إسرائيل: خيار “حماس” – سوريا
رنده حيدر
مجموعة من المؤشرات بدأت تتبلور في أفق الحياة السياسية في اسرائيل تحمل دلالات ذات أهمية خاصة من شأنها ان تلقي بعض الضوء على التوجهات المستقبلية لإسرائيل بالنسبة للموضوع الفلسطيني وللسلام مع سوريا.
لقد أثبتت المواجهات في غزة بين الجيش الاسرائيلي وحركة “حماس” بصورة قاطعة مدى صعوبة نجاح هذا الجيش في وقف سقوط صواريخ القسام على البلدات الاسرائيلية المجاورة لغزة. كما أظهرت عملية “الشتاء الحار” في غزة أمرين أساسيين: ازدياد القدرة العسكرية لـ”حماس” والتنظيمات الأخرى بصورة ملحوظة بعد سيطرة الحركة على القطاع في تموز الماضي وطرد حركة “فتح” والقوى الأمنية التابعة لمحمود عباس، وصعوبة حسم القتال في مناطق تشهد تداخلاً كبيراً بين القوى المسلحة والتجمعات السكانية للمدنيين. لقد وصل المسؤولون عن الجيش الاسرائيلي الى نتيجة مفادها انه اذا كان الهدف وقف سقوط الصواريخ، فإن اعادة احتلال غزة التي تبدو اليوم أصعب بكثير من الماضي لا تشكل الحل لأن القصف سيتجدد ما ان يخرج الجيش من القطاع.
لذا يعتبر الجميع سياسيين وعسكريين أن السبيل الوحيد المتاح الآن هو اعطاء الفرصة للمفاوضات مع “حماس” حتى لو كان معنى ذلك الاعتراف بشرعية تمثيلها واضعاف شريكهم في المفاوضات السياسية أبو مازن مع الابقاء على الجهوزية العسكرية للقيام بالتحرك المطلوب. ورغم الأصوات المعارضة لقيام مثل هذه المفاوضات من جانب اليمين القومي والأصولي المتدين لا سيما بعد العملية ضد المدرسة الدينية في القدس، فان غالبية الجمهور الاسرائيلي تفضل حالياً التحاور مع “حماس” على الثمن الباهظ المترتب على قيام الجيش الاسرائيلي بإحتلال قطاع غزة من جديد.
ثمة اقتناع اسرائيلي آخذ في التجذر شيئاً فشيئاً في التفكير السياسي والاستراتيجي الاسرائيلي هو أن القوة العسكرية الاسرائيلية غير قادرة وحدها على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتهدد امن اسرائيل اليوم في صورة “الارهاب” وحرب العصابات التي تخوضها التنظيمات الاسلامية وعلى رأسها “حزب الله” و”حماس”، وأن المحور الجديد الذي تقوده ايران بدأ يضيّق الخناق على اسرائيل. وأفضل طريقة لتفكيك هذا المحور بعد التجربة الفاشلة لتفكيك بنية “حزب الله” الصاروخية في حرب تموز بالقوة، وصعوبة التوصل الى تحقيق الهدف عينه بالنسبة ل”حماس” هو اللجوء الى تكتيك آخر يمزج بين التحرك العسكري على الأرض وتحرك سياسي، يدور اليوم وراء الكواليس، في اتجاه “حماس”. وفي حال نجحت المحاولة فمن المحتمل أن يفتح ذلك المجال امام مبادرة سياسية مع سوريا مستقبلاً.
واذا ما أثمرت المفاوضات غير المباشرة مع “حماس” عن نتائج “مرضية ومثمرة” فان ذلك من شأنه تعزيز حجة الإسرائيليين الذين يؤيدون العودة الى التفاوض مع سوريا من دون شروط مسبقة، وهؤلاء كثر في وزارة الدفاع وفي القيادة السياسية. فثمة اتجاه اسرائيلي يشمل عدداً من القوى الفاعلة في الحياة السياسية الاسرائيلية يدعم فكرة تحريك العملية التفاوضية مع سوريا من دون شروط مسبقة، لأن ذلك برأيهم هو الإختبار الحقيقي لنيات الرئيس السوري. والأهم ان هذا هو السبيل الوحيد للوقوف في وجه الصعود الكبير للنفوذ الإيراني في المنطقة ولإخراج سوريا من احضان طهران. وحتى لو لم تثمر المفاوضات مع سوريا عن اتفاق فإنها لن تكون مضرة بالمصالح الاسرائيلية المباشرة لأن عودة الحياة الى العملية السلمية من شأنه ان يخفف من حدة الإحتقان والتوتر ويسمح للقيادتين العسكرية والسياسية باعداد الخطط الملائمة لمواجهة التحديات المستقبلية وفي طليعتها السلاح النووي الايراني.
ثمة تقاطع موقت في المصالح بين اسرائيل وحركة” حماس” يدفعهما في المرحلة الراهنة نحو القبول بالتهدئة وبوقف النار كل انطلاقاً من اسبابه الخاصة. فاذا نجح الطرفان في هدفهما فإن ذلك قد يفتح الباب أمام تجربة الأسلوب عينه مع سوريا كوسيلة لخفض التوتر في المنطقة وابعاد الخطر المباشر لنشوب مواجهة بين اسرائيل و”حزب الله” او بينها وبين الجيش السوري.