معارضة بياقات بيضاء
جهاد صالح
تظاهر أكثر من ألف مواطن كوردي ما بين من يحمل الجنسية السورية وما بين من فقدها قبل أربعين عاما ،أمام البرلمان المجّمد والخالي من ممثلي الشعب، ليقولوا لجنرالات دمشق التائهون في ذاتهم الدونكيشوتية ، أن سياساتكم كأفلام الكرتون والرسوم المتحركة ، تثير وتضحك وتسلي ، ولكن تذهب مع الريح. لأن اللعبة أصبحت مملة وثقافة الجور والإقصاء والإذابة فشلت،كما فشل أبائكم وطبالي الحي وزماري العروبة .
أحد المتظاهرين تخيل لو أن دمشق كلها خرجت تتظاهر بملايينها، ماذا كان سيفعل النظام ، هل كانت دمشق تتحول من عاصمة للثقافة العربية إلى عاصمة المليون متظاهر، شباب من حي ركن الدين دغدغتهم أصولهم الكردية فاستلوا الشجاعة ونزلوا إلى الشارع يهتفون بالحرية والإنسان، في الجهة الأخرى كان مواطن دمشقي يفتخر أنه سوري يهتف في قلبه بحب كبير،لكن لون العسكر بوجوههم المخيفة وهراواتهم الصدئة منعت صوته أن يخرج ويكبر.
وراء جدران الصمت كان الكثيرون يشعرون بغبطة وسعادة لشجاعة إخوانهم الأكراد وهم يقفون بصدورهم التي لا تتسع لهواء الكون، ويتمنون في داخلهم أن يكثر الله من المتظاهرين في المستقبل.
المعارضة بشخوصها المتلونة ،ممن بقوا خارج السجون لم تستطع أن تجتمع ، في سبيل إصدار بيان تضامني مع المتظاهرين، فلاذ الجميع بالصمت ،وكان ما شاهدوه هو عبارة عن فلم لم يؤثر فيهم ولم تهتز مشاعرهم.
معارض في أمريكا تواصل مع معارض في أوروبا، تلازم الشعور لديهم أن جسد المعارضة يترهل دون فعل، والكردي أثبت شجاعته في دمشق وفي القامشلي، وكان القرار أن المعارضة من وراء الحاسوب تعتبر معارضة أيضا.
بثينة شعبان وزيرة المغتربين، تلعب لعبتها في أوروبا وأمريكا واستراليا، تجند الكثيرين من أبناء الوطن لأن يكونوا عسسا وبصاصين وبوليس سري لرصد الأخبار المسيئة إلى الحاكم في دمشق، وتدفع بسخاء. ونجحت في تدجين الكثيرين ( كردا وعربا ومسيحيين….) فأصبح البيت السوري المعارض متلونا كبيض العيد .
صديق صغير ولكن طموحه في معارضة النظام أكبر منه، يقول دائما إن المعارضة على النت لها فعلها ، وخاصة أن ذلك لايحتاج إلا إلى كرسي ولابتوتب وانترنت. معارض سوري من أقاصي الولايات المتحدة الأمريكية خرج من الوطن قبل مجيء البعث إلى السلطة ، تحدث أنهم كسوريين مناهضين لثقافات الاستبداد ، يمارسون لعبة المعارض والتعارض مع النظام ومع أنفسهم وبين بعضهم البعض ، والتغيير الديمقراطي السلمي يمكن ممارسته بإرسال خطاب احتجاج ضمن الولايات الأمريكية عبر البريد الالكتروني، آخرين التموا في لواء قبيلة وتحت ظلال شيخ انتقل من عشيرة السلطة إلى قبيلته التي شكلها بنقوده واستطاع شراء البعض ليكونوا جنوده في معركته مع السلطة، وجنرال عجوز يحلم في ظلاله وطائفته أنه سيكون القائد وسيعود قريبا إلى دمشق، ويظل الفلم المتحرك يعرض مشهدا تراجيديا لاينتهي.
معارضة بشخوصها الشجاعة تسابق الزمن للخروج إلى الحرية ومواصلة الفعل النضالي من قلب دمشق ، ولا تأبه بالديكتاتور وسجونه وعسكره ومخابراته، ومعارضة ترتزق عبر عواصم القرار وهي غير مرئية من أحد،ومعارضة تجلس بياقاتها البيضاء وراء الكمبيوتر وتخط بيانا شديد اللهجة ،ولكن لا يتمكن أي مواطن سوري قراءته في داخل الوطن. ومعارضة عبر أشخاص يثابرون وسع الجغرافيا والعواصم لأجل إخراج الوطن والشعب من عنق الزجاجة بوطنية مثالية.
هذا هو السرّ الكبير والصغير، والمعارضة التي يترجل النظام القمعي عليه ويخشاه، ورغم ما قيل ويقال، لقوى المعارضة السورية أثرها وتأثيرها. والنتيجة واضحة أمام العيون رغم الوسخ المتراكم على الزجاج.
بيروت
خاص – صفحات سورية –