في بنية الاقتصاد السياسي الطائفي
علي زراقط
يقول الموسيقي شربل روحانا “بلا فيزا من ليزا خلّينا بلبنان، العيشة لذيذة أحلى من وين ما كان”، ثم يعود ليناقض نفسه وهو يترنم على انغام العود في “لشو التغيير؟!” الساخرة من الحال التي لا تتغير في هذا البلد، من السياسة إلى الاقتصاد مروراً بالحياة العاطفية. أنطلق من هاتين الأغنيتين لشربل روحانا قاصداً بهما أن أنطلق من الموقع نفسه الذي ينطلق منه شربل روحانا، وهو موقع علماني يرى إلى الأمور من باب الانتماء إلى الوطن اللبناني، ومن باب السخرية من الهجرة المتكاثرة كمّاً ونوعاً بين شبابنا في الأغنية الأولى، أما سبب الهجرة على ما يبدو فهو أن التغيير غير ممكن كما يرد في الأغنية الثانية.
أبدأ من تحديد الموقع العلماني: كنا الى طاولة واحدة في مقهى من مقاهي الحمراء، أنا وصديقي الذي يحضّر حقيبته اليوم. فوجئت عندما قال لي إنه استقال من عمله في أحد التلفزيونات التابعة لجهة سياسية، وانه سوف يسافر إلى أفريقيا كي يبدأ مغامرة تجارية. لم أكن يوماً أتوقع أن هذا الصديق بالذات قد يترك البلد. ليس لشيء إلا لأنه بالفعل أكثر من يرى أن “العيشة في لبنان لذيذة”، ويرى في النمط اللبناني للعيش ملاذه الأول والأخير. إلا أن مشكلته الوحيدة كانت في أنه قد حدد لنفسه موقعاً علمانياً ضمن هذا البلد، فبات في ظل الأزمات المتراكمة، يرى نفسه مهدداً جسدياً قبل ان يكون مهدداً في لقمة العيش ونمط الحياة. السؤال في هذا المقام: ما الذي يجعل العلماني مهدداً، وما الذي يجعله يائساً من القدرة على التغيير؟ للإجابة، لا بد من النظر إلى البنية الإقتصادية السياسية للطوائف السياسية في لبنان. إن النظر إلى هذه الطوائف يأتي من تحديد مسبق للموقع الذي أنا فيه، ألا وهو الموقع العلماني المنتمي إلى لبنان وطناً في الضرورة.
الطوائف السياسية
من اللافت في لبنان أن الطوائف اللبنانية تدّعي أنها طوائف دينية، في الوقت عينه الذي تمارس فيه طائفيتها السياسية. وهي في ذلك تنكر على الناقد كونها مبنية على الصراع السياسي وليس على الإيمان الديني. طوائفنا هي طوائف سياسية في بنيتها، وفي ربط معالم الوطن ومقوماته بمساراتها وبالتنازع في ما بينها على السلطة واقتسامها في هذا البلد. ننظر إلى “اتفاق الدوحة”، ثم إلى الحوار الوطني، لنرى أن ما من خطاب إلا الخطاب الطائفي السياسي. لم تتكلم الطوائف في الدوحة عن أحقية الشيعي أو السنّي في ممارسة شعائره الدينية، أو عن حق المسيحي في أن يدق أجراسه وكيفية ضمان استمرار هذا الحق من باب الحرية الدينية. بل هي تكلمت في كيفية استمرار فرض السلطة الطائفية على السياسة اللبنانية، وفي كيفية تقاسم السيطرة على القطاعات السياسية الفاعلة في المجتمع اللبناني. هذا الاتفاق على التقاسم السياسي بين الطوائف، ما هو إلا نتيجة لبنية سياسية اقتصادية للطوائف اللبنانية، تتجلى مظاهرها في الخطاب واللغة السياسيين.
تبني الطوائف اللبنانية اقتصادها الخاص، وفي ظل سيطرتها على المجتمع، تفرض هذا النمط الاقتصادي عليه، بمن فيه من العلمانيين والخارجين على الطوائف وعنها. هذه السيطرة لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة عمل على ديمومة هذا النمط الاقتصادي المرتبط أصلاً بقدرة الطوائف على الحراك السياسي. فالطوائف في لبنان هي هياكل جاهزة لتبنّي أدوار سياسية، تحاول الحفاظ على كينونتها الخاصة من خلال الصراع السياسي المباشر مع الطوائف الأخرى.
ننظر إلى الشباب الذين يدخلون في القتال المذهبي، ممن يقفون على أفواه الطرق ليلتقطوا المشاكل ويكبّروها. ننظر إلى القوات الخاصة التي تقتحم المدن والاحياء، وصولاً إلى المواكب السيارة التي تطلق عنان أبواقها، وأعلامها على الملأ. نرى أن هؤلاء ما هم إلا بضعة من الطبقة الفقيرة لهذا المجتمع، من طبقة مسحوقة، بعضهم لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، يتقاضى أغلبهم لقاء حملهم السلاح أجراً يبلغ الأربعمئة دولار، يقل ويكثر بحسب المناطق والإنتماء. هذا الشاب الذي يحمل سلاحاً وهو في السادسة عشرة من العمر، وفي جيبه أربعمئة دولار، يتحكم هو وأصدقاؤه بمصائر الناس (هكذا يرى نفسه). هذا الشاب، ما الذي سوف يعيده إلى مقعد الدراسة؟ ما الذي سوف يجعله يتوانى عن الدخول في الحرب بعد أن يقتل اول نفس ويلمس نشوة سفك الدم والقوة؟ إن الخطر الأكبر في حربنا المستمرة هذه، هي هذه الظاهرة في الاعتماد على التجهيل، حيث سيخرج من هذه الأزمة جيل لا يعرف إلا الحرب والقتال. أما المتعلمون وأصحاب الشهادات فهم مثل صديقي ذاك الذي قرر أن يهاجر. إسمحوا لي أن أتنبأ (ولي برهان على ذلك في ما يأتي): إذا ما استمرت الطوائف في إدارة الأزمة بالشكل الذي تديره به الآن، فلن يتبقى في البلاد إلا من جهّلوهم، ولن تتوقف دائرة الدم بل سوف تتسع.
ظاهرة الشباب المسلح الواقف على أبواب الأحياء، لا تأتي كظاهرة مفردة أو في كونها هي الأزمة الأساسية، بل هي نتيجة البنية الإجتماعية- الإقتصادية للطوائف السياسية اللبنانية.
في البنية الإقتصادية للطوائف
تعتمد الطوائف اللبنانية على أصول اقتصادية كبيرة تأتي من الاوقاف والتبرعات الدينية لدى المسيحيين، بالإضافة إلى الزكاة لدى السنّة، ويضاف إلى هذا الخمس (ضريبة عشرين في المئة على الأصول مرة في العمر، وعشرين في المئة على الأرباح كل سنة) لدى الشيعة. هذه الأصول المالية الثابتة والمنقولة تشكل جزءاً كبيراً من قدرة الطوائف على الاستثمار في المجتمع، حيث أنها (أي الطوائف) تصبح المرجع الأول للأمن وللتنظيم الاجتماعيين بالنسبة الى الملتزمين دينياً وهم الأكثرية المطلقة بين الشعب اللبناني. نرى الطوائف في ذلك قادرة على تأمين الكثير من الحاجات الاجتماعية التي لا تستطيع الدولة تأمينها: الطبابة، رعاية الأيتام، دور المسنين، المؤسسات التربوية، المؤسسات الاجتماعية…الخ. ترتبط هذه المرجعية المباشرة للمواطن مع سلطة طائفته، بكون الدولة لا تستطيع مراقبة الأصول الاقتصادية للأوقاف وكيفية انتقالها، وخصوصاً أنها معفاة من الضرائب. بهذه الطريقة تخرج هذه الاوقاف على سلطة الدولة، وتؤسس لسلطة سياسية خاصة تمتلك سياستها التربوية الخاصة، والاستشفائية الخاصة، والعلمية الخاصة، والأمنية الخاصة إن احتاج الأمر، وذلك كله بعيداً عن عين الدولة أو مراقبتها. بحيث أن لا باب للدولة للدخول إلى عالم هذه الأصول، فيخرج قسم من اقتصاد الوطن إلى خارج الدولة. هذا ما يمنح السلطة الدينية الاكتفاء السياسي- الاقتصادي، والقدرة على الدخول إلى المجتمع من باب السلطة المالية. واستطراداً، يرى الناظر إلى الأمر أن الأوقاف ما هي إلا أموال تبرع بها المؤمنون للسلطة الدينية كي تصرف على الرعية من المؤمنين. أي أنها بمثابة الحق المكتسب للمواطن. وأنها أمواله هو ولا منّة لأحد عليه بها.
إن امتلاك السلطات الدينية الطائفية لمؤسساتها الاجتماعية الخاصة، يجعلها قادرة على تنشئة جيل من الموالين للطائفة أولاً، غير آبهة بالقانون العام للتربية والاجتماع لأنها مستقلة عن سلطة الدولة.
الأحزاب الطائفية
تبني المجتمعات الطائفية أحزابها بناءً على حاجة لدى الطبقات الاجتماعية داخل الطائفة. فالخطاب الداخلي المهوّل بالمؤامرة، وبرفض الاختلاف عبر الاتهام الجاهز بالخيانة، وربط مصالح الطبقات الفقيرة بالسلطة الحزبية، أو بالسلطة الدينية للطائفة، يجعل شعوب الطوائف رهينة هذه القوقعة الاقتصادية الاجتماعية التي ترسمها الطوائف على عتباتها وحدودها.
يعتمد الاقتصاد الطائفي على مصادر مالية غير منظورة، بمعنى انها آتية من التبرعات غير المراقبة والمعفاة من الضرائب أو عبر الارتباط بالحقائب الديبلوماسية التي تحمل الأموال مباشرة إلى الأحزاب. هذه الأموال غير المنظورة هي خارجة على الاقتصاد الوطني، بمعنى أنها تؤسس لاقتصادات طائفية داخلية تكبح جماح التنافس الاقتصادي. فلو كان حجم الحراك المالي في لبنان 30 مليار دولار، فإن أكثر من ثلثي هذا التبادل المالي يقع ضمن اقتصادات ضيقة، وغير منظورة داخل الطوائف، مما يجعله خارجا على السياسات الاقتصادية الوطنية والحراك الاقتصادي الوطني. نضرب لذلك القطاع الاعلامي مثلاً، ذلك ان المؤسسات الإعلامية في معظمها هي مؤسسات طائفية، أو ذات انتماء حزبي. وبما أن القانون يحصر العمل الإعلامي بهذه المؤسسات الطائفية والحزبية، فإن كل وسيلة إعلامية تكتفي بما يأتيها من إعلانات من الجهات السياسية المالكة لها. فلا تشعر هذه المؤسسات بأي ضرورة إلى رفع المستوى الاعلامي وتطويره لكسب الاعلانات، الأمر الذي يؤدي إلى ركود في الحراك الاقتصادي في المجال الاعلامي والاعلاني عبر جمود مخصصات الموازنات للبرامج، وعدم المنافسة على الحصول على الهواء الإعلاني للمحطات. فهذه البرامج، إن زادت جودتها أم لم تزد، ستبقى على نوعيات الاعلان نفسها. كما أن الجهة المعلنة تنتمي في معظم الأحيان الى الجهة المعلن لديها، مما يخلق ركوداً في الدائرة المالية. أي أن الدورة المالية تجري داخل الطائفة الواحدة (والطرف الاقتصادي الواحد)، بل داخل الحزب الواحد في الطائفة الواحدة. هذا يؤدي إلى دائرة اقتصادية ضيقة، لا تستفيد منها إلا بورجوازية طفيلية قادرة على امتصاص الأموال المنقولة عبر قنوات من العلاقات الخاصة، وما شابه. هذا المثال الذي يتناول الوسائل الإعلامية ينطبق على الكثير من القطاعات العاملة، كمثل قطاع البناء، والعقارات، والتعاونيات الاستهلاكية …الخ.
اقتصاد طفيلي
تربط الأحزاب المواطنين بنظام حماية اجتماعية خاص داخل الطائفة، يجعل المنتمين إلى الطائفة مستفيدين من الحماية الإجتماعية والتأمين الاجتماعي الخاص بالطائفة عبر مؤسسات كنا قد ذكرناها سابقاً تهتم بالطبابة والأيتام …إلخ. كما أنها تربط الطبقات الشعبية والوسطى بنظام وظيفي خاص بها، حيث أن الطوائف هي القادرة على توظيف المواطنين في الدولة، إلا انها أيضاً قادرة على توظيف المواطنين في المؤسسات الطائفية التي تمتلكها الأحزاب والسلطات الدينية. بالإضافة إلى عدد غير صغير من الشبان يعملون كحملة سلاح لدى الأحزاب الأمر الذي يؤدي إلى انتماء هذه الطبقات كلها إلى السلطة الطائفية السياسية. وفي ذلك نرى أن المؤسسات الإقتصادية الكبرى في لبنان هي الأحزاب. حيث أننا نعلم أن أكبر رب عمل في لبنان (بعد الدولة اللبنانية) هو “حزب الله”، يليه “تيار المستقبل” بمؤسساته المتنوعة، تليهما الأحزاب الأخرى. وإذا نظرنا مثلاً إلى عدد الاشخاص الذين يوظفهم حزب مثل “حزب الله” (التقديرات تقول بحوالى 80 ألف موظف) نرى ما معنى ان يكون اقتصاد لبنان هو اقتصاد حزبي طائفي، أي أنه اقتصاد غير منتج، وطفيلي.
إن ارتباط المجتمعات الطائفية المباشر بمؤسسات الأحزاب، يليه ارتباط هذه الأحزاب بطبقة من البورجوازية الطائفية التي تنتفع مباشرةً من خلال حزب طائفتها. مثالاً على ذلك، شركات البناء في الضاحية الجنوبية، أو شركات الأمن الخاص في بيروت. هذه الشركات وغيرها، هي المستفيدة مباشرةً من الحراك السياسي الأزماتي الذي تصنعه السياسة الطائفية في البلد. فمن مصلحة شركات البناء في الضاحية أن تستمر في بناء ما تهدم (على أن يبقى يتهدم)، ومن مصلحة الشركات الأمنية الخاصة أن تبقى حامية للشوارع (على أن تبقى الشوارع مهددة). هذا الحراك الاقتصادي المرتبط بنيوياً بالأحزاب، تلحق به طبقة من التجار المستفيدين المباشرين من الأزمات السياسية، من تجار السلاح إلى البزات العسكرية إلى صنّاع الثقافة الأزماتية …إلخ.
إن هذا الربط بين الإكليروس (السلطة الدينية في الطائفة)، والطبقات الوسطى عبر التوظيف، والطبقات الفقيرة عبر الحماية الإجتماعية والأمنية وأجور حمل السلاح، والبورجوازية الطائفية، يؤدي إلى حاجة ملحة لدى هذه الطبقات الطائفية إلى استمرار الأزمات السياسية بين الطوائف لإستمرار استفادتها من المنظومة الاقتصادية التي تفرضها عليها الطوائف. هذه الاستفادة من الصراع، لا تسمح إلا بإعادة توليد هذا الصراع لإعادة الاستفادة منه. هنا يأتي ما كنا قد سمّيناه البنية الطفيلية للاقتصاد الطائفي. حيث أن الاقتصاد الطائفي هو اقتصاد خارج على الأمة وعلى حدودها، مقلّصٌ لطاقات أبنائها ضمن حدود الطوائف، ومقلّص لحجم الحراك المالي داخلها. كما أنه اقتصاد غير قادر على الانتاج لأنه يعتمد على بيع السياسة بالمال. إذ أن الأحزاب اللبنانية (المؤسسات الإقتصادية الكبرى) لا تنتج إلا الخطاب السياسي الأزماتي، التنظيمات التعبوية، والازمات السياسية، وتبيع هذا كله بالمال للمتبرعين، او للحقائب الديبلوماسية.
تتحالف الطبقات الطائفية في ما بينها تحت خطاب (حزبي طائفي) فاشي الطابع، أستعيد لوصفه مقولة أمبرتو إيكو في وصف الفاشية على أنها “ثقافة التقاليد، نبذ الحداثة، ثقافة الفعل السياسي لأجل الفعل السياسي، الحياة الصراع، الخوف من الاختلاف، رفض التعارض، بغض الضعيف، ثقافة الرجولة والميليشيوية، الشعبوية التقويمية، دعوة الأكثرية الصامتة، الهوس بوجود مؤامرة وأعداء أقوياء غير معروفين، التنشئة في سبيل البطولة…”. هذه القيم تجعل كل تناقض في المصالح بين طبقات الطائفة الواحدة قابلا للقلب على أساس طائفي. نضرب لذلك مثلاً في 7 أيار، حيث خرج العمال أولاً يطالبون بحقوق مشروعة في زيادة الأجور ضد استغلال الطبقة الحاكمة والبورجوازية. فما كان من الخطاب الطائفي إلا ان أدار الراية لتصير الطبقات الفقيرة في الطائفة الشيعية تقاتل الطبقات الفقيرة في الطائفة السنّية، بناءً على الخطاب الفاشي نفسه، متحالفةً مع الطبقات البورجوازية الطائفية، وحكام الطوائف.
البورجوازية الوطنية وموقعها المحكوم بالعلمانية
في سياق نقدنا لبنية الاقتصاد الطائفي، كنا قد فصلنا ما بين البورجوازية الوطنية من جهة وهي البورجوازية غير المرتبطة إلا بالدولة مباشرةً، والبورجوازية الطائفية المستقلة في حراكها الاقتصادي عن الدولة. لا شك في أن الرهان الأساس لدى العلمانيين اللبنانيين، أي الطامحين إلى بناء دولة المواطن، هو على البورجوازية الوطنية وقدرتها على إنتاج دورة اقتصادية كبيرة وسريعة، عبر مؤسسات صغيرة ومتوسطة تعتمد على أنماط إنتاج عالية المستوى (كزراعة الزهور، الزراعة العضوية، تصنيع الأفكار، الأبحاث العلمية، الصناعة الإعلامية…). إن الخطر على البورجوازية الوطنية الذي يجعلها تتأكل امام افتراس البورجوازيات الطائفية للمساحات، يجعلها مضطرةً إما أن تتحول إلى بورجوازيات طائفية، وتقبل المخاطرة في أن تستفيد الآن من الاقتصاد الطفيلي الحالي الذي سوف يتوقف حكماً ليحل محله اقتصاد طفيلي آخر ولتحل محلها بورجوازيات طائفية أخرى، وإما أن تختار أن تنتمي إلى الخيار العلماني في بناء هذا الاقتصاد الواسع وتنميته لربط الطبقات المتوسطة والصغيرة بمصالح الوطن والدولة.
ختام
لم يهاجر صديقي لأنه لا يملك ما يسد جوعه، بل هاجر لأنه لم يعد يرى مكاناً لتحقيق أحلامه. لم يعد يرى مكاناً للتطور في حياته المهنية إن لم يكن متزلفاً للحزب الذي يعمل تحت سلطته. هاجر لأنه، وإن دخل ضمن هذا الاقتصاد الطائفي، فسيبقى مهدداً بالطرد منه، لمجرد قوله رأياً واحداً لا يعجب مسؤولاً في الحزب.
أصبحت الحياة أضيق بكثير مما كنا نرى، وأعتقد أن الوقت قد حان لكي تستفيق الطبقات ذات المصلحة في العلمانية في لبنان. لأنها إن لم تتحرك اليوم فسيمر القطار سريعاً فإما تركبه وترحل عن هذه البلاد، وإما تبقى ويدوسها
النهار