بين أقوال أوباما وأفعال بوش
سعد محيو
التقرير الذي نشرته “نيويورك تايمز” قبل يومين عن 12 عملية تدخل عسكري أمريكي سرية في العديد من الدول العدوّة للولايات المتحدة (كسوريا) كما الصديقة لها (باكستان)، خطير بما فيه الكفاية.
فهو، أولاً، يكشف المدى العسكري- الأمني الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، من دون العودة إلى الأمم المتحدة أو أي هيئة أخرى من هيئات الشرعية الدولية.
وهو، ثانياً، يوضح المدى الذي تهاوى فيه أهم مبدأ من المبادئ التي استند إليها القانون الدولي منذ معاهدة وستفاليا العام 1648: سيادة الدول على أراضيها.
ثم إن هذه العمليات، أخيراً، تبيّن اللبوس الامبراطوري الفاقع الذي باتت ترتديه السياسة الخارجية الأمريكية ليس منذ 11 سبتمبر/أيلول ،2001 بل منذ انهيار نظام الثنائية القطبية مع سقوط الاتحاد السوفييتي العام 1991.
المسألة، إذاً، خطيرة للغاية. لكن ثمة ما هو أخطر: هذه التوجهات العنيفة لا يبدو أنها قصر على إدارة بوش المحافظة والمغامرة، بل هي السياسة الرسمية المقرّة من قبل كل المؤسسة الأمريكية بكل فروعها العسكرية والسياسية وتلاوينها الحزبية. وهذا يعني أنها قد تكون أيضاً سياسة الرئيس أوباما كما كانت سياسة الرئيس بوش. قد تتغير تبريرات التدخل بين كلتا الإدارتين، لكن التدخل سيكون متشابهاً أو حتى واحداً.
لابل أكثر: أوباما قد يذهب في نزعة التدخل إلى أبعد من بوش متذرعاً بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والقيم السامية. وهو، على أي حال، أقر حتى قبل تسنمه مقاليد الأمور استراتيجية عليا كان وضعها الرئيس بوش العام 2004 وأسس بموجبها ما أطلق عليه اسم “مكتب التنسيق لإعادة البناء والاستقرار” الذي أنيطت به مهمة وضع خطط “ما بعد النزاع” في 25 دولة تعيش هذه الأيام حال نزاع.
هذا التطور يعني أن إدارة أوباما ستستكمل ما قامت به إدارة بوش من حيث تشكيل فرق التدخل السريع التي يجب أن تكون جاهزة للاشتراك في خطط الحرب وما بعدها في “الدول الفاشلة”. وتتكون هذه الفرق ليس فقط من العسكر بل كذلك من شركات خاصة، ومنظمات غير حكومية، وأعضاء في مراكز أبحاث. بعض هذه الفرق لديها عقود لإعادة بناء الدول التي لم تتحطم بعد، وهي تعمل في مكاتب في وزارة الخارجية الأمريكية ورسم الخطط لتغيير “النسيج الاجتماعي في الدول المعنية”. وهذا يعني أن هدف مكتب التنسيق ليس إعادة بناء الدول القديمة بل تمزيقها شر تمزيق.
وتعلق مجلة “ناشن” الأمريكية على هذا التطور بالقول: “يقال لنا في واشنطن الآن ان الاستعمار الذي كان يتخيّل دوماً إقامة دول طوباوية في المناطق المفتوحة حديثاً قد مات. لكن في المقابل هناك العديد من الدول المدمّرة إما بفعل الإرادة الإلهية أو بفعل إرادة واشنطن. وحيث هناك دمار، هناك إعادة إعمار”!.
نعود الآن إلى تقرير “نيويورك تايمز” لنتساءل: هل سيمر هذا التدخل الأمريكي السافر من دون مواقف حاسمة من الأسرة الدولية من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها في مجال القانون الدولي؟
إبان عهد بوش لم يكن هذا السؤال وارداً، لأن عصبة المحافظين الجدد التي كان بوش يقودها (أو هي تقوده) كانت تزدري جهاراً الشرعية الدولية وتحتقر نهاراً الأمم المتحدة. بيد أن إدارة أوباما تدّعي أنها لاتكنّ لا ازدراءً ولا احتقاراً لكل المؤسستين.
فليحاسبها العالم، إذاً، على أقوالها.. قبل أن تكرر أفعال بوش!
الخليج