جورج شحادة «السابح بحب وحيد»… بين خالد النجار وأدونيس
نجوان درويش
«قبل النوم/ كانت أخوات أمي/ يتكلمن بأصواتٍ منخفضةٍ إلى حدّ/ يصير فيه كل شيء ظلاًّ/ الوجوه والأصوات/ وساعة الجدار في صندوقها/ التي لم يعد لها رنين/ كان يكفي إشعال عود ثقاب/ حتى نلمح/ خالاتي جاثيات على ركبهنّ/ في قطرة من ذهب».
في «السابح بحب وحيد» الكتاب الشعري الأخير لجورج شحادة (1907ـــــ 1989) الذي عرّبه الشاعر خالد النجار (دار التوباد ـــــ تونس، 2006)، يمكن القارئ الملمّ بالفرنسية أن يقارن هذا المقطع من ترجمة النجار مع نصّ الشاعر باللغة الفرنسية في الصفحة المقابلة. هنا، تغدو القراءة موازنة بين نصّين، وترجيحاً لترجمة مقطع واختلافاً مع ترجمة آخر؛ في اشتباك هو في المحصلة لمصلحة الترجمة ولمصلحة قراءة الشعر. ويمكن أن نذهب أبعد في لعبة الموازنات، بمقارنة نص النجار مع ترجمة أخرى للقصائد نفسها صدرت بعدها بوقت قريب، وهي ترجمة أدونيس لأعمال جورج شحادة الشعرية («كتاب في جريدة»، العدد 100، كانون الأول/ ديسمبر 2006) وتضمنت في متنها القصائد التي يقدمها النجار في هذا
الكتاب.
على سبيل المثال، المقطع أعلاه الذي ينتهي بـ«خالاتي جاثيات على ركبهنّ/ في قطرة من ذهب» وهي ترجمة أقرب لحرفية النص الفرنسي؛ يصبح في ترجمة أدونيس «عماتي الجاثيات/ في دارة من الذهب». يجعل أدونيس من كلمة goutte ـــــ التي تعني بالفرنسية نقطة أو قطرة ـــــ دارةً. والخالات أصبحن عمّات في ترجمته، كذلك تحول الحصان في المقابل إلى فرس في ترجمة النجار. هنا يبرز ـــــ إضافة إلى الذوق الشعري ــــــ التكوين النفسي للمترجم. حتى عنوان القصائد Le Nageur d’un seul amour يصبح عند أدونيس «سابح الحب المفرد» بما يعيد إلى الذهن إيقاع عنوانه الأشهر «مفرد بصيغة الجمع».
أدونيس الذي لا ينسى أبداً حين يترجم أنّه شاعر، يتجاسر على لغة النص الأصلي، خصوصاً في بناء الجملة الشعرية، حيث يمنحها بناء أقرب إلى بناء الجملة العربية، وبناء جملة أدونيس نفسه. فيما يبدو النجار أكثر وفاء لبنية الجملة الشعرية الخاصة بجورج شحادة وللجملة الفرنسية عموماً. وربما لهذا الأمر علاقة بطبيعة الكتاب الذي يضم هذه الترجمة، من حيث كونه ثنائي اللغة، ومتاحاً لقارئ يطالع الترجمة والأصل في صفحة واحدة. فالقارئ الملمّ بالفرنسية يمكنه أن يعود إلى النص الأصلي في طرفة عين، من دون أن يقلب الصفحة… وأن يبحث عن ممكنات جديدة وصياغات توافق ذوقه أكثر. ويمكنه أيضاً أن يقترح ترجمته الخاصة. هنا تصير الترجمة اقتراحاً والقارئ شريكاً في الترجمة أيضاً. وله أن يقرأ النص الأصلي بلغته وأن يستعين بالترجمة العربية فقط حين يحتاج إليها. هذه الحرية في القراءة من أهم مزايا كتب الترجمات الشعرية التي تثبت الأصل الشعري بجانب الترجمة، والتي هي للأسف نادرة في المكتبة العربية.
يقدم خالد النجار مشروعاً نوعياً في ترجمة الشعر، مع اعتناء بتفاصيل أساسية مثل المستوى المتقدم للإخراج الفني للكتب، والحصول على الحقوق من ناشري الكتب… تلك الحقوق التي لا يحترمها الناشرون العرب كثيراً! حتى الآن، قدّم النجار ضمن «سلسلة القصيدة»، ترجمات شعرية ثنائية اللغة لأعمال من لوران غسبار، وإتيل عدنان، وميشال بوتور، وسان ـــــ جون بيرس، وهنري ميشو، وليوبولد سنغور، وبرنار نويل، وجامس ساكري، واني سالاجي…. إضافة إلى «سلسلة المتون» التي تصدر أيضاً عن «التوباد»، والتي قدمت حتى الآن ترجمات لجون ماري لوكليزو، وآلان نادو، وإيف مزيار. ونستنح الفرصة لتوجيه تحبية إلى هذا المثقف والكاتب المميّز الذي اعتدى عليه «مجهولون» بالضرب في تونس…، لأسباب لها علاقة على الارجح بحريّة التعبير!
عدد الجمعة ٢١ أيلول ٢٠٠٧
http://www.al-akhbar.com/ar/node/47671