السياسة لنا وحدنا
حازم صاغيّة
ما يخفّف الفرح بإفراج محكمة النقض السوريّة عن ميشيل كيلو ومحمود عيسى، أن 12 ناشطاً ومثقّفاً من موقّعي «إعلان دمشق للتغيير الوطنيّ الديموقراطيّ» صدرت بحقّهم، قبل أيّام، أحكام بالسجن. فهؤلاء الذين استحقّ واحدهم سنتين ونصف السنة في عتمة الزنازين، متّهمون بـ «إضعاف الشعور القوميّ» و «نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسيّة الأمّة» و «إيقاظ النعرات العصبيّة والمذهبيّة». وقبلهم، كان كيلو وعيسى قد دخلا السجن لأسباب ليست أكثر وضوحاً ولا أقلّ تجهيلاً، ولم يشفع لرمز ككيلو تاريخ في الدفاع عن أفكار يقول النظام إنّها أفكاره، فضلاً عن إجماع واسع على نزاهته وتماسكه الشخصيّ والأخلاقيّ.
هكذا تتحوّل سوريّة بيتاً كبيراً للألغاز. لا أحد يعرف ما الذي يجري، ولا أحد يستطيع أصلاً أن يعرف. يصحّ هذا في اغتيال عماد مغنيّة هناك، كما في ضرب منشأة دير الزور، أو اغتيال العميد محمّد سليمان، أو غير ذلك. وعملاً بالرواية الرسميّة السوريّة لا نفهم عن الضربة العسكريّة الأميركيّة الأخيرة أكثر مما نفهم عن توسيع الحشود على الحدود مع لبنان، أو المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل برعاية تركيا، أو حدود الانفتاح على الخارج الفرنسيّ وحدود انفتاح الخارج المذكور على سوريّة، أو العمليّات الإرهابيّة التي تعرّضت لها دمشق أخيراً.
فالسريّة هي الثقافة التي تحكم سوريّة منذ 1963، تاريخ وصول البعث إلى السلطة، ومذّاك تتعاظم وطأتها وتكبر رقعتها. ذاك أن السياسة «لنا وحدنا»، أي لأهل السلطة والنظام، فيما السوى ضيوف يُستحسَن ألاّ يكونوا ثقلاء أو متطفّلين.
وإذا كان أحد التعريفات المثلى للديموقراطيّة أنّها تُحلّ المساواة في الحصول على المعلومات، فهنا تتساوى أشطار المجتمع في عدم الحصول عليها. وإذا كانت الديموقراطيّة، في تعريف آخر، انبثاق القرار السياسيّ من الإرادة الشعبيّة، وتعبيره عنها، فهنا ينبثق القرار من انعدام الإرادة الشعبيّة (والأدعى للبؤس أن أحداً، ما خلا أولئك المساجين، يطالب بها بصفتها هذه).
لكنّ القانون، كلّ قانون، يعاقب على حجب المعلومات حين ينجم عن حجب كهذا ضرر خاصّ أو عامّ. وفي الحال التي نحن في صددها يرتّب حجب المعلومات عن المجتمع السوريّ أضراراً تقع العين عليها كيفما نظرت. آثار ذلك يظهرها الاقتصاد والتعليم، ولكنْ أيضاً أحداث من النوع الذي شهدته دير الزور ومن بعدها القامشلي وغيرهما.
وبعيداً من التزويق اللفظيّ، ربّما كانت جريمة ميشيل كيلو ومحمود عيسى والإثني عشر محكوماً أنهم أرادوا كسر ثقافة الصمت، مطالبين بحقّهم، وحقّ سائر المجتمع، في المعرفة، وتالياً في شيء، ولو ضئيل، من السياسة. وأغلب الظنّ أن هذا هو المعنى الفعليّ لعبارات بلا معنى، كـ «إضعاف الشعور القوميّ» و «نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسيّة الأمّة» و «إيقاظ النعرات العصبيّة والمذهبيّة».
الحياة