الليلة الأطول انتظاراً!
فلورنس غزلان
إلى معتقلي إعلان دمشق في محاكمتهم اليوم
أنتظر الوقت، أنتظر دخوله حيز حياتي..أنتظره يحمل الفرح ويزيل الوهم من وحشة الانتظار…
أو يطرد جداراً من الألم يصد كل الأحياء، ويقف بوجه النوم جاعلا من ليلي جداول من صراخ تحاصرني وتنحصر في …أستغيث ببقعة ضوء تمر أمام نافذتي… بصوت يغسل الخوف ويجعل لغة الانتظار دون رتابة أو أشبه بالجنون والاحتضار ..
كم من الساعات تفصلني عن الغد؟…كم من الساعات يقيسها المقيدون خلف القضبان؟…
كم من الاحتمالات يعالجونها ..وكم من الأسئلة والأجوبة تدور في فلك العيون دون أن تخرج مرطبة بصولات اللسان..
كم من الخرائط والدوائر والحوارت تُستنبط أو تُهيأ وتُعد؟.
أعيش معكم لغم الغد ولُغم الليل.
أحترق تحت معطف الليل ثم أعيده ثلجي الملامح …أو مائي العيون…أفتحها نحو السماء علي أحظى بنجم منسي في شتاء باريس ، فيرضى أن يكون رسولي… يحمل لكم إشارة السر بكلمات تضيق بها الصفحات ويختنق بها صدري…
أُشهر قلمي كسكين في وجه الغموض وأُخرج غضب وعنف الضغينة، التي يعرفها التاريخ…وأحاول يوما أن أفك رموزها أو أحسن قراءتها…علها تفلح بولادة وقت مختلف يُخرج الأسماء المرهونة للعلن…يُخرج الصواعق ويحرف مسار الشمس ، يلون الفضاء ويجرف تربة لم تعرف سوى الجفاف بعد أن نسيتها الفصول.
يا وطني المتواطيء مع الوجوم…
يا وطني النائم رغم اكتظاظ الغيوم …وانطفاء الورد في جفون الحدائق…
يا وطني الجائع لكل ما تذوقه الشعوب ..يا وطني ما أوسع زنزانتك وما أضن ضحكتك
وما أصعب عشقك .
هاكم تقفون حيث تضحك الأرض تحت أقدامكم…ويرفع الحرف لغة الخوف معلنا عمن يحمل قيمته
“لا تهنوا، ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون” فعيونكم تنطق بالوعد ولسانكم يفضح المؤامرة.
لن أبكي… اليوم أعلنت الوقوف فوق جثة القيد وفوق حزني…أعلنت الوقوف معكم ، فالمسافة أقرب من حبل الوريد…
ازرعوا الألغام من كلمات تشق الفضاء، وتعلن العشق المُحَّرم ثورة زاحفة تطلق شذا الخبز المسروق والدم المسفوح رخيصا فوق تراب ينتفض من مرضه الطويل….فقد قرر اليوم أن يفارق الموت ويلتحق بالحياة الحلم..
لقد اكتفيت… النار تشتعل في جوانحي وتغلق مسارب الهواء ومنافذ اللغة ..
أحمل نعشي وآتيكم في عاصمة العار الثقافي، وخارطة العويل الممزوج بدماء الطفولة وماء الشباب
تغطي عاصمتنا اليوم رأسها، وتدفن أحداقها لأنها المغدورة والضحية بين عواصم الأرض، لأنها المؤودة علانية… بعد أن كانت نجمة الكواكب السيارة والمخفية، فقد حولوها بقدرة اليافطات وقدرة الخطابات من عاصمة الحلم العربي لعاصمة الطوفان القبلي..
ظلت نقطة وحيدة عجزوا عن الغوص في أعماقها…عصية على ملاعبهم…..
ظلت لغتكم…ظلت وقفتكم …أكبر من مهرجاناتهم وأقوى من أقفالهم وحصونهم….الرقم الصعب في حساباتهم أنتم…وأنتم ومثلكم…
وقوفا يا عالم وقوفا يا بني البشر….فأعمدة تدمر وأقواس بصرى تشهد عرساً جديدا اليوم في تاريخ الشام غسانيون وأمويون لم يخذلوا الفيحاء، ولم يخذلوا أبواب السماء وأنوار الشهباء…..
قامات فارعة تحتفي اليوم بعنفوانها…تحتفي اليوم بطقس صار وشماً محفورا على أبواب الشآم وأغصان الغوطة…صاروا وشماً … صاروا لغزا.
لن يستطع مجلس القضاة أن يغفل أسئلته، ولن يستطع أن يقول صريح عبارته…لن يغلق الأرض ولا أبواب الفضاء…فقد شَلَّت صيحتكم لسان الإفك ودعاة الوهم عن النطق بحروفها المصقولة لقتل أحفاد الأنبياء .
معكم في كل لحظة …يا ورود الوطن ويا بنفسج العقل ويا نور الحق….
معكم في دروبكم الملغومة…ومدنكم النائمة…
نهز سرير الله …ونسأله أن يقف اليوم في محطة الحق وعدل الحرية.
إلى الواقفين أمام القضاء اليوم من أجل حريتنا…إلى معتقلي إعلان دمشق
ــ باريس 29/10/2008
خاص – صفحات سورية –