قضية فلسطين

لكي لا تُهزم غزة: دور للجماهير العربية

فواز طرابلسي
في العبور من عام إلى عام، مطلع هذه السنة المضرّجة بالدم الفلسطيني، لا معنى للكلام إن لم يساعد على وقف المجزرة وردها ضد مرتكبيها.
غزة تقاوم.
وإذ قررت القيادة الإسرائيلية استئناف غاراتها على القطاع، فهي تعترف في اليوم الخامس من الحرب ـ المجزرة أنها قد فشلت في تسجيل أي انتصار جدي في أول جولة من الحرب الجوية.
انقسمت القيادة الإسرائيلية بصدد القبول بهدنة اليومين أو الانتقال إلى الحرب البرية. ويبدو أنها توصلت إلى حل وسط يقوم على المزيد من القصف الجوي والمدفعي. وأنه لمعبّر جداً أن يكون وزير الحرب إيهود باراك، ومعه القيادة العسكرية، ميالين إلى خيار الهدنة. هي رهبة »الجندي صاحب أكبر عدد من الأوسمة في الجيش الإسرائيلي« من الحرب البرية بعد تموز ٢٠٠٦ اللبناني.
هكذا تتناغم المقاومتان اللبنانية والفلسطينية. الثانية تفيد من الصدوع التي أحدثتها الأولى في معنويات »الجيش الذي لا يهزم«.
في المقابل تشير دلائل عدة إلى أن المقاومة الإسلامية والوطنية في غزة قد استوعبت الضربات الأولى وانتقلت للرد أقلا بإطلاق صواريخها متوسطة المدى على المستعمرات الصهيونية بكثافة متزايدة.
لقد جرّبت السياسة الإسرائيلية كل الوسائل والحروب مع غزة مثلما جرّبتها كلها مع لبنان. جرّبت القصف، والقصف الاستباقي، والعمليات البرية المحدودة، وتدمير »البنى التحتية«، والاحتلال الشامل، والاحتلال الجزئي، ثم الانسحاب، وجرّبت الحصار والتجويع المتواصلين مدة عشرين شهراً، والغزوات البرية المحدودة، على غرار غزوة شتاء ،٢٠٠٦ فلا الاحتلالات البرية صمدت أمام المقاومة ولا القصف الجوي نجح في دفع المقاومين إلى الاستسلام أو تأليب أهل غزة ضد مقاوميها.
غزة تقاوم مضرجة بدمها مطلع هذا العام. وفي الأمر حقيقة رئيسة: إن كل ما على غزة أن تصمد في دمها. أما العدوان فلديه أيام معدودة قبل أن يضطر للبحث في تسوية عبر قرار دولي ما.
هنا الكل مسؤول عربياً.
إن صرخات »يا وحدنا« إنما تكرّس العزلة أو تستدعي فزعة عشائرية لن تأتي.
تستطيع الجماهير العربية أكثر مما نتصوّر إن هي رفضت إهمال دور الأنظمة بحجة أنه لا يمكن التعويل عليها بشيء. بعبارة أخرى إن هي تحررت من لعبة التيئيس تلك التي أفادت دوماً في تبرئة حكام ومسؤولين عرب باتوا ضالعين تحت أنوفهم في العجز والتواطؤ.
ثم إنه لا يوجد صمت عربي. فالسائد في الخطاب السياسي والقصف الإعلامي هو الهذر والتضليل والخطابة الجوفاء ناهيك عن المستجد من صفاقة سياسية للذين لم يعودوا يحتاجون إلى ستر عوراتهم بالديماغوجيا والