قضية فلسطين

الصاروخ الاول

ساطع نور الدين
ليس هناك تاريخ رسمي محدد لانطلاق الصاروخ الفلسطيني الأول، مثلما هناك تاريخ رسمي محدد لإطلاق الرصاصة الفلسطينية الاولى، في مثل هذا اليوم من عام .١٩٦٥ مع أن الحدثين تاريخيان.
وكما أن الذاكرة الوطنية الفلسطينية لم تعد تحفظ موعد الرصاصة الاولى، هي لا تريد أن تسجل موعد الصاروخ الاول، ولا تزال تبحث عما بينهما، من وقائع صنعها الفلسطيني في مختلف انحاء العالم ووضع من خلالها قضيته على جدول الأعمال الدولي لسنوات عديدة مضت… لم يبق منها سوى بعض الذكريات البعيدة.
لن تستطيع حركة فتح أن تحتفل اليوم بإطلاق الرصاصة الاولى التي وجهتها الى العدو الاسرائيلي، لأنها باتت تظن ان تلك الرصاصة بلغت هدفها، وتزعم انه حان موعد استثمارها او قطافها، او بتعبير أدق استردادها، حسب منطق بعض قادة السلطة الفلسطينية في رام الله، التي تمثل ذروة ذلك التحول في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني… الذي لم يحقق أياً من أهدافه حتى الآن، والذي يعبر عن مزاج شعبي عام، يسود الآن في الضفة الغربية وفي معظم مخيمات المنفى الهادئة نسبياً بالمقارنة مع حجم المذبحة في غزة، ويبحث عن بدائل لتبادل إطلاق النار مع عدو كان ولا يزال يتمتع بتفوق هائل في موازين القوى.
وهو موقف غريب فعلاً: أن يكون أفق التسوية السياسية مسدوداً، وأن يكون مجال الصراع المسلح مغلقاً في آن معاً… يضاف الى ذلك ان ثمة تنافساً داخلياً حاداً على وراثة المشروع الوطني الفلسطيني مع تيار اسلامي صاعد، لا يفتقر الى المال او السلاح او التنظيم، او حتى التحالفات الخارجية، ويستعد لتسلم الراية بين لحظة وأخرى، فقط لأن فتح اعتمدت ذلك الخيار البائس، ولم تدافع حتى عن حضورها، من خلال إطلاق الرصاص في الضفة الغربية، على الأقل في الهواء، تضامناً وتعاطفاً، مع اهل غزة.
وليس اغرب من هذا الموقف سوى أن يتحول التيار الاسلامي من قوة مقاومة تعتمد أسلوب حرب العصابات، الى قوة تقليدية تقتني الصواريخ، وتصر على استخدامها علناً ومن محيط المراكز السكنية، وتعتبرها إخلالاً في موازين القوى مع العدو!… مع أنها لم تكن يوماً إلا سلاحاً ضد حاملها، ولم تخدم ابداً في تعزيز شعبيته، او حتى في إيصاله الى طاولة المفاوضات. وتلك هي خلاصة تجربة فتح التي لا تُنسى في جنوب لبنان، قبل الثمانينيات.
ضاعت الرصاصة الأولى، وانحرف الصاروخ الاول. لكنه ليس من الصعب اكتشاف البديل الوحيد عنهما، الذي طوره الفلسطينيون بأنفسهم في الحقبة الفاصلة بين إطلاقهما، حقبة العمل السري، الذي لا يخوض الصراع على الإعلام والفضائيات، ولا يقع في فخ التجربة المريعة لتنظيم القاعدة وأمثاله، بل يقود معركة جدية تعدل ميزان الدم الذي يميل الآن لمصلحة الإسرائيليين، وتفتح امامه قاعات التفاوض على مصراعيها، عندما يشاء، وبشروطه وحده… وكل ما عدا ذلك، انتحار لحماس وفتح ونحر للشعب والقضية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى