في جملة “محشورة” وخارج السياق: رئيس مجلس الشعب السوري يؤكد أن السوريات غير مواطنات!
بسام القاضي
لم يكد يجف حبر التوصيات التي صدرت عن “الملتقى الوطني حول جرائم الشرف”، والتي أثارت موجة من التفاؤل حول إمكانية توجه الحكومة السورية أخيرا إلى اعتبار النساء السوريات مواطنات، عمليا وبترجمة قانونية ومؤسساتية، لا بالبيانات والتصريحات! حتى ردت ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل التي عبرت مرارا وتكرارا عن استهجانها إثارة هذه القضية، مبتسمة وهي تتساءل عن مدى أهمية هذا العدد من الضحايا! وممثلي ثقافة قتل الرجال للنساء باسم الدين أو الأخلاق أو ما شابه، بتصريح محشور خارج السياق، ورد في خبر نقلته وكالة الأنباء السورية سانا، ويتحدث عن بيان عمل وزارة التدمير الاجتماعي والبطالة، التي طال ظلامها على المجتمع المدني السوري، حتى لم يعد يطاق!
فقد أكد الخبر المعنون بـ: “مجلس الشعب يناقش خطة وزارة العمل.. المداخلات تدعو للإسراع بإنجاز قانون العمل الجديد وإيجاد فرص عمل جديدة”، على أن: “وأعلن رئيس مجلس الشعب تأكيد المجلس بالإجماع على التحفظات الواردة بالمرسوم 330 على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة السيداو كما وردت” (اقرأ التحفظات..).. (اقرأ اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة- سيداو) دون أي توضيح إضافي؟! وفي سياق لا يوجد فيه كلمة واحدة أخرى عن هذا الموضوع! بل في سياق الحديث عن بعض تفاصيل جلسة مع وزيرة “التدمير الاجتماعي والبطالة”، والتي كان يفترض أن تكون جلسة استجواب بكل معنى الكلمة، نظرا لتاريخ الوزارة خلال السنوات العشرة الماضية في تشويه المجتمع المدني في سورية، وحظر الجمعيات، وحل أخرى، ومنع ترخيص غيرها، وبناء مملكتها الخاصة عبر منع أية جمعية من التعامل مع أية جهة رسمية إلا بصك غفران من مكتب السيدة الوزيرة! وتصريحاتها المتكررة حول أن سورية “خالية” من العنف ضد المرأة! رغم أنها هي شخصيا امرأة معنفة (بكسر النون) ضد المرأة، وذلك عبر منعها ترخيص الجمعيات التي تعمل من أجل قضايا المرأة! و حظرها لندوات تناهض العنف والتمييز، ودعمها لندوات تؤيد العنف والتمييز! عدا عن كل ما أثير حول مكاتب الرشاوى المسماة مكاتب التشغيل! والانتهاكات التي تجري في مراكز الوزارة للأحداث من عنف همجي واغتصابات وابتزاز.. على مرأى ومسمع وحماية الوزارة! وهي المراكز التي لا يجرؤ الشرفاء العاملون فيها على البوح بحقيقة الأمر علنا، خوفا من بطش الوزارة ومن خلفها!
صورة للخبر على ساناهكذا إذا؟! مجلس الشعب “يؤكد” على التحفظات؟ هل هذا حقيقي؟ نحن نشك بذلك. ولدينا من البراهين الكثير مما سنعرض بعضه في سياق المقالة. لكن، سنعتبر أن الأمر هو كذلك فعلا، كما جاء في الخبر. فلنر ما الذي يعنيه هذا “التأكيد”.
أول ما يعنيه أنه تأكيد الذكورة السورية أن المرأة السورية هي “ناقصة عقل ودين” (وفق المثل الذكوري الشائع)، وخادمة وتابعة للذكر السوري، لذلك لا يحق لها الحصول من مجلس “الشعب”، على: “حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أى عمل تمييزي”، وفق ما تنص عليه الفقرة (ج) من المادة 2 من اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة (سيداو)، والتي أكد السيد رئيس المجلس، وبالإجماع (على ذمة الخبر طبعا)، موافقته على تحفظ الحكومة السورية عليها؟! وهذا يعني، بصريح العبارة التي خجل منها معد الخبر في سانا، مثلما يجب أن يكون قد خجل كل مواطن ومواطنة سورية: إن مجلس الشعب يؤيد أن المرأة السورية هي كائن “أقل من مواطن” وبالتالي فلا يستحق “حماية قانونية لحقوقها على قدم المساواة مع الرجل”! ولا يستحق أيضا “ضمان حماية فعالة للمرأة”؟! أي أن رئيس مجلس الشعب يؤكد على انه “لا حماية قانونية للمرأة”! إذ ليس هناك سوى صيغتين: حماية للمرأة، أو لا حماية للمرأة! وبما أنه تحفظ، أي عارض وامتنع عن الالتزام بـ”حماية المرأة”، فهذا يعني أنه وافق والتزم بـ”لا حماية للمرأة”! وباعتبار أن الدستور ينص على أن الدولة تحمي مواطنيها ومواطناتها، فهذا يعني أن تأكيد مجلس الشعب يخرق الدستور السوري أولا، ويخرق مبدأ الدولة الحديثة ثانيا، ويحض على العنف ثالثا، ويؤدي، فيما يؤدي إليه، إلى الانتقاص من سيادة الدولة! هذا عدا عن أنه يخرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وسلسلة من الاتفاقيات والبروتوكولات التي صدقت عليها سورية (بتحفظ أو بدونه)، وجميعها لها صفة الأولوية على القوانين السورية التي تمارس العنف والتمييز ضد المرأة، وهي القوانين ذاتها التي يدافع عنها السيد رئيس مجلس الشعب بتأكيده ذاك!
وبدون مواربة، هذا يعني أن السيد رئيس مجلس الشعب، والإجماع الذي تحدث عنه، يوافق كليا وبدون تحفظ على: “مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة”، ويرفض “كفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق” وحماية المرأة! وهو ما تدعو الفقرة (د) من المادة 2 المذكورة إلى ضرورة امتناع الدولة عن مباشرته؟! وبالتالي، ووفق قواعد اللغة العربية البسيطة التي تعلمناها في المدارس، شأننا في ذلك شأن أعضاء وعضوات مجلس الشعب، بمن فيهم رئيسه، يحق لكل الناس في سورية أن “يباشروا” أعمالا وممارسات تمييزية ضد المرأة، وتكفل السلطات عدم تعرضهم لأي مساءلة قانونية حول مباشرتهم ذلك التمييز! بدلالة رفض التصديق على هذا البند!! وهذا أيضا يخرق الدستور، ويخرق مبادئ سيادة القضاء والعدالة والعقد الاجتماعي والوحدة الوطنية و… إلى آخر القائمة المعروفة.
وأيضا، هذا يعني أن السيد رئيس مجلس الشعب، ومن أجمع معه، يؤكدون بدون أي لبس أنه مع “التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة”، بدلالة أنه “أكد” على التحفظ الذي تدعو فيه الفقرة (هـ) من المادة نفسها إلى “اتخاذ كافة التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص او منظمة أو مؤسسة”؟!
وأيضا وأيضا: يؤكد السيد رئيس مجلس الشعب، و”إجماع” مجلس الشعب وفق الخبر المنشور في سانا، معارضته الكلية لـ: “إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة”؟! وبالتالي، وبدون حاجة لبراهين، السيد رئيس مجلس الشعب، وإجماعه كله، يشارك الذكور القتلة تمتعهم في قتلهم النساء! ويؤيد تمتعهم بحماية المادة 548 والمادة 192 من قانون العقوبات! ويوافق على أن يذبح كل رجل يشك بامرأة تصله بها صلة قرابة، شادا على يديه، ومربتا على كتفه، ومؤكدا له أنه لن يمض سوى بضعة أشهر في السجن يخرج بعدها “بطلا صنديدا”! ولعل هذا مربط “الإجماع” الآن، الذي، للمصادفة الغريبة، إجماع أعلن عنه في لقاء مع سيدة تدعو علنا إلى قتل النساء! معتبرة أن من حق الذكور قتلهن إذا ارتؤوا ذلك! إذ من الغريب فعلا أن يجري “التأكيد” هكذا! في جلسة لا علاقة لها بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد! ويعرف القاصي والداني أنه لم تجر أية جلسة مخصصة لنقاش هذا الموضوع! كما يعرف الجميع أن جهة حكومة هي الهيئة السورية لشؤون الأسرة كانت قد تقدمت بمشروع قانون لإلغاء أغلب هذه التحفظات منذ عام 2006، وتقدمت بها إلى مجلس الشعب ومجلس الوزراء. بل وقالت الحكومة السورية (ولا يبدو أنه كما تقول جهينة!) أمام لجنة السيداو في الأمم المتحدة أنهم يعملون على إلغاء القسم الأكبر من هذه التحفظات (ولا نعرف ما الذي سيقولونه في شرح مثل هذا “التأكيد” من رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلاد)!! لكن الغرابة تنتهي حين نعرف أن “المجمعين”، على ذمة الخبر الذي نكرر شكنا في صحة صفة “الإجماع” فيه، هم من مؤيدي قتلة النساء باسم الإسلام، وباسم المسيحية، وباسم اليهودية.. وإن كان أغلب مؤيدي هذا القتل الهمجي لم يتجرأ على إعلان ذلك لأنهم يعرفون، في قرارة أنفسهم، أن لا دستور ولا دين ولا قيمة أخلاقية تدعم هذا القتل! ويبدو اليوم أن رئيس مجلس الشعب، وبعضا من أعضائه الذين هددوا وتوعدوا في الجلسة الختامية للملتقى الوطني حول جرائم الشرف، دفاعا عن ثقافتهم الذكورية التي لا تنضج إلا بدم النساء السوريات، يريد توريط المجلس كله في هذا الإدعاء، والقول أن مجلس الشعب في سورية يتبنى قانونا موسوما بالعار على جبين كل من يدافع عنه ويقره ويمارسه ويحتمي به! فنحن نعرف حق المعرفة أن بعضا من أعضاء مجلس الشعب وعضواته عبروا علنا عن تأييدهم لإلغاء التحفظات، كلها أو بعضها! كما عبروا عن تأييدهم بدون تحفظ لتوصيات الملتقى الوطني حول جرائم الشرف، والتي تشكل أول بادرة حكومية على هذا المستوى باتجاه مناهضة العنف والتمييز ضد. وهذا تناقض مع الخبر الذي يقول أن التأكيد جاء “بالإجماع”! اللهم إلا إذا كانت السيدة الوزيرة قد قامت بما يعرف الجميع أنها تقوم به في اجتماعاتها، من تهديد ووعيد، والتفاف ومداورة، بحيث “حشرت” هذا التأكيد بشكل أو بآخر! رغم معرفتنا حق المعرفة أيضا، أن أعضاء وعضوات مجلس الشعب أرقى من أن يحملوا النفاق باسم الدين، أو باسم الفضيلة، أو بأي اسم آخر، محمل التشريع!
ولكننا لم ننته بعد من دلالات “تأكيد” رئيس المجلس! فذاك “التأكيد” هو تأكيد سافر على أن السيد رئيس المجلس، ومن أجمع معه، يعتبرون المرأة السورية وعاء إنجاب لأولاد ذكر! وبالتالي فليس لها منهم شيئا! وليس لها حق في إعطاء جنسيتها لأطفالها؟ فالفقرة (2) من المادة (9)، وهي فقرة متحفظ عليها، تقول: “تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”! فثقافة الغاب ما زالت تؤكد أن الأولاد هم ملك حصري للذكر، وما على المرأة سوى أن تحضن نطفة الرجل وتحملها وتكونها وتلدها وتربيها.. لكي يتمتع الذكر ببقاء اسم عائلته! وطبعا ليس لها أي حق تجاه هؤلاء الذين أنجبتهم! حتى حق أن يحملوا جنسيتها التي هي حق أساسي لكل إنسان على وجه المعمورة!
وهنا أبلغ العجب من ذلك “الإجماع”! فالأسبوع الماضي فقط، وليس قبل سنة أو قرن أو أية مدة زمنية أخرى من المدد التي قد تضيع فيها الذاكرة، أعلن د. محمد حبش، وهو عضو في مجلس الشعب حتى تاريخه حسبما نعرف، ما لم تكن قد سحبت العضوية منه ومن عشرة أعضاء وعضوات آخرين، تقدموا، الأسبوع الماضي، بمشروع قرار لتعديل قانون الجنسية، بحيث يحق للمرأة السورية منح جنسيتها لأولادها أسوة بالرجل! أو، والله أعلم، أن د. حبش ومن معه قد أصيبوا، لا سمح لله، بفصام شخصية! حتى إنهم تقدموا في الأسبوع الماضي بمشروع القرار، وشاركوا اليوم في “إجماع” التحفظ على بند ينص حصريا على حق المرأة بمنح جنسيتها لأطفالها!
بل إن تعديل قانون الجنسية هو أمر عملت به بقوة على مدى سنوات “رابطة النساء السوريات”، وتنظيميا هي جزء من الحزب الشيوعي السوري (فيصل) الذي له العديد من الأعضاء في مجلس الشعب، فهل قام هؤلاء أيضا بالتصويت “الإجماعي” ذاك؟ وفي هذه الحالة لما لم تعلن الرابطة تخليها عن مشروعها في تعديل القانون، وتخليها عن مشاركتها في العمل من أجل رفع التحفظات، لصالح الإجماع؟ أم أن الرابطة في واد والحزب في واد آخر؟!
في الواقع يدين لنا د. محمد حبش، ومن معه من مؤيدي حق المرأة السورية بمنح جنسيتها لأطفالها، يدينون لنا باعتذار على “الخديعة” الكبرى التي أوقعونا فيها حين “أوهمونا” أنهم مناصرين لهذه القضية! أو، وهو الأرجح، يدين لنا السيد رئيس مجلس الشعب (أي لكل مواطنة سورية ستحصل على حقوقها كمواطنة كامل شاء من شاء وأبى من أبى، وكل مواطن سوري يفخر بمواطنيته) باعتذار صريح وواضح عن “الإجماع” ذلك! وفي أضعف الإيمان، وهو مرجح في مثل هذه الحالات، أن تعتذر “سانا” لأنها نقلت خبرا غير صحيحا! أو تسحبه عن موقعها بصمت! هو مرجح لأننا لا نريد حتى أن نفكر بأن مجلس الشعب السوري يقر هذه الجريمة الكبرى.
أما بعد! فقد أكد “إعلان” السيد رئيس مجلس الشعب، أن القانون في سورية تمييزي، وأنه على عضوات مجلس الشعب أن يحزمن حقائبهن ويغادرن المجلس فورا، تطبيقا لتأكيد التحفظ على الفقرة الرابعة من المادة (15) من الاتفاقية، والتي تنص على: “تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”! فبما أن رئيس المجلس أكد أن ما يحق للرجل في هذا المجال لا يحق للمرأة، فما الذي تفعله في دمشق النساء في مجلس الشعب اللواتي يأتين من حلب؟ أو حمص؟ أو اللاذقية؟! وهل تأكد السيد رئيس المجلس، أو هل يجري بداية كل جلسة تفقد على أن كل عضوة من عضوات المجلس قد جلبت معها وثيقة تؤكد “موافقة” ولي أمرها على “حركتها” من مدينتها إلى دمشق لحضور الجلسات؟ أو للمبيت في الشقق المخصصة لأعضاء وعضوات مجلس الشعب؟! أو على سفرها إلى خارج سورية لحضور مؤتمر ما؟! وفي هذا احتمالين: إما أنه يجري تفقد عند بداية كل جلسة للتأكد من أن “الأضلاع القاصرة، ناقصة المواطنة والإنسانية” في مجلس الشعب قد حصلن على “إذن” ذكوري بتحركهن! أو أنه يجب أن يمنع السيد رئيس مجلس الشعب، ومن أجمع معه، انسجاماً مع “التأكيد”، دخول أي سيدة إلى قبة البرلمان بدون ذلك “الإذن”!
وحتى نكون صريحين، فإن الصورة جميلة فعلا، وتعبر عن “ديمقراطية” فذة، و”احترام” فذ لحقوق المواطنة في دولة تقول، ويقول مجلس شعبها ورئيس مجلس شعبها أنها دولة المواطنة حيث كل الناس متساوون أمام القانون! فما الذي نريده أكثر؟ من حق كل عضوة في مجلس الشعب حضور جلساته، ومناقشة القرارات المصيرية التي تمس حياة 20 مليون أنثى وذكر، و5 ملايين مواطن (فهم من يتبقى قيد المواطنة بعد حذف من حذفهم تأكيد السيد رئيس مجلس الشعب ومؤيديه، وحذف من هم تحت سن 18 سنة)، من حقها فعل ذلك إذا، (لاحظوا: إذا) حصلت على “إذن” من ولي أمرها!!
بل أكثر من ذلك، لا بد من قول الحقائق: كيف للسيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تقوم بعملها، و”تختلي” برجال في مكتبها، وتسافر على الطائرة وتتنقل من مدينة إلى أخرى بسيارتها الفارهة التي قد لا يتواجد فيها سواها مع السائق، دون إذن من “ولي أمرها”! وكيف للسيدة بثينة شعبان أن تفعل ذلك وهي لا تكاد تطأ قدمها بلدا ما حتى تغادره إلى بلد آخر؟ وللسيدة نجاح العطار التي تركت بصماتها البيضاء على الثقافة المعادية للظلامية طوال ربع قرن؟ ولمئات مديرات الأقسام والمهندسات والطبيبات و.. اللواتي يرسلن من قبل “الحكومة” لا تباع دورات اختصاصية في مجال عملهن؟!
وهذا يطرح سؤال آخر “إجرائي” 100 %: حين تحصل سيدة على “إذن” من ولي أمرها للتمتع “بحرية حركة الأشخاص”، هل هناك مدة معينة لصلاحية هذا الإذن؟ أو جهة معينة؟ مثلا: هل على “الإذن” أن يتضمن جهة التنقل، ومدتها، وتاريخها، وما يحدث فيها؟ وهل يمكن، مثلا، ان يعطي “ولي أمر” إذنا مفتوحا لـ”أنثاه” بدون قيود أو شروط؟ أم أن ذلك لن يكون مقبولا بصفته تحايلا على “التأكيد” على التحفظات!
بل، هذا التحفظ بالذات، يمنح الصلاحية لكل أب أو ابن أو أخ أو ذكر عائلة، أن يمنع ابنته أو أخته أو زوجته أو أمه من الدراسة أو العمل في مدينة أخرى، لأن في ذلك: “حرية تنقل وسكن”؟! ويحق لكل أب وأخ أن يقوم فورا، وبحماية “الإعلان” ذاك، والتحفظ ذاك، بإجبار شقيقته على ترك جامعتها للعودة إلى منزل ذويها؟ بل، بما أن حرية التنقل غير محددة بمسافة كيلومترية، فإنه يحق لهم منعها من الدراسة في التعليم الأساسي إذا لم تكن المدرسة ملاصقة تماما للبيت!!
وأيضا: إن “مجلس الشعب”، وفق التصريح أعلاه الذي نؤكد مرة ثالثة على شكنا به جملة وتفصيلا، يؤيد اغتصاب الأطفال والطفلات، عبر تأكيده على رفضه الفقرة الثانية من المادة (16)، التي تقول: “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزامياً”! فإذا كنت تقول برفض هذا النص، فأنت تقول: إن لخطوبة الطفل وزواجه أثر قانوني! أي أنه مقبول قانونا! وهذا يعني، بالعامية، يمكن للأطفال أن يخطبوا ويتزوجوا وينجبوا! وهذا يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الطفل، بل واتجارا بالبشر. لأن زواج الأطفال في سورية، كما في باقي دول العالم، وكما أثبتت العديد من التحقيقات والدراسات، ليس إلا بيعا للطفلات إلى عجائز بأنياب دامية وجيوب مليئة بأموال مشبوهة! ولأن علوم النفس والاجتماع والصحة أكدت، بما لا يقبل الشك، أن زواج الطفل هو مدمر لشخصية الطرفين! ولأن السيد رئيس مجلس الشعب، كما جل أعضائه، وأقولها بكل ثقة، لن يسمحوا لبناتهم بالزواج قبل سن 18 مهما كانت الظروف! بل حتى قبل إكمال تعليمهن الجامعي! لأنهم يعرفون حق المعرفة أن ما يطالبون به معاد للحياة نفسها، وهم يريدون لبناتهم الحياة كلها! لكن، طبعا، ليزوج فقير أمي في شارع لا يعرفه السيد رئيس المجلس، ولا من وافقه، ابنته من ثري خليجي جاء “يتصابى” على حساب طفلاتنا! فما الذي يعنيه من ذلك طالما أنه يدفع ضريبة “تصابيه”؟! وطالما أنه معزز بمن يدعي علمه بالدين، بينما كل ما يفعله هو استخدام الدين لتثبيت سلطاته الذكورية على العباد؟!
