صفحات الناس

سياحة جنسية وتواطؤ إعلامي!

null
رهادة عبدوش
مع اقتراب فصل الصيف وموسم السياحة تتجمل وتتهيأ المدن والقرى السورية لاستقبال الوافدين إليها من مختلف أنحاء العالم ومعها يتجمّل الإعلام، وهذا منطق طبيعي لتشجيع السياحة بالرغم من أنه يحتاج الكثير للوصول إلى ما وصلت إليه البلدان المجاورة على الأقل من إعلام سياحي ودعايات وإعلانات،
لكن إعلامنا السياحي يتفرد بجزء من تجمله بتواطئه مع نوع من السياحة تنتشر بأوسع أشكالها في أرياف دمشق الشمالية الشرقية وبعض القرى السورية تسمى بتحفظ (السياحة الجنسية) والتي ومنذ سنوات باتت الأكثر انتشارا تحت صيغ وعناوين مختلفة أغلبها الزواج السياحي حيث تستعد القرى ومع بداية أشهر الصيف بإعداد بيوتها لاستقبال السياح العرب من خليجيين وسعوديين وغيرهم فتتغير معالمها وتنفرج أساريرها لاستقبال ضيوف ينعشون المنطقة وأهلها ماديا من مطاعم ومنتزهات وبيوت وفلل باتت أكثر ما تعرفه ما يهواه هذا السائح العربي فأضحت ملاذا لا غنى عنه للجانبين، من أهل المنطقة الذين بات اعتمادهم الأكبر أو الوحيد في بعض الأحيان على تلك الأشهر السياحية القليلة لتغطي نفقات سنة بأكملها ومن السيّاح الذين يرون في فتيات المنطقة ونسائها فسحة للتسلية واللهو تحت غطاء الزواج الشرعي لكنه في حقيقته زواجا يسمى بجدارة زواج سياحي وإذا أردنا إزالة التجمّل للكلمات فهو بجدارة أيضا سياحة جنسية!!
فبات من المعروف أن يأتي ذلك السائح ليتزوج إحدى الفتيات التي يختارها برفقة الدلالة وبشروط معينة أهمها العمر الذي لا يتجاوز الثامنة عشر فأغلب الفتيات تتزوجن بعمر الخامسة عشر والسادسة عشر تحت علم الجميع وأولهم الشيخ الذي يعقد القران متجاوزا بذلك القانون بحجة أن أجسامهم مكتلمة، وهذا غيض من فيض مما يجري في حقيقة الأمر فمن خلال الواقع وبعض الحالات التي وصلت إلى العلن ظهرت حقائق مزرية فهنالك زواج بالحقيقة سياحي كعقود الآجار السياحية تماما فتتم الزيجة على أساس ضمني أن هذا الزواج سينتهي مع انتهاء فصل الصيف وعودة السائح إلى بلده مخلفا وراءه مشاكل لا تنتهي ليس آخرها الطفل الذي يعاني من نكران الأب أو بأحسن الأحوال العيش مع أمه دون جنسية سورية والتي تتبعها مخلفات ترافقه طوال عمره، أما أطراف القضية فهم الشيخ والسائح وأهل العروس وجميعهم معني من المكاسب والضحية هي الفتاة وابنها إن أنجبت ومن الأمور التي انكشفت وتم التستر عليها هو الزواج أثناء العدة أي أن هنالك فتيات تتزوجن وتطلقن وتتزوجن مرة أخرى وهن بأشهر العدة وتحت معرفة وموافقة الشيخ في المنطقة والذي تدر عليه الأرباح والرشاوى ليتماشى مع هذه الحالة والتي تتكرر بطريقة غريبة مخالفة بذلك الدين والشرائع السماوية والأرضية وكل ذلك من أجل المكاسب المادية وتامين سياحة هادئة ومريحة ومسليّة لذلك السائح الخليجي أو السعودي.
تقول علياء، وهي من أهل المنطقة، أنها كانت مخطوبة لشاب تحبّه لكن مع مجيء أحد الوافدين السعوديين طلب من الدلالة فتاة لم يسبق لها الزواج وعمرها لا يتجاوز الثامنة عشر (وهو بعمر الأربعين) مع المهر الذي يطلبه والدها! وهنا وقع الاختيار على علياء. وفسخت خطبتها بالرغم من رفضها الشديد! وتزوجت من ذلك السعودي الذي سجّل باسمها بيتا وسيارة وأعطى أهلها مهرا يساوي المليون ليرة! ووسط فرح العائلة تزوجت وغادرت مع عريسها إلى بلده بعد انتهاء فترة الإجازة وهناك تبين أنه تزوجها للاستمتاع بها أثناء عطلته ولتصبح خادمة لزوجاته الثلاث في بلده فعانت من الإهانة والضرب فلم تعامل كزوجة بل كخادمة وبقيت عدة سنوات هنالك إلى أن استطاعت الهروب تاركة طفلها مع ذلك السعودي وعادت امرأة أخرى لكنها لم تسلم من محاولة ثانية لتزويجها من خليجي وطلقت بانتهاء فصل الصيف فعوملت كسلعة مربحة لأهلها وهي الآن تعيش حالة من الكآبة فقد دمرت شخصيتها بانتزاع إنسانيتها منها وتقول: كثيرة هي الفتيات اللواتي يعشن حالتي يفرحن أحيانا بالمال لكن فرح وهمي يزول مع مضي أشهر الصيف ويعانين باقي حياتهن من هذا الظلم.
وكل ذلك بتواطؤ إعلامي فيحظر على الصحف الحكومية كتابة أي نوع من التحقيقات التي تتحدث حول موضوع السياحة الجنسية أو حتى الحديث عن هذا الزواج المخالف للقوانين والمتجاوز للاتفاقيات الدولية اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها سورية وكذلك اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تحمي حقوق المرأة والطفل لأنها بالفعل سياحة جنسية فهذا الزواج بغرض السياحة وهو زواج أطفال بعقود شكلية وبمخالفة واضحة للقوانين لتجاوزها العمر ولأن الزواج يتم أثناء العدّة ولأنه يتسم بقرار ضمني بالطلاق بانتهاء فصل الصيف وعودة السائح إلى بلده، فالمواضيع المتعقلة بالزواج السياحي مرفوضة من النشر في الإعلام الرسمي والمواضيع المتعلقة بالسياحة الجنسية والتجارة بالنساء تحت اسم الزواج والتي تتم بشكل سري ومعلن أحيانا كلّها مواضيع ممنوعة من التداول في الوسائل الإعلامية بالرغم من الدلائل التي تثبت ذلك إما من الحالات الحقيقية لفتيات تزوجن وعانين من هذا الموضوع وإما من المحامين الناشطين والذين وصلت إليهم بعض هذه القضايا كتحديد نسب أو اتجار بالنساء تحت اسم الزواج فبعضن ممن استطعن العودة رفعن قضايا ضد أزواجهن ومنهن مازلن يعانين من ذلك الأمر وكل ذلك بمعرفة الإعلام الرسمي الذي يرفض الحديث عن تلك المواضيع بحجة أنها تخل بالأخلاق العامة وأنها فضائحية لا أكثر والحديث عنها لن يساهم إلا في كركبة أهل المنطقة والتضييق عليهم لكن الحقيقة أن هذه السياحة مربحة للمنطقة والبلد بأكمله وضبط هذا الموضوع سيساهم في تقليص عدد السياح والذين لهم هدف أساسي هو الاستمتاع بأموالهم على حساب فتيات قاصرات وأهالي وجدن فرصة للنجاة من الفقر على حساب فلذة أكبادهم.
فالمتابع للصحف الحكومية والخاصة لن يعثر على مشكلة من هذا النوع لكن بعض المجلات الخاصة وهي نادرة اقتربت قليلا من هذا الموضوع وبتحفظ أحيانا على بعض العناوين لما يجلبه من متاعب لا حصر لها لأن المتنفذين والمستفيدين لا حصر لهم أيضا وبالكتمان يتستر على جميع الأمور.الاقتراب الوحيد من هذه القضايا هو من قبل الصحف الالكترونية وأيضا بحدود لأن الوقائع متكتم عليها فالمجتمع محافظ يحوي بداخله الكثير من الحقائق والتي من الصعوبة الوصول إليها لكنها واضحة لكل من يرغب بزيارة سياحية لتلك المناطق.
لنتساءل نحن بدورنا: أليست هذه دعارة تحت اسم الزواج؟ وهل هذه المشكلة تعني أشخاصها فقط؟ أم هي مشكلة تنتشر نتائجها على المجتمع بأسره ليحوله إلى مكان موبوءٍ بأمراض قد لا تظهر على المدى القريب، وليشوّه صورة المجتمع السوري بأكمله؟واليس هذا التواطؤ الإعلامي مساندة لهؤلاء الأهل والسياح العرب الذين تحولت سياحتهم إلى سياحة جنسية؟؟
موقع نساء سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى