حكاية زوربا .. وراعي الحوِّيش
خطيب بدلة
يعيش صديقي أبو عمر حياة بوهيمية عمادُها السهر والسفر والمرح والضحك والسخرية وانعدام العقد النفسية، ولهذا لقبناه “زوربا”.. نسبة إلى زوربا اليوناني الذي ابتدعته مخيلة الأديب العبقري نيكوس كازنتزاكي. وهو شديد الميل لمجالسة الناس الأوادم، ويؤثر الأدباء بالمحبة، وحينما يذكر اسم أديب متميز أمامه سرعان ما يفاخر بأن هذا الأديب هو صديقه الحميم.قال لي بمجرد ما جلسنا إلى الطاولة في مطعم النقابات المهنية بإدلب (الأورينت هاوس):- من زمان ما شفناك. ترى أنا أحب أن أراك ولكنني لا أعتب عليك، بالتأكيد وقتك ضيق.وقال لي: قرأت لك الزاوية الفلانية، والقصة العلانية، ووقعت تحت يدي مجموعتك القصصية الأخيرة (حب بعد الخمسين)، وقرأتها من الجلدة إلى الجلدة. سألته: كيف هي علاقتك بصديقنا المشترك القاص (محمود)؟ هل تلتقي به، وما أحواله؟قال لي: أنا أعرف أنك تحبه، وأنا أيضاً أحبه.. ولكنني زعلان منه.. ومع ذلك لم أعاتبه ولم أذكر له ذلك. هذه طبيعتي كما تعلم. لا أحب العتاب لأنه يؤدي إلى إحراج الشخص الذي تعاتبه.قلت: وما هي أسباب الزعل؟قال: هي قصة طريفة، أرويها لك إذا كنت ترغب.قلت: طبعاً أرغب. تفضل.قال: المرحوم والدي كان يمتلك قطعة أرض لا يساوي ثمنها- إذا حمي المزاد- ربع ليرة سورية، فهي صغيرة، وبائرة، وتربتها بيضاء، وملأى بالحجارة والأوساخ. ولأنها عديمة النفع فقد تركنا أنا وأخي “مالك” ملكيتها بيننا على الشيوع، ولم نسعَ قط إلى إفرازها وتقاسمها. وفجأة دخلت هذه الأرض في المخطط التنظيمي للبلدة، وأصبحت أرضاً صالحة للبناء، وإذا بسعرها يقفز فجأة ليصل إلى حوالي خمسة ملايين ليرة سورية!قلت: حلو. بشرفي إنك تستأهل أن تحصل على مليونين ونصف من دون تعب، فأنت كريم أو كما يقولون – كساب وهاب- وكل ما يدخل جيبك من نقود تصرفه من دون حساب.قال: أخي “مالك” مثلك، يعرف أنني لا أؤتمن على أية نقود، لذلك أجبرني على أن نقيم بثمن الأرض مشروعاً تجارياً هو عبارة عن مدجنة، ولأن من طبيعة مالك أنه يفكر على نحو تجاري فقد أقام حفل افتتاح للمدجنة دعا إليه معظم الوجوه الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة. وطلب مني أن أتصل بصديقي القاص محمود وأرجوه أن يكتب لنا كلمة أدبية يلقيها في الافتتاح. قلت: واتصلت به؟قال: بل ذهبت إليه بنفسي، وعرضت عليه الفكرة، ففاجأني بعبارة مؤلمة ما تزال تطن في أذني منذ ذلك اللقاء.قلت: ما هي؟قال: تصور، صديقنا الحبيب محمود الذي أفخر بصداقتي معه يقول لي إن هذا المال الذي نفتتح به هذه المدجنة إنما هو مال “مافيات” وما حكاية الأرض التي خلفها لنا الوالد سوى “برداية” أردنا أن نغطي بها على حقيقتنا المشبوهة!استغربت هذا الكلام إلى أبعد الحدود وسألت صديقي زوربا:- وأنت، بماذا أجبته؟قال: حكيت له عن راع كان يعيش في بلدتنا قبل نحو عشرين سنة، اسمه “حسينو” وكان يُعْرَفُ بلقب “راعي الحويش”، لأنه كان يدور في الصباح على بيوت القرية ويأخذ من كل بيت غنمتين أو خروفين أو خروفاً وجدياً وسخلتين، ويخرج بهن إلى ظاهر البلدة، يرعاهن مما يتيسر ويعود في المساء ليوزعهن على البيوت. وكان رجلاً شبه أجدب، لا يعرف الخمسة من الطمسة، وطوال حياته لم يتعلم شيئاً غير رعي الحويش.ذات مرة التقاه شخص تربطه به صداقة حميمة، يعني مثل حالتنا أنا وأنت، وطلب منه أن يمر به في الصباح ويأخذ معه السخلة التي اشتراها من البازار قبل يومين.قطب راعي الحويش حاجبيه واتخذ صيغة التفكير العميق وقال لصديقه:- آسف. مو خرج. أنا مستعد أن أخدمك بأي شيء تطلبه مني غير هذا الموضوع. تصنع صديقه منتهى الجد وقال له:- طيب يا حسينو،.. سأعفيك من رعي السخلة، وسأطلب منك شيئاً آخر. اسمع: إن الولايات المتحدة الأميركية تلعب دوراً كبيراً في تلويث البيئة على سطح الكرة الأرضية، وذلك بتجاربها النووية، ومخلفاتها الصناعية، والأدخنة التي تنتج عن القنابل الفتاكة التي تلقيها على رؤوس الشعوب العزلاء،.. وأنا قررت أن أرفع دعوى ضدها لدى الهيئات والمحاكم الدولية، وأنا أعرف أن كلمتك مسموعة هناك،.. وأريد دعمك
الرأي