هل للتكنولوجيا دور في التغيير الاجتماعي؟
رشيد الحاج صالح
يذهب عدد من علماء الاجتماع إلى أن الاختلاف بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة يرجع للأثر الاجتماعي للتكنولوجيا في تلك المجتمعات. ويضيف هؤلاء العلماء أن سرعة التغيير في المجتمعات المتقدمة تعود بشكل أساسي إلى إدخالها التكنولوجيا في مختلف نواحي الحياة، حيث تؤثر التكنولوجيا وبشكل سريع في تغيير نمط حياة المجتمع وتفتح أمامه سيلا هائلا من المتغيرات على مستوى: بنية الأسرة، مجتمعات العمل، العلاقات الاجتماعية، طرق العيش، تشكل الطبقات، أنظمة الحكم.
ولكن كيف تؤدي التكنولوجيا إلى التغير الاجتماعي؟ وماهي الآثار الاجتماعية والثقافية التي تتركها على المجتمع؟ بمعنى آخر، ما هو المعنى الاجتماعي للتكنولوجيا؟ ثم هل تستطيع التكنولوجيا مساعدة المجتمع العربي للخروج من حالة الركود الجاثمة على صدر الأمة؟
لقد أدى دخول التكنولوجيا الواسع لدى المجتمعات المتقدمة في مختلف المجالات الصناعية والزراعية والخدمية والتجارية..الخ إلى زوال البيت كمصنع صغير، الأمر الذي دفع المرأة إلى الخروج خارج البيت للعمل لساعات طويلة وحصولها على حريتها الاقتصادية، ما حقق لها قدرا من المساواة مع الرجل. وعلى مستوى الأسرة، لم يعد هناك وقت لإنجاب عدد كبير من الأولاد، الذين أصبحوا –على قلتهم– يتلقون التربية خارج البيت.. ناهيك عن تراجع دور الأب وتحوله إلى فرد في الأسرة، بعدما كان سيدها المطلق.. وعلى مستوى الوضع الاجتماعي، لم يعد ينفع الإنسان نسبه وعائلته، بل أصبح المهم هو درجة معرفته بالتكنولوجيا للحصول على عمل مناسب.
وعلى مستوى العمل، حلت قوة الآلة محل قوة الإنسان لتصبح الآلة أهم منه، وليتحول هو إلى عبد لها ولأصحابها.. أما على المستوى المدني والسياسي، فقد استولت المؤسسات المدنية، التي أول ما نشأت في المدن الصناعية لتنظيم الحياة الجديدة في التجمعات الحديثة، استولت على سلطات الحاكم وتقاسمت معه أدواره وحولته من سيّد للمجتمع إلى مجرد موظف، أقصى ما يتمنى هو رضا المجتمع عليه، والتصويت له في الانتخابات.. يضاف إلى ذلك تمحور الحياة الاجتماعية حول ملكية التكنولوجيا وكيفية التعامل معها بطريقة رأسمالية أم بطريقة اشتراكية؟
وإذا نظرنا إلى مجتمعنا العربي لتحديد الأثر، أو الدور الذي لعبته التكنولوجيا في بنيته التكوينية، والأدوار الاجتماعية للفاعلين فيه، نجد أن هذه التكنولوجيا لم تستطع الدخول إلى قلب المجتمع، ولا التأثير في عمقه، بل اقتصر دورها على الناحية الاقتصادية والتجارية فحسب، فالتكنولوجيا لم تؤثر في الحياة الاجتماعية للعرب، ولم تمس قيمهم وعاداتهم وقوانينهم ومؤسساتهم الاجتماعية.
فاليوم، مازال العمل اليدوي مرتبطا بالدونية، ومازالت الأصوات ترتفع لمنع المرأة من قيادة السيارة والعمل خارج البيت في أكثر المجتمعات العربية استخداماً للتكنولوجيا. ومازال الأب هو سيد البيت المطلق والمتحكم حتى في اختيار زوجات أولاده. ويبدو أننا سنبقى نتفاخر بنسبنا على الرغم من أن التكنولوجيا لم تدخل إلى حياتنا سوى بنسبة تقل عن 10%، ونحن اليوم مستعدون أكثر من أي وقت مضى للوثوق بمستقبلنا، على الرغم من عدم قراءتنا للمعاني الاجتماعية والسياسية والثقافية للتكنولوجيا.
إذاً، فمشكلة المجتمع العربي أنه يعاني من «الهوة الثقافية» –كما يسميها وليم أوجبرن– بين الثقافة المادية (التكنولوجيا) والثقافة اللامادية (العلاقات الاجتماعية وطرق الحياة والمعتقدات). والمقصود بالهوّة الثقافية، هو الفترة الزمنية الفاصلة بين التغيّر المادي والتكنولوجي، والأثر الذي يتركه هذا التغيّر على الجانب اللامادي من المجتمع. وهذه الهوة قد تطول وقد تقصر بحسب ظروف وأوضاع كل مجتمع.
وفي المجتمع العربي، ثمة مجموعة من العوامل تزيد من عمق «الهوة الثقافية»، وتضعف دور الثقافة المادية (التكنولوجيا) في تغيير بنى المجتمع وعلاقاته.
كاتب من سورية