لقاء مع الناشط السوري جوان أمين محمد
تم تجريدنا من كل شيء حتى إنسانيتنا
ضمن النشاط التي تقوم به “ثروة” باللقاء مع سوريي الشتات ممن خرجوا
من بلادهم قسرا بعد ان سلبت العائلة الحاكمة وطنهم، “ثروة لبنان” تلتقي بالناشط السوري جوان أمين محمد الذي هرب إلى لبنان خوفاً من الجلادين ومن أقبية عائلة الأسد.
أنت كمنفي من بلدك سوريا منذ متى تعيش في لبنان ولماذا أتيت إليه؟
أعيش في لبنان منذ أكثر من سنة، وذلك بعد مغادرتي لبلدي سوريا مضطراً، إثر الضغوطات الأمنية الشديدة، لا لسبب سوى أنني عارضت سياسات النظام السوري العنصرية بحق المواطنين السوريين وخاصة الكورد منهم. مما اضطرني إلى دخول الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية.
أنا أيضاً من ضحايا جريمة الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة، إذ تم تجريد عائلتي ومئات الآلاف من أبناء الشعب الكوردي في سوريا عام 1962 من الجنسية السورية، وهذه من إحدى أفظع الجرائم بحق المواطن الكوردي ومن أبشع السياسات العنصرية بحق شريحة واسعة من الشعب الكوردي. إذ تم حرماننا من جميع الحقوق المدنية والسياسية وتم تجريدنا من كل شيء حتى إنسانيتنا فكانت إلغاء لنا كبشر!! فلا يحق لنا أي شيء؛ نحن ممنوعون من السفر والتملك والتعلم والتوظيف!!!……… حتى الإقامة في فندق ولو لليلة واحدة نحتاج بها إلى موافقات أمنية!!
وقد تلقينا الكثير من الوعود بإعادة الجنسية لنا من قبل السلطات السورية، وكان على رأس من وعد بشار الأسد. ففي 18/8/ 2002 في زيارته لمحافظة الحسكة ومن خلال مقابلات صحفية ومرئية، وعد المجردين من الجنسية بإعطائهم حقهم المسلوب منهم وحل المشكلة، لكننا لم نر سوى الوعود الكاذبة.
والتجربة العملية أثبتت كذب ونفاق هذا النظام المجرم، حيث لم تظهر أي نية حقيقية داخل النظام في الشروع بإصلاحات ديمقراطية حقيقية تخفف من تسلط الأجهزة الأمنية على مقاليد الأمور. ليس هناك سوى المزيد من خنق للحريات والمزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في سلسلة لا متناهية من مسلسل القمع والقهر والظلم على الشعب، وإذا ارتفع صوت ينادي بالحرية يطبق عليه النظام كالوحش المفترس المتعطش إلى الدم ليغرس أنيابه في جسد الحرية.
وهنا أتوجه بالنداء إلى كل القوى والأحزاب والمنظمات الوطنية المحلية والعالمية إلى إجبار النظام السوري إيقاف هذه المأساة “مأساة المجردين من الجنسية” التي طالت عقود.
وكيف تحمي نفسك من خطر الترحيل إلى سوريا وأنت دخلت لبنان بطريقة غير شرعية؟
أنا لا أملك أي وسيلة لحماية نفسي سوى وثيقة لاجئ من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في بيروت، وهذه الوثيقة ليست ورقة إقامة، بل هي عبارة عن وثيقة رسمية تثبت أنني لاجئ وانتظر عملية التوطين في إحدى الدول، ويمكن للحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية أن تعتقلني وتودعني السجن لسبب إقامتي غير الشرعية في لبنان، خاصة أن لبنان من الدول غير الموقعة على اتفاقية “حماية اللاجئين”.
كيف تعيش في لبنان؟ وهل مارست أي نشاط في فترة تواجدك في بيروت؟؟؟
أعيش في لبنان حياة صعبة، ولا استطيع العمل داخل لبنان لعدم قدرتي على الحركة، وخوفي أن اتعرض للتوقيف والترحيل أو السجن. ومنذ قدومي إلى لبنان لم أخرج إلا نادراً من الحي الذي أقطنه خوفا من الاعتقال، ولبنان كما هو معروف يعاني من مشاكل أمنية كثيرة ونزاعات طائفية، فهناك حواجز أمنية في كل الأزقة مما يجبرني ويمنعني من الخروج من الحي الذي أقطنه.
فمنذ قدومي إلى لبنان لا أعرف أي شيء عن لبنان سوى الحي الذي أقطنه وما يحز في قلبي ويؤلمني أن لبنان وكما هو معروف بلد سياحي وفيه الكثير من الأماكن الرائعة والمناظر الخلابة والمعالم الأثرية. لم أزر هذه الأماكن الرائعة ولم أشاهد هذه المناظر والمعالم الأثرية سوى من شاشات التلفاز. فالبحر مثلاً يبعد عن الحي الذي أقطنه مئات الأمتار، لكنني حتى الآن لم اتمتع برؤية الشواطئ اللبنانية، فأنا مسجون في سجن كبير لا ولا أعرف ما هو مصيري. المصير الوحيد الذي أمامي هو المجهول المظلم.
أما من الناحية النفسية فالحياة صعبة جداً، والخوف أعيشه كل يوم. فزعماء كبار استطاع النظام السوري الوصول إليهم فكيف أنا؟ وما أنا إلا مواطن كوردي سوري مجرد من جنسيته لا يحمل حتى جنسية بلده، فمن سيطالب بي لو قتلوني أو اختطفوني؟
صدقني أخاف الخطف أكثر من القتل، فالقتل سيكون مرة واحدة أما الخطف فسأموت فيه كل لحظة.
ناهيك عن معاناة أخرى أعانيها ويعانيها كل سوري في لبنان وهي التميز؛ فبعض اللبنانيين لا يميزون بين سوري ضحية ونظام جلاد؛ فإذا تكلمت مع أحدهم يعرفني من خلال اللهجة أنني سوري ألمح في عينه الكره والاشمئزاز.
لكن الحق يقال، فهناك الكثير من اللبنانيين من يحترمنا ويقدر كثيراً خيارنا في معارضة النظام السوري، والمفارقة أن بعض من يميز ضد السوريين في لبنان هم من يعتبرون أنفسهم “أصدقاء لسوريا في لبنان”، وهذا أمر طبيعي فمن يناصر نظام مجرم بحق الشعب السوري بالتأكيد لن يحب الشعب السوري بل هو بالتأكيد عدو له.
وبالنسبة لنشاطي كمعارض، أغلب نشاطي يرتكز في مجال الإعلام الإنترنتي. بدأت بتصميم موقع الدرباسية الإلكتروني (www.dirbesiye.net) عندما كنت في وطني وأعلنت عن انطلاقته بعد قدومي إلى بيروت، والموقع اختص في الشأن الداخلي السوري وحقوق الإنسان، وقد تم حجبه من قبل السلطات السورية بعد فترة قصيرة من انطلاقته.
بعدها قمت بالتعاون مع إدارة موقع “كسكسور” بتأسيس موقع “سوبارو” (www.soparo.com) وهو بثلاث لغات العربية والإنكليزية والكوردية، وقد تم حجبه أيضا بعد اأيام من انطلاقته. بالإضافة إلى إدارتي لموقع منظمة “صحفيون بلا صحف”(www.freepresse.net).
ألم تنظر المفوضية العليا للاجئين على حالتك وحال السوريين اللاجئين هنا كحالات عاجلة وأن وضعكم خاص؟
أنا بشكل خاص، للأسف لا. فالمفوضية تتعامل مع ملفي بشكل بطيء جداً، ولا تنظر لمدى خطورة الوضع هنا، خاصة أن بعض أصدقائي من السوريين تعرضوا لتهديدات بشكل مباشر من المخابرات بالخطف، واستغل منبر “ثروة” كي أناشد المفوضية العليا للاجئين بالتسريع بملفي وبملف أصدقائي من السوريين، فنحن لا وطن لدينا يحمينا لو وقعت أي مشكلة في لبنان، فنحن أبناء وطن مسلوب وهو الوطن السوري، وحماة الوطن من يفترض أنهم أول من سيدافع عنا ترانا نهرب منهم ونلجأ إلى دول أخرى كي نتجنب شرهم.
دعنا ننتقل من الخاص قليلاً إلى العام. هل تعتبر نفسك سورياً أم كردياً؟
سؤالك فيه نوع من التمييز بين أبناء الوطن الواحد السوري.
لا أجد تضارباً بين السوري والكردي حتى تسألني هكذا سؤال، كما أني لا أجد تضارباً بين السوري والعربي أنا كوردي سوري كما في سوريا عربي سوري وأشوري سوري. والكورد يعيشون على هذه الأراضي منذ آلاف السنين، ونحن سوريون حتى لو جردنا من جنسيتنا، ولقد تظاهرنا عشرات المرات في سوريا لأجل أن تعاد لنا جنسيتنا السورية. أحب أن أعيش في وطني سوريا وأن اتمتع بكافة حقوقي الوطنية والقومية ضمن نظام ديمقراطي وعادل…
هل تعتقد أن النظام السوري نظام عروبي يضطهدك لأنك كردي مختلف، أم أن النظام لا يؤمن بأي فكر أو أيديولوجيا وما هو إلا مافيا؟
اعتقد أن النظام لا يمت حتى للعرب بصلة، فهو نظام لا يعرف إلا القمع والعنف والتهميش وإلغاء الملايين أمام وجوده الأولي الوحيد الواحد الأحد؛ فالنظام السوري يضطهد كل من يعارضه، والكورد يخاف منهم بشكل خاص بسبب مطالبهم الديمقراطية في نيل حقوقهم.
والكورد هم من أكثر القوة المعارضة تنظيماً وجماهيرية، وهم أول من قاموا بكسر حاجز الخوف من النظام في عهد الأسد الأبن، وتبلور ذلك منذ العام 2002، وأيضا في انتفاضة آذار 2004 حيث انتفض كل الشعب الكوردي ضد سياسات التميز العنصرية.
والشعب الكوردي لا يريد معاداة أحد وله الحق في المطالبة بحقوقه الوطنية والقومية المشروعة على أرضه التاريخية في ظل سوريا موحدة تجمعنا في نظام حر ديمقراطي. لكن في السجون السورية العرب والأكراد والأشوريين وسوريين من كل الطوائف والملل والقوميات فهو يضطهد كل من يخالفه الرأي ومن يهدد مصالحه الضيقة والشخصية.
كلمة أخيرة؟
أتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي أعيش فيه مع أخي العربي وأخي الأشوري على وطن واحد، نشترك في المواطنة بين بعضنا البعض ونعيش حياة ديمقراطية في سوريا الوطن الحاضن للجميع والمتسامح مع الجميع. وأشكر مؤسسة “ثروة” على هذه المقابلة، وأتمنى لكم دوام النجاح.
خاص ثروة