الدراما السورية بين التسلية والسياحية
ميشال شماس
المتتبع للدراما العربية عموماً والسورية خصوصاً التي عرضت خلال شهر رمضان الفائت، سوف يكتشف أن أغلبها مازال بعيداً كل البعد عن رصد المتغيرات التي تحدث في المجتمع السوري وسواه من المجتمعات العربية،بعد أن غلب عليها الطابع الاستهلاكي والتسلية والترويج السياحي، أما تلك المتغيرات فبقيت تنتظر من يتلفت إليها ويرصدها ويهتم بها من خلال طرح ما يستحق فعلاً للمعالجة.
فرغم وفرة الإنتاج الدرامي السوري الذي قارب الثلاثين عملاً درامياً عرضت جميعها في شهر رمضان،-باستثناء أربعة أو خمسة أعمال يأتي في مقدمها بقعة ضوء ورياح الخماسين وليس سراباً- إلا أنه وبكل أسف فإن أغلب بقية تلك الأعمال قد دارت حول مواضيع هامشية أو خيالية رومانسية مفتعلة وبعيدة عن هموم المواطن. كما في مسلسل أهل الراية وباب الحارة في أجزائه الثلاثة على سبيل المثال الذي أهمل بشكل متعمد كافة الصور المضيئة للنهضة الثقافية العربية التي شكل المثقفون والأدباء السوريين ركناً أساسياً في انطلاقتها منذ بداية القرن العشرين ومع اندحار الاستعمار العثماني عن بلادنا وحتى في زمن الاحتلال الفرنسي وبدايات الاستقلال الوطني.
لقد اختصر مسلسل باب الحارة – الحائز على أعلى نسبة من المشاهدين السوريين والعرب- حياة السوريين في تلك الفترة التي كانت تعج بالمدارس والكتاب، بتصوير ثرثرة النساء المليئة بالسواد، وعنتريات الذكور وشواربهم المفتولة وأصواتهم الممطوطة مطاً، وكأن أحداث هذا المسلسل تدور في بقعة منسية من تاريخنا لم تعش في لا في زمن الاحتلال العثماني ولا في زمن الاحتلال الفرنسي التي مر عليها المسلسل مروراً خجولاً، وكأن النهضة الثقافية التي عاشتها سوريا في تلك المرحلة لم تسمع بها تلك الحارة فلا أحزاب أو جمعيات أوصالونات أدبية وثقافية، ولا صحف ولا مجلات ولا كتب ولا كتاب ولا هواتف و لا من يحزنون، فالحركة الوحيدة التي لمسناها في المسلسل هي مؤامرات “أبوغالب ، والست فريال” وعنترية “معتز” المبالغ فيها كثيراً، إضافة إلى متابعة الأنثى “لتاج رأسها أبن عمها الذكر” الذي لا يكف عن ملاحقته لها…
المشكلة ليست في مسلسل باب الحارة،ولا في مسلسل أهل الراية، بل المشكلة هي في انحسار الأعمال الدرامية المعاصرة الجيدة التي تعالج القضايا الراهنة ضمن إطار مفهوم الدولة الحديثة، لصالح الأعمال البدوية والشامية والحلبية والسواحلية والخليجية وربما في رمضان القادم سوف نشاهد مسلسلات حمصية وحوارنية وديرية..الخ، والتي تطرح مجموعة من القيم تبسط المجتمع وتهمش واقعه بعيداً عن مفهوم الدولة الحديثة ، وقريباً جداً من القبلية والعصبية، وهذا ليس بمستغرب بعد أن أصبحت الدراما السورية في السنوات الأخيرة أسيرة المال النفطي الذي أخذ يتحكم في مسارها الدرامي، وإلا ماذا يعني قيام أمير خليجي منذ سنوات بتوزيع آلاف الدولارات على عدد من الفنانين المعروفين لمجرد أنهم قبلوا دعوته لحضور سهرة في قصره وبالدشداشة والعقال؟
ومع ذلك ما زلت أعتقد أن المميزات التي دفعت الدراما السورية إلى الواجهة عربياً مازالت موجودة فيها، بالرغم من أن نسبة الأعمال الدرامية السورية الجيدة لهذا العام لم تتجاوز ربع الأعمال المعروضة الآن، والباقي من تلك الأعمال تغوص في واقع افتراضي وغلب عليها الطابع التجاري، لم تصل إلى مستوى طموح المشاهد السوري وحتى لم تصل إلى مستوى طموح فنانينا ومثقفينا، الذين يمتلكون القدرة والمقدرة الفنية على صناعة دراما سورية تحاكي الواقع السوري المعاصر سياسياً واجتماعيا واقتصاديا وثقافياً..الخ، وبكل سلبياته وإيجابياته، ومعالجته بروح درامية نقدية هادفة بعيداً الطربوش والعقال، وضمن إطار مفهوم سورية كدولة حديثة. ويبقى الأمل معلّقاً بالمال الوطني وبوجود فضائيات سورية مستقلة فعلاً خاصة أو متخصّصة ترعى الأعمال الدرامية السورية.