هذا بعض من دلالات “الإعلان” ذاك! الذي حشر حشرا في زاوية ميتة من موضوع قد لا يثير اهتمام أحد! ربما بظن منهم، وكل الظن إثم، أن الناس لا تقرأ. وبالتالي يمكن لمؤيدي القتل والعنف ضد المرأة، لمؤيدي شريعة الغاب أن يستندوا إلى هذه الجملة، في ترويجهم ثقافة العنف والقتل، دون أن تثير انتباه أحد! فإذا كان ذلك، فلعلكم عرفتم الآن أن في سورية “الحديثة” من يقرأ ويهتم. ومن يقول لكم: لا! بغض النظر عن صفاتكم وألقابكم. لا لانتهاككم حق المواطنة السورية الذي، بغيابه، لا تبقى دولة ولا مجلس لشعب ولا من يحزنون. بغيابه لا يبقى سوى قبيلة من الذكور الهمج الذين يفعلون ما يرونه مناسبا لذكورتهم! الذكور الذين يريدون أن تبقى “النساء” عبدات لنزواتهم ورغباتهم! أن تبقى خادمات لهم!
يبدو أنكم أخطأتم مرات بهذا الإعلان. فنحن نتهمكم بصراحة أن “الإجماع” غير متوفر. على عكس ما ادعيتموه. إذ هناك على الأقل عشرة أشخاص قدموا مشروعا قبل أيام يناقض بندا في هذه التحفظات. وهناك الكثير غيرهم قالوا أنهم يناقضون بندا أو أكثر غيرها. وجميعهم أعلن ذلك في وسائل الإعلام. فمن أين أتيتم بهذا “الإجماع”؟!
بل إن كل مواطن ومواطنة سورية يعرفون أن الإجماع يقضي حضور جميع أعضاء وعضوات المجلس، وهو ما لم يتوفر أبدا إلا في جلسات قسم رئيس الجمهورية!
إذا، وباختصار، إن مولودكم ميت! وردكم الباهت والمخجل والمعيب على “توصيات الملتقى الوطني حول جرائم الشرف”، يظهر بوضوح أن هذه التوصيات قد أصابت مقتلا من دعاة القتل والعنف! من الذين يريدون العودة بالمجتمع إلى “حارة كل من إيدو إلو”! “حارة الضبع” بحق! من الذين هم أشد من يسيء للأديان عبر ادعائهم أن الله فيها هو قاتل ومعنِّف ويميز بين مخلوقاته! بل حتى إنه يعطي “جنسا” منهم حق قتل “جنس” آخر لأنه تصرف بطريقة لا تعجبه!
وتأكدوا: لن نتوقف عن العمل من أجل بلدنا ومجتمعنا، من أجل بلد يفخر بمواطنية كل إنسان فيه، رجلا كان أو امرأة. من أجل مستقبل نتخلص فيه من كل ظلام الثقافة الذكورية وظلام سلطان القرون الوسطى الذي ينيخ بعضه علينا اليوم! قولوا ما تقولون. لكننا باقون نعمل من أجل أن تعيش بناتنا وأبناؤنا في مجتمع خال من العنف الهمجي والتمييز!
بل ونطمئنكم أكثر: إننا لن ندخر جهدا ولا نوفر طاقة لتحويل توصيات الملتقى الوطني حول جرائم الشرف إلى واقع قانوني ومؤسساتي وثقافي يوقف القتل الهمجي للنساء السوريات. ولن نتوقف أبدا قبل أن يزال من القوانين السورية كل تمييز ضد المرأة. ولن نتوانى عن تسمية الأشياء بأسمائها، والعمل بلا كلل ولا ملل من أجل مجتمع يصير فيه العنف والتمييز ضد المرأة القائم اليوم مجرد ذكرى، وتتمتع نسائه ورجاله بحقوق وواجبات متساوية، بحماية وتأييد متساو من القانون والدولة والمجتمع.
موقع نساء سورية