تجديد وإصلاح المعارضة السورية *
احسان طالب
بمناسبة الذكرى السنوية لانعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق أصدرت الأمانة العامة بيانا قيما، أحيت فيه الذكرى وأعادت التأكيد على المبادئ التي عقد على أساسها وعلى القرارات الصادرة عنه، لقد كان انعقاد ذلك المجلس حدثا استثنائيا رائدا فريدا في ظل أوضاع أمنية ضاغطة، تحلى أعضاؤه بالشجاعة و الجرأة وعقدوا اجتماعهم العلني بعد إعداد وتحضير اتسما بالدقة و الخبرة، وخرج المجتمعون بقرارات سياسية وتنظيمية شكلت الأساس لبناء هيكل إعلان دمشق ومأسسته وهذا أمر لا تقدم بدونه لأية حركة سياسية تعمل في الحاضر من أجل المستقبل عبر خطوات واعية وحكيمة، تعمل وفق منظومة أفكار تؤلف البنية الثقافية والسياسية لإتلاف سوري عريض معارض.
قضية الحرية في سوريا : ذلك العنوان الرئيس للبيان يوحي باتصال عضوي بين المجلس الوطني وبين قيمة إنسانية وفلسفية معرفية هي الحرية المغيبة في ظل ” تأبيد حالة الطوارئ، وحكم الحزب الواحد واللون الواحد ” فالحرية كائن حي تلزمه بيئة مناسبة يضعف بدونها ويتوارى في ظل أحكام عرفية وسجون تعتقل الرأي وتصادر الثقافة، تمنع المشاركة وتعاقب الكلمة. قضية الحرية مقابل ثقافة الاستبداد المضللة للرأي العام والمزيفة لحقائق التاريخ ، خلال عقود طويلة من القهر و الطغيان، سيطر فيها صوت واحد مجد فرداً وغيب شعبا، أشاع رهابا ورعبا من طرح الرأي المخالف أو الرؤية المعارضة، حتى بات السوريون يفرون من السياسية كما يفر السليم من الجذام.
لقد كان هدف المجلس الوصول من خلال آليات واضحة ” تأمين انتقال سلمي وآمن لسوريا نحو الديمقراطية ” فالقضية الرئيسة مع الحرية هي الديمقراطية، كنظام سياسي وثقافي وفكري حاربه الاستبداد وسعى جاهدا ـ وما يزال ـ لتشويهه وإخفاء معالمه، قارنا بين الفوضى والعنف والديمقراطية، يصور أعلامه الديمقراطية كوباء وبلاء يخلف الموت والدمار ويعرض الاستبداد رمزاً للأمن و الاستقرار.
في قراءة نقدية موضوعية لعام مضى، رأى البيان في وثائق المجلس تحديد لـ ” معالم سوريا المستقبلية وعلاقاتها في المحيطين الدولي والإقليمي” مجليا الغموض وشرحا المنطلقات و التوجهات أي القواعد التي قام عليها المجلس وطرائق عمله التي يريد من خلالها حل قضية الحرية وبناء الديمقراطية ببلد يحكمه استبداد فريد ونادر يوجب علاجه نفسا طويلا وحكمة وصبرا يتطلب ” شكلا جديدا ونوعيا للعمل السياسي ” عنوانه ” دعوة مفتوحة ودائمة لكل السوريين وقواهم الديمقراطية للالتفاف حول مشروع التغير ودعمه دون ادعاء احتكار العمل المعارض ”
الخروج من شرنقة الأحزاب وإعادة إنتاج العمل السياسي السوري المعارض وفق آليات أكثر مرونة وأرحب فضاءً تسمح وتساعد على لم شمل التيارات السياسية و الفكرية والإثنية المتباينة وفق انتماءات وطنية وأجندة ديمقراطية توحد صفوفهم في مواجهة احتكار السلطة للسياسة والوطن. وإذا كان شعار إعادة السياسة للمجتمع معروفا وموجودا في أطروحات المعارضة السورية التقليدية، فان تطبيقه على أرض الواقع مازال بعيد المنال ومازالت النخبوية والانتقائية السياسية و التنظيمية تحكم طرائق العمل التقليدية.
سار إعلان دمشق خطوات جادة في طريق الاقتراب أكثر من الأمور الحيوية والمعاشية، وقرن بين المسائل الكبرى والقضايا اليومية الملحة، وبدا ذلك في بيانات الأمانة وافتتاحيات موقع النداء، كما حاول الإعلان فك العزلة النخبوية وأدخل عناصر جيدة في العمل السياسي أثبتت فاعليتها وقدرتها على العطاء والإبداع وكسر طوق احتكار المعمل المعارض المؤطر بالتنظيمات القديمة، فعبر إشراك أفراد ومجموعات وفئات تناصر قيم وأفكار التغير الوطني الديمقراطي نجح في توسيع رقعة العمل السياسي المعارض وأطال قطر دائرته لتضم أطياف متضاربة تحت قبة مفاهيم جديدة للوطنية والديمقراطية كانت مغيبة ومنحاة في مناقشات النخب التقليدية المعارضة الدائرة في حلقة الأيديولوجية المغلقة.
” إعلان دمشق حمل مشروعاً للمواطن السوري” أول شيء وقبل كل أية أهداف أخرى، الإنسان ابن الوطن هو في المحصلة هواء وتراب السياسة وبدون الالتفات له والتركيز على آلامه ومعاناته وطموحاته، بالعمل معه و إلى جانبه، لا تتحقق الديمقراطية ولا يتأتى التغير، وليس صيحا تبرير فقر العمل المعارض جماهيريا بعزوف الناس وإعراضهم، فالمعارضة التي لا تقترب من الناس ولا تعنيها صحة وسلامة أطفالهم وحاجات شبابهم وضمان شيخوخة رجالهم، لا يحق لهم الحديث عن عزوف الناس عنها ونفورهم منها. حين يستمر العمل السياسي ينتقل بين أبراج عاجية يزداد بعدا عن تراب الديمقراطية ومائها ومع غياب شمس الوضوح وضبابية الرؤيا ، تضيق دائرة التعاطف والتجاوب من قبل أبناء البلد مع مشروع التغير النخبوي. الشعب المتمثل بالمواطن العادي ،الفرد والإنسان ، مصدر الشرعية الحقيقية ومهما طال عهد سلطة القوة و الأمر الواقع، لن يبقى الشعب محكوما مؤبدا بسجن الاستبداد.ولن تحظى المعارضة بتأيده ما لم يكن مشروعها الأول.
الانتماء للأرض والقيم والشعب، ثقافة إنسانية سامية عرفها السوريون ومارسوها في تاريخهم القديم والحديث، أهال عليها رماد الاستبداد أثقالا وأشاد بنية غير طبيعية نمت فيها طفيليات غير طبيعية قسرت الإنسان السوري للانحياز صوب الو لاءات الماضوية ما قبل الوطنية.
جاء البيان متسقا ومنسجما مع الطروحات النظرية لإعلان دمشق وقرن الأفكار بالقرارات وواءم بين الهدف والوسيلة فتحدث بصراحة وبوضوح وبدون لبس ” إعلان دمشق إذ ينبذ العنف وكل أشكال الإرهاب في الداخل والخارج ، أيا تكن الجهة التي تمارسه ، يرى أن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها منطقتنا ليس مردها التدخلات الخارجية والاحتلالات المرفوضة فحسب، بل أس البلاء يكمن في الاستبداد الذي ينيخ على صدور مجتمعاتنا ”
لم يضع البيان الرأس في الرمل هربا من الواقع وتجاهلاً للأزمة الإقليمية المستعصية والمتفاقمة بالتدخلات الخارجية المرفوضة ، ويلقي باللوم فقط على الخارج كما اعتاد إعلام السلطة تجنبا للمسائلة وتزييفا للحقائق، فأفصح عن رؤية تصور الاستبداد فاعلا أساسيا في تفاقم الأزمات الوطنية والإقليمية لربطه مصائر الوطن بأجندات إقليمية ومحاور تستثني الحاضنة العربية، بل وتستعديها لتكون سوريا معزولة عربيا في مواجهة الضغوط والمستقبل المضطرب.وكان من الطبيعي عقد البيان كبريات الآمال على الشعب في تصحيح المسار وإصلاح الخلل وصولا للتغيير الوطني.ما يعني تجنب اعتماده على غير أبناء الوطن وتجاوزه لمقولات تربط التغير بأجندات إقليمية أو دولية
في أنواء ضبابية وحالة من الغموض الشديد تعتري الأجواء السياسية الدولية والإقليمية ، تحلى البيان بالثقة والوضوح وأبان من مكنونات أهدافه المتمثلة بالتغيير الوطني الديمقراطي وأكد صفاء تطلعاته الوطنية داحضا جملة الافتراءات المنظمة والمدروسة التي تعرض لها الإعلان بعد النجاح الباهر لمجلسه الوطني إذ أكدت قمعية وثقل الهجوم العنيف والمباشر من قبل السلطة وإعلامها وأبواقها والأجهزة الأمنية التابعة لها القيمة الحقيقية للنتائج الإيجابية التي أسفرت عنها التحركات السياسية لإعلان دمشق .
