الغارة جزء من استراتيجية بوش للحرب السرية وستترك آثارا سلبية على علاقة العراق مع جيرانه
استهدفت ‘ابو غادية’ مسؤول الدعم اللوجيستي لـ ‘قاعدة’ العراق الذي عينه الزرقاوي وواصل العمل لمصلحة ‘ابو ايوب المصري’
لندن ـ االقدس العربي: تباينت ردود الافعال الغربية على الغارة الامريكية على قرية سورية قرب الحدود مع العراق بين محذر من مخاطر الضربة على السلام في المنطقة وباعتبارها سابقة خطيرة قامت فيها الولايات المتحدة بانتهاك سيادة بلد، وبين قائل انها رسالة تحذير لسورية بان تفعل اكثر لحماية حدودها مع العراق لمنع تهريب السلاح والمقاتلين لداخل العراق.
ورأت صحف بريطانيا التي خصصت افتتاحيات عن الموضوع ان الامريكيين ضربوا اولا ثم تحدثوا، وجاءت الضربة لتلقي بظلال قاتمة على زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للندن، وهي الزيارة التي اعتبرتها الاوساط السياسية جزءا من اعادة سورية للمحور الغربي بعد الاشارات التي برزت من دمشق من ناحية السلام مع اسرائيل وفتحها سفارة لبلادها في العراق وتنازلاتها بشأن لبنان، سفارة وترسيم حدود.
في اتجاه اخر اكدت الصحف الامريكية نقلا عن مسؤولين ان المستهدف في الغارة كان احد كبار منسقي عمليات القاعدة والدعم اللوجيستي لها ويدعى ابو غادية، حيث قامت القوات الخاصة باغتياله.
لكن سورية اكدت ان ضحايا الغارة هم من المدنيين. واكد مسؤولون امريكيون ان مقتل ابو غادية سيكون له اثر مزدوج على حركة تهريب المقاتلين الاجانب والسلاح لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. وتعتبر الغارة عملا غير مسبوق منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003.
وطالما اتهمت واشنطن سورية بعدم مراقبة حدودها مع العراق، مع ان الجنرال ديفيد بترايوس، القائد الجديد للقيادة الوسطى اثنى على الجهود السورية في مجال مراقبة حدودها ومنع تدفق المتطوعين للقتال ضد القوات الامريكية في العراق.
واعتبر محلل في صحيفة ‘الغارديان’ ان الغارات داخل حدود ذات السيادة على اراضيها استراتيجية ليست فاعلة لانها تفشل في التصدي للمشاكل الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تدعو للارهاب وفي العادة تترك اثارا سلبية على مواقف السكان وتثير حنقهم.
واكد المحلل ان معظم الانفاق الحكومي الامريكي موجه الان تجاه الانفاق العسكري والعمليات وليس اعادة الاعمار ولهذا السبب فان معظم سكان العالم العربي ‘يكرهوننا’.
ويرى الكاتب ان هذه العمليات صورة عن حروب المستقبل بدأت في الحدود الافغانية ـ الباكستانية وتشبه عمليات اسرائيل ضد حزب الله، وتركيا ضد المقاتلين الاكراد وكولومبيا ضد مقاتلي فارك، وهي حروب محددة من الصعب تحديد المنتصر فيها. فهي حروب ليست ضد دول ولن يتم الانتصار بها الا من خلال ربح الرأي العام او الكيليشيه المعروفة ‘حرب العقول والقلوب’. فالغارات هذه لن تفعل شيئا الا تأجيج غضب السكان على حكوماتهم ومن اجل الانتصار بها لا بد من حرمان الجماعات هذه من الدعم المحلي لها.
ويعتقد الكاتب ان عملية الاحد داخل الاراضي السورية لا تهدف الا للاشارة الى ان امريكا تقوم باتباع اجراءات قاسية لدفع دولة مثل سورية لعمل اكثر لحراسة حدودها. ولكن هذه الاستراتيجية لن تؤدي الا لخسارة الدعم القليل الذي تبقى لامريكا بين المسلمين. ويرى الكاتب ان الرئيس الامريكي القادم يجب ان يسقط هذه الاستراتيجية لمكافحة ‘الارهاب’ من كتابه.
وفي افتتاحيتها قالت ‘الغارديان’ ان تعليق المسؤول الامريكي ان سورية لا تقوم بعمل اللازم هو المشكلة. لان الانسحاب الامريكي من العراق يعتمد على تأمين حدوده مع جيرانه الذي لن يتم بدون تعاونهم ومن هنا فان الغارة تضر بالجهود الفرنسية والبريطانية لاخراج سورية من مظلة التأثير الايراني.
وتعتقد ان الهدفين قصير المدى وبعيده تضررا مثل توقيع الاتفاقية الامنية حول الوجود الامريكي في العراق.
وترى الصحيفة ان العراق لا سيادة له على اجوائه فعلى الرغم من تسلم الحكومة العراقية ملفات امنية في 12 محافظة الا ان القوات الامريكية تفعل ما يحلو لها وتضرب اينما شاءت دون ان يكون للحكومة العراقية اي دور او حتى علم.
وعلقت صحيفة ‘الاندبندنت’ ان العملية جاءت في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة العنف داخل العراق لادنى درجاتها حيث توسع امريكا حربها داخل الاراضي السورية.
وقالت ان الهدف كان ابو غادية وهو مواطن من الموصل كان مساعدا لزعيم القاعدة السابق ابو مصعب الزرقاوي واسمه بدران تركي هشام المزيدي من الموصل ويعتقد انه مسؤول عن خلية للقاعدة مهمة تقوم بتهريب المتطوعين الاجانب داخل العراق.
واشارت الصحيفة الى ان سورية اكدت اكثر من مرة ان مزاعم امريكا عن وجود ناشطين من القاعدة داخل اراضيها لم ترفق دائما بأدلة لكن مسؤولين عراقيين اكدوا لمراسلها ان وجود ناشطين للقاعدة لا يكون الا بموافقة الاجهزة الامنية.
وترى ان الغارة هي جزء من الحرب السرية التي صادق عليها الرئيس الامريكي جورج بوش، بداية هذا العام في الشرق الاوسط من لبنان الى افغانستان ورصد لها الكونغرس 300 مليون دولار.
واكد مسؤول كردي للصحيفة ان الغارة ستستخدم ضد الاتفاقية الامنية وستزيد من التدخل الايراني في الشؤون العراقية. وقال ان دول الجوار سيكون لها سبب الان للقلق حول الوجود الامريكي في العراق.
وفي افتتاحيتها التي عنونتها ‘غارة استفزازية خطيرة’ جاء فيها ان الصمت في العلاقات الدولية يمكن ان يكون معبرا، كما لو كان بيانا او تصريحا. والصمت الذي تبنته الادارة الامريكية في هذه الحالة يحكي القصة كلها. فواشنطن، كان لديها وقت كاف لنفي صلتها او حتى تجاهل الامر برمته، والاعلان عن فتح تحقيق، لكنها لم تختر ايا منهما. بل جاء من مصدر امريكي امتنع عن ذكر اسمه قائلا ان القوات الامريكية نجحت في تنفيذ غارة على مقاتلين اجانب يهددون القوات الامريكية في العراق. اما ميدان العلاقات العامة فقد ترك للسوريين، الذين استخدموه بقوة لمصلحتهم. وفي حالة تبين ان تلك الغارة عمل عقابي عابر للحدود، فسيعني انه تحذير لآخرين، وهو بهذا المعنى يعتبر تصعيدا خطيرا وغير مرغوب فيه، في وقت تتراجع فيه حدة الصراع المسلح داخل العراق.
وتضيف الصحيفة انه على الرغم من ان الحادث لن يفتح الباب او يكون ذريعة لحرب، الا ان التبعات الدبلوماسية له ستكون كبيرة جدا، واكبر من التحذير الامريكي المقصود لآخرين.
واكدت الصحيفة ان الولايات المتحدة تريد تعاونا وليس مواجهة في قضية الحدود العراقية السورية. مشيرة الى ان دمشق لاعب حيوي ومهم في تحقيق السلام في الشرق الاوسط، خصوصا وان دمشق تتفاوض حاليا مع اسرائيل بهذا الاتجاه.
وما حدث سيعني اكثر فأكثر ان اي تقدم في هاتين القضيتين سيكون مرهونا بالرئيس والادارة الامريكية الجديدة.
ورأت صحيفة انيويورك تايمزب ان توقيت العملية كان مثيرا للدهشة لانها جاءت بعد ان اثنت واشنطن على تعاون دمشق في حراسة حدودها. ولكن الغارة يمكن ان تفهم على انها جزء من استراتيجية اطلقت عليها واشنطن الدفاع عن النفس. كما قالت انها جزء من محاولة ادارة بوش في اشهرها الاخيرة البحث عن وسائل للضرب حتى خارج حدود العراق وافغانستان.
ابوغادية من مهرب بضائع الى مهرب متطوعين
ونقلت انيويورك تايمزبعن مسؤول قوله ان العملية تمت بأوامر من الاستخبارات المركزية الامريكية عندما تم تحديد مكان ابو غادية. ولا يعرف ان كان ابو غادية مات اثناء المعركة او عندما اعتقله الامريكيون. ويعتقد ان الناشط كان في اواخر العشرينيات من عمره.
وتشك القوات الامريكية انه قام في بداية هذا العام بهجوم غرب العراق على محطة شرطة ادى لمقتل 11 شرطيا كما زعم المسؤول.
وقالت الصحيفة ان الهجمات التي قامت بها القوات الخاصة في اليمن والصومال وباكستان وسورية لا تخضع لوصف قانوني مثل الحرب الوقائية بعد هجمات ايلول (سبتمبر) ولكن تحت تعريف قانوني وهو الدفاع عن النفس.
ويأتي ايضا من خطاب بوش امام الجمعية العامة في الشهر الماضي الذي تحدث فيه عن واجبات الدول ذات السيادة لحماية حدودها.
وقالت صحيفة ‘واشنطن بوست’ ان الغارة كانت بمثابة تحذير للحكومة السورية من اجل ان تتصدى للتهديد الارهابي من حديقتها الخلفية حسب مسؤول امريكي.
ونقل عن مسؤول عسكري اخر ان الغارة جاءت بعد ان نفد الصبر ‘لا تستطيع الانتظار حتى يأتي هؤلاء الرجال لداخل الحدود وقتل اعداد من العراقيين والاسوأ قتل رجالك’.
واشارت الى ان مداهمة عام 2007 لبيت في بلدة سنجار قرب الحدود السورية كشفت معلومات كثيرة عن الخلية التي تقوم بنقل المتطوعين. وتشير الوثيقة الى 500 متطوع دخلوا العراق عبر سورية واظهرت ان 95 منسقا سوريا كانوا مشاركين في عمليات ادخال المتطوعين عبر ما سمته القوات الامريكية طرق الفيران. ويوصف ابو غادية الرجل المركزي بانه ‘من اكثر قيادات القاعدة اهمية في تسهيل دخول المقاتلين الاجانب للقاعدة’ حسب ما وصفه المسؤولون الامريكيون.
وتنقل صحيفة ‘لوس انجليس تايمز’ عن مسؤولين ان ابو غادية جاء من عائلة مهربين ويبدو انه حول عمل العائلة من تهريب البضائع الى تهريب ‘الارهابيين والقنابل والاسلحة لداخل العراق’.
ونقلت عن مسؤول قوله ان ابو غادية تم تعيينه من قبل ابو مصعب الزرقاوي ليكون مسؤول الدعم اللوجيستي في سورية عام 2004.
وبعد مقتل الزرقاوي عام 2006 بدأ ابو غادية بالعمل لصالح القائد الجديد للقاعدة ابو ايوب المصري. وكان ابو غادية يوفر الوثائق المزورة، والبيوت والاموال للمتطوعين وتهيئتهم لدخول العراق.