضع عشرات لم نفعل شيئا يعكر صفو الأمن أو يزعج أحدا غير أننا تحدثنا فيما أتحدث فيه الآن، فكيف تريد مني أن لا أرحب بتصريح إنسان يطالب بحريتي؟.
س) هل تريد أن تقول إن النظام في سورية يتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يرفض لكم أن تتعاملوا معها؟.
ـ السياسات الدولية تتغير حسب المصالح، فقد التقت المصالح السورية ـ الأمريكية أيام حافظ الأسد في لبنان، حيث دخلت سورية إلى لبنان تحت غطاء عربي وأمريكي وإسرائيلي، وهذا ما عبر عنه الشهيد كمال جنبلاط، نحن لنا مصلحة في أن تسود الحرية في سورية، والنظام له مصلحة في البقاء، وهذا البقاء لا يمكن أن يقوم إلا على أسس سليمة وليس على أساس وجود قوى حاكمة تريد السيطرة، فقد تبين الآن أن الأنظمة الاستبدادية العربية أضعفت شعوبها وقادتها إلى الدمار، فهل تريد من أمريكا أن تدعم نظاما سائرا إلى نهايته؟.
س) ماذا تقصد بذلك؟.
ـ الأمريكيون التقت مصالحهم مع النظام السوري سابقا، الآن هناك بعض التناقضات بينهما، وهي تناقضات يمكن حلها على حساب شعبنا. صحيح أن مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة كبرى تاريخيا لم تكن في مصلحة الشعوب، لكن ليست سياسات الدول الكبرى خاطئة على طول الخط وضد شعوبنا، ولا شك أن الاحتلال هو سر الفوضى بيننا وبينهم، حيث أن أمريكا لا تسير في طريق إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ولذلك فالمطلوب من حكامنا أن يسيروا بسياسات سليمة لدعم الشعب الفلسطيني الذي لا يهتمون به أصلا بقدر ما يهتمون ببقائهم، وهنا تضيع حقوق الحركات الديمقراطية.
وعليه أقول: إن الأنظمة الاستبدادية فشلت وشاخت ولا بد من الخلاص منها، وأنا أحدد علاقتي بالخارج بمدى دعمه لشعبي للخلاص من ذلك. وأسأل هنا ببراءة: ماذا سيكون الموقف لو عقد النظام صفقة مع أمريكا، هل سيسمح لكاتب أن ينتقد ذلك؟، لهذا نحن عندما نتجه إلى الخارج فإننا ندرك أهميته على أنه عالم متنوع فيه الاستعماري وفيه الديمقراطي وغير ذلك، لكن النظام يريدنا أن نعيش في عزلة برفعه لتهم الخيانة ضدنا.
س) ألا تشعر بأنك بهذه الطروحات ربما تعبر عن تحول جذري في أفكارك من الاشتراكية أو الشيوعية إلى الليبرالية؟.
ـ أنا ما زلت من أنصار أن نأخذ بيد الطبقات الفقيرة التي تعيش حياة صعبة، وأنا من أنصار العدالة الاجتماعية، وجوهر المطالب التي طرحتها الحركات الشيوعية هي مطالب عادلة لكن للأسف معظم الحركات الشيوعية في العالم العربي انجرت وراء سياسات دولية كان يتلاعب بها الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي السوفياتي تحديدا، الآن العالم تغير، وأنا لم أغير مبادئي، حيث ما زلت أطالب بالحرية، وأعتقد أن ماركس الذي كان متمردا على الإقطاع كان يطالب بالحرية، لذلك لا بد علينا أن نفهم جوهر مبادئه، فأنا لم أغير جوهر فكري: إنني كنت وما زلت أناضل من أجل الحرية التي يحجبها الاستبداد ويتهددها الاحتلال الأجنبي والعدوان الصهيوني، أنا من أنصار قيام حياة سليمة هادئة، يستطيع مجتمعنا في ظلها أن يحل قضاياه بطرق ديمقراطية سليمة.
هل هذه هي ليبرالية أم طريق لحماية الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية؟، أنا أفهم الليبرالية ليس من منطلق رجعي قديم، وليس بمعنى الحرية الفردية البحتة، فنحن لا نزال بلدا متخلفا، والاستبداد زادنا تخلفا، والمستعمرون لا يريدون لنا أن نتقدم، وجوهر التقدم لا ينطلق إلا من الحرية، لذلك ندخل إلى جبهة عريضة، وإلى تعاون مع القوى الخيرة في الخارج، وهذه ليست عمالة وليست ليبرالية، وإنما هي توفير لشروط النهضة لبلداننا كي تلتحق بالركب الحضاري، لأننا نعتقد أن الحفاظ على مقولة الشرق شرق والغرب غرب هي دعوة للعزلة لا نقبلها.
س) ضمن هذا الفهم هل غيرت موقفك من الدين، ولم تعد من اليساريين الذين يتحدثون عنه باعتباره أفيونا للشعوب؟.
ـ تهمة الحديث عن الدين باعتباره أفيونا للشعوب هي تهمة موجهة لكارل ماركس، وهي غير صحيحة، ولم يقبلها ماركس. ويمكن أن ننظر بعيون الواقعي: هل استطاع الاتحاد السوفياتي أن يمحو الدين من المجتمع؟، وماذا نرى في المجتمعات التي كان يحتلها؟، مقولات استئصال الدين مقولات طوباوية، فالتدين مسألة تدخل في جوهر وعمق الإنسان وفي رؤيته إلى الوجود والخلود، لذلك كانت خطيئة الشيوعيين في الماضي إنكارهم لذلك.
ان الدين هو إحدى المكونات التي تعطي للإنسان مادة لإزالة القلق والحصول على الراحة وتفسير ما يعجز عن تفسيره. لكن مشكلة العلمانيين والمتدينين هي مشكلة الرؤية إلى الكون ومحاولة اكتشافه التي لا يمكن أن تتم إلا بطريقة علمية.
وقد فتح الدين الإسلامي مجالا كبيرا بفصله بين العقائد، وبين النظر إلى الحياة وتفسيرها حسب الزمان والمكان، وهذه مسائل فقهية تعلمناها في كلية الحقوق، لكن للأسف حُمل القرآن بأوجه عديدة، ولذلك علينا أن نجتهد بما يلائم عصرنا، على أساس النظر إلى الدين والمتدينين من منظور طبيعي، لكننا لا نستطيع إلا أن نكون علمانيين في تفسير الحياة والظواهر التي تشهدها، وبالتالي نستطيع أن نتقدم بتقدم العلم، وضمن هذا نفهم مقولة أن “الدنيا دار بلاء وابتلاء” على أن نقوم بعملنا جيدا ونجتهد لإعطاء تفسيرات تتلاءم والعصر. ولذلك نحن بهذا المعنى مع حرية المعتقد ومع حرية الضمير، وهذا يساعد على تلاقي العقائد المختلفة بدل أن تتصارع، وهو ما يفتح الباب لعلاقات إيجابية مع الشعوب للاستفادة من ثقافاتهم.
رياض الترك: اتهام تجمع إعلان دمشق بالعلاقة مع أمريكا اتهام رخيص وخطر
الجمعة/21/كانون الأول/2007 النداء: www.damdec.org
دمشق (21 كانون أول/ ديسمبر) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء:
رفض المعارض والناشط السياسي السوري البارز رياض الترك أن يكون لمعتقلي تجمع إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي المعارض أي علاقة بالولايات المتحدة أو سياساتها تجاه سورية، واعتبر أي اتهامات لهم بهذا الإطار هو “تحريض رخيص وخطر”، وأشاد بوطنية المعتقلين وعلى رأسهم رئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق د. فداء الحوراني، وشدد أيضاً على وطنية مشروع إعلان واستقلاليته وديمقراطيته، ووصف النظام السوري بـ “المستبد”، وأكّد أن تغييره “لا يمكن أن يتم إلا على يد السوريين أنفسهم“.
وقال المعارض المخضرم الترك في تصريح لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء “إن اتهام رئيسة وأعضاء المجلس الوطني والأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذين بدأ اعتقالهم منذ أكثر من عشرة أيام، بأن لهم علاقات مع الولايات المتحدة وغيرها، هو كذب واتهام تحريضي رخيص وخطر، هدفه تفريق الصفوف، وبث الاضطراب داخل المجتمع”، وأضاف “إن رئيسة المجلس الوطني د. الحوراني ورفاقها لا يحتاجون إلى شهادة حسن سلوك، فهي سيدة ترعرعت في بيت وطني مشهود له بالنضال والدفاع عن الوطن وحريته وفقرائه، ومشهود لرفاقهم المعتقلين سعيهم لإرساء الديمقراطية والحرية في سورية، ونأسف أن تتناول بعض الأصوات الرخيصة قامات مثلهم“.
وجاء رد الترك، السجين السياسي السابق لمدة سبعة عشر عاماً في زنزانة منفردة، رداً على بعض المقربين ممن النظام السوري، اتهموا معتقلي الإعلان بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبالعمل على التحريض ضد النظام السوري.
وأوضح الترك “إن الخلفية الأساسية من وراء اعتقال هؤلاء الناشطين هي انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق، والمعروف أن هذا المجلس يضم أحزاباً سورية متنوعة، عربية وكردية، وتنظيمات مدنية، بالإضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة من مختلف الاتجاهات السياسية”، وأضاف “تخلل المؤتمر حوارات طويلة وشفافة، نتج عنها وثيقة أساسية تجلت في البيان الختامي للمؤتمر، الذي عبّر عن الموقف السياسي لإعلان دمشق المعارض“.
وقال “تمنينا أن يكون رد فعل السلطة هادئ، وأن تبادر للحوار مع المعارضة ممثلة بإعلان دمشق، خاصة في هذا الظرف المعقد الذي يضع سورية على كف عفريت نتيجة سياسات السلطة نفسها“.
ولخص الترك الموقف السياسي لإعلان دمشق بعيد المؤتمر الأخير بثلاث نقاط أساسية، أولاً “الحفاظ على الاستقلال الوطني والتشديد على استعادة الجولان السوري المحتل”، ثانياً “العمل على إنهاء الاستبداد الذي ساد البلاد لأكثر من 44 عاماً”، وأدى وفق الترك إلى “تفرقة صفوف المواطنين إلى فئات وطوائف، وقاد إلى سياسات اقتصادية قائمة على التسلط والفساد”، والنقطة الثالثة الأساسية “طرح مسألة إقامة النظام الوطني الديمقراطي القائم على التغيير الهادئ والسلمي والمتدرج للسلطة في سورية، في سبيل الخلاص من الحالات الشاذة والأزمات السياسية والاقتصادية الحادة، بما فيها بعض الأزمات السياسية الإقليمية“.
وحول علاقة النظام السوري مع محيطه الإقليمي، ورأي إعلان دمشق بهذه العلاقة قال الترك “هناك طروحات قديمة لدى السلطة قائمة على ما يمكن أن نصفه بالخروج عن المحيط العربي، ونحن في سورية شئنا أم أبينا لا نستطيع الخروج عن الصف العربي والمحيط العربي، وبمعنى آخر، إن التحالفات التي يعقدها النظام السوري مع إيران التي لها مشاكل كبيرة ومتعددة مع المجتمع الدولي تشكل عبئاً لا يستطيع الشعب السوري أو النظام تحمله، ولابد لسورية من العودة إلى الصف العربي، والبحث عن سياسة حكيمة قادرة على حل التناقضات بين سورية والمجتمع الدولي“.
وأضاف الترك “لابد من سياسة جديدة لسورية تقوم بجوهرها على الأخذ بعين الاعتبار الوضع الدولي والإقليمي، لأننا لسنا في جزيرة معزولة عن الخارج، نحن جزء من العالم، ويهمنا أن يتفهم العالم واقع وتطلعات المعارضة السورية، ونسعى لإيصال رسالة للعالم بأن النظام الاستبدادي في سورية ليس عبئاً على الشعب السوري فقط وإنما هو عبء على محيطه العربي والإقليمي في لبنان والعراق وفلسطين، وربما هذا التوجه دفع بعض رجالات النظام لاتهامنا بالميل نحو الولايات المتحدة“.
وأضاف المعارض المخضرم الذي كان يرأس حزب الشعب الديمقراطي (الحزب الشيوعي ـ المكتب السياسي سابقاً) “نحن لسنا ضد إيران، ولكننا لا نريد أن نقيم حلفاً معها، ومشاكلها المتعددة ليست جزء من مشاكلنا، ونريد حلاً لأزماتنا في إطار مصالحنا الوطنية والعربية، وحلاً في بالحسنى في الإطار الإقليمي والدولي، يستند إلى مبادرة السلام العربية للوصول إلى سلام دائم وشامل وعادل“.
وبالعودة إلى مؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق المعارض الذي عقد مطلع الشهر الجاري بشكل سري وحضره نحو 163 عضواً من أعضاء المجلس، أكّد الترك أن التصويت والانتخابات داخل المجلس “كان ديمقراطياً وسرياً”، وانتقد حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أعلن تعليق نشاطه في الإعلان بعد انتهاء المؤتمر، وقال “لقد ارتكب أعضاء الاتحاد الاشتراكي أخطاء خلال المؤتمر، لقد كانوا يريدون حق الفيتو لتعطيل قرارات المجلس، إلا أن المجلس سار إلى نهايته وانتخب قياداته بشكل سري وديمقراطي، حتى الاتحاد الاشتراكي نفسه شارك في العملية حتى النهاية، ولكنهم شتتوا أصواتهم بترشيحهم لأكثر من شخص لعضوية المجلس الوطني، رغم أننا في الإعلان رأينا أن يرشح كل حزب شخص واحد فقط لنتيح الفرصة أمام كافة الأحزاب للتمثيل، وليكون هناك تنوع لكل طيف الأحزاب السورية وممثلي المجتمع المدني، وكانت النتائج في غير صالح الاتحاد الاشتراكي“.
ورأى الترك الذي تخلى قبل سنوات عن زعامته لحزبه طوعاً أن تجمع إعلان دمشق هو “حالة جيدة جداً لم نشهدها في تاريخ سورية سوى مرة واحدة عشية الانقلاب على الرئيس الشيشكلي، عندما اجتمع مممثلوا كافة الأحزاب السورية على اختلاف توجهاتها، وكانت النتيجة أن تخلصوا من استبداد ديكتاتورية الشيشكلي، وسارت سورية على طريق الديمقراطية الذي لم يستمر“.
وأضاف “نحن لا ندعي أننا الوحيدون الذين يمثلون معارضة المجتمع، فالمجتمع يفرز دائماً تيارات وتجمعات وقوى مختلفة، ونحن نقبل بهذا التنافس الديمقراطي، ونرى أن الوثيقة التوافقية التي أفرزها المؤتمر الأخير للإعلان هي مخرج سليم في إطار المجتمع“.
ووجه الترك عبر (آكي) نداءً إلى “جميع القوى الخيّرة ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية، والدول الحريصة على أن تخرج منطقة الشرق الأوسط من قائمة البؤر المتوترة”، العمل على “حل التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية بالحسنى، وأن تتجه الجهود الدولية لإيجاد حل بعد أنابوليس للقضية الفلسطينية قائم على إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي ما قبل 4 حزيران، وإيجاد صيغة توافقية بين الفلسطينيين أنفسهم، وإشراك كافة القوى العراقية في رسم مصير بلدهم، ثم العمل على خروج الاحتلال من العراق، وإيجاد حل للمشاكل اللبنانية“.
وأكّد الترك أخيراً أنه “لا يوجد أي إمكانية أن تحل تناقضات المنطقة قبل أن يتم الخلاص من الأنظمة الاستبدادية فيها”، مؤكداً أن الخلاص من “الأنظمة الاستبدادية ومنها النظام السوري، لا يمكن أن يتم إلا من الداخل، من قبل السوريين أنفسهم“
—————— انتهى —————-