تحدث البيان سريعا عن الإرباك والتشويش الغير مفهوم والغير مبرر الذي واجهه داخل الإعلان وخارجه ووقف موقفا إيجابيا بالحرص على بذل كل جهد يساهم بالتئام ووحدة المعارضة الوطنية الديمقراطية ، وثمن عاليا كل الجهود الطيبة التي تحاول إنجاح الحوار مع الجهات التي جمدت نشاطها في المرحلة الماضية .
الناس ومعاشهم ومعاناتهم والقهر اليومي الذي يواجهونه من قبل السلطة وما نجم وينجم عن سياساتها الهادفة في المقام الأول للاستئثار بخيرات الوطن على حساب الإفقار الممنهج لأبناء البلد، تلك ليست قضية عابرة أو ثانوية ولا تتأخر في أوليات العمل السياسي أمام قضايا كبرى ، فالشعب السوري الصابر والصامد في مواجهة التراجع المستمر في مستوى معيشته والتدني المتسلسل في قدرته على تلبية حاجاته الحيوية والإنسانية وما ينجم من آثار خطيرة على قطاعات التعليم والصحة والتنمية من آثار خطيرة ناتجة عن المخططات الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية التي تنتهجها القرارات الاقتصادية المتعجلة بهدف حماية واستقرار النظام وديمومته.
وحدة المعارضة السورية داخلا وخارجا أمر حيوي وضروري لاستمرار العمل . وتضافر جهود لجان إعلان دمشق في الخارج مع بعضها البعض لدعم مسيرة الداخل والتعريف بالإعلان على الساحة الدولية شأن ذو أهمية يميز ائتلاف إعلان دمشق ويبرز الوجه العملي والإيجابي لتطلعاته الجديدة في تطور وتقدم العمل السوري المعارض.
نقاط مركزية وأساسية أوضحها البيان :
ــ الاستبداد أس البلاء والتدخلات الخارجية الظالمة تتكامل جهودها مع الاستبداد لإجهاض العمل الوطني وتدمير آمال وطموحات الشعب في الحرية والديمقراطية
ــ لا تغيير مع النظام ولا تعويل عليه
ــ لا لاستسهال التغيير عن طريق الأفكار والأعمال الانقلابية والعنيفة التي يروجها أفراد خارج المعارضة السورية.أيا كان مصدرها أو نواياها.
ــ لا يعول إعلان دمشق على الفعل الخارجي في التغييروالاصلاح وقواه الوطنية الصادقة في الخارج تلتزم بمبادئه وأطروحاته الوطنية وبالآليات والمنطلقات والتوجهات المبينة والموضحة بوثائق الإعلان والبيان الختامي للمجلس الوطني .
تحية وشكر وتقدير للأمانة العامة على بيانها القيم وما ورد فيه من ايجابيات ورؤية متسقة مع تطلعات الشعب السوري بوضوح وتجديد ينعش الأمل ويبعث على مزيد من العمل .
لقد كانت أثمان باهظة دفعها إخواننا المعتقلون من أعضاء المجلس الوطني وقيادات الإعلان لم تقتصر على أسر حرياتهم الشخصية بل طالت أرزاق ووسائل معيشتهم ومجالات عملهم ، فحري بنا ألا تذهب تلك التضحيات سدى أو تضيع في خضم حوار نظري يخفي استجابة غير مبررة لمفاعيل تعيق التوجه الوطني و الخيار الديمقراطي.
* قراءة في بيان الأمانة العامة لإعلان دمشق في الذكرى السنوية الأولى لانعقاد المجلس الوطني