صفحات ثقافية

طريق المطار

null


فادي عزام

كان يكفي أن يأتي المساء لنعرف أن رحلتنا انتهت

أفرغنا مؤونتنا من القصائد و قناني النبيذ والشتائم

عند منعطف الأسف مضينا بلا حكة في الضمير

ولا أمل مغرور بغد أفضل.

مشينا فقط

خفيفين كأوراق في (مهب خريف) سخيف

مدججين بكل الأوان المناسب للرحيل

ثلةٌ من الرفاق، نتقاسم ..

من التبغ قطنته

ومن الشغف فتنته

ومن البقاء ألفته ورشوته

وبقايا دخان الخسائر الطازجة تطير علي عواهنها

ومضينا إلي حيث لا أحد يعبأ بالمارين سريعا

والمشّائين والحزاني ومشاريع الشعراء أو القادمين من جهة المجازر الصامتة.

تركنا آدم حاتم (1) في مقهي الروضة يستقبل الوافدين من أرض الرافدين بآلامه الباذخة، ولحقنا زوغان نظراته وحُروقه المشوية في فرن الوطن.

تركنا منعطفا كاملا، في آخره من ينتظرنا لنجلب عدّة السهرة ونغني دون هوادة

وسلكنا طريق المطار باستقامة العابد.

تركنا كل الحقائب دون توضيب والأبواب دون تسكير والحكايات دون تتمات واضحة ..

لأننا نود أن نعود يوما ونكمل كل شيء

دفعة واحدة

أو دفقة طائشة

تركنا دمشق تشلع أزرار قمصاننا، وتخلع أكتافنا وتركلنا بمهارة الحبيبة الخائنة.

وتعطينا بوصلة معطوبة لا تشير إلا لقاسيون.

تركنا البلاد والحبيبات والهواء والظلال

ومضينا

كان همنا أن ننجو من الموت ضجرا.

بلا أمل نروج له

بلا أعداء لنعقد معهم سلاما سافلا.

ولا آثام واضحة

فقط مضينا في عبور ضيق بين أسفين

فلا الغربة قبلت حضورنا

ولا دمشق سمعت كم مرة اعتذرنا من حليبها.

أعطينا ما لله للآخرين وأبقينا ما لقيصر معنا

غدرتنا الوصايا كما يليق بعشاق أدمنوا الخسارة

كان علينا أن نكتب نصوصا عن الحداثة، كيما يقرؤنا المحشوون في أنفاق اتحاد الكتاب ويجدوا من يشتمونه.

كان علينا أن نبيض و نربخ ونبقبق ، كي نقنع السادة أننا مدجنون كان علينا أن نلعن من ماتوا منا وهم يغنون إنّنا علي الدرب لسالكون

كان علينا أن نحب وجه يوشع بن نون وهو يمرغ جسد أريحا في روث فرسانه كي يقول العالم عنا إننا مسالمون، كان علينا أن نختار بين فصيلين، واحد ملتح وآخر مرتش وننسي الوطن.

كان علينا أن نغسل أقدام مغتصبينا ونترك الدماء علي الملاءة وندعو الله أن ينتقم من أعداء الوطن.

كان علينا أن ندوس رقاب الأقرباء والأوفياء والشهداء وكل قصائد الشعراء الذين تغنوا بالوطن وماتوا من الشجن.

كان علينا أن نطيق الصفيق ونتقن التصفيق والصفير والزعيق لكل من أودي بنا بلا وطن.

كان علينا أن نكون ما نحن به هاربين، ضالين، هائمين، منسيين، خائبين خائفين، طاعنين في الغياب حين يحضر وجه النذل ويغيب الوطن.

كان علينا أن نستل ما تبقي من حكايات الجسد و سروات الصباح وجلخ النهايات علي برداخ القلب ونراقب خراب الدورة الدموية (2) في جسد الوطن.

كان علينا أن ننجز الحياة قسرا، ونقطعها رَمْحا ونفارقها ظلالا ونكتفي بشم حفلات الشواء علي جسد الوطن.

كان علينا أن لا نكون في كل شيء إلا بالمسيرات والإحصاءات والمزادات التي تبيع الوطن

كان علينا أن نشتم الوطن ليحبنا الغرب ولنجد مكانا نتكاثر فيه بصمت الخراف أو نؤمن بحكمة الجزار لمّا يضحي بنا في الأعياد والحروب والساحات حين يجن الوطن.

كان علينا الكثير أن نفعله

ولم

أن نسأله ولم ..

أن نقتله ولم ..

ان نكتبه ولم

أن نغيِّره

أن نلمَّه

أن ندفنه ….

أن ننساه ولم ….

كان علينا أن نرقص في عرس الدم ولم….

لأننا مضينا غير عابئين بالوطن

لنتقن الفتك بحياتنا خارجه ونخرجه من خارطة الجهات ونحن نسكر دون هوادة ونغني بصوت مخنوق مشروخ ممطوط، من صميم القلب المعطوب

سوريا يا حبيبتي…. أعدت لي ….

———————————————-

فادي عزام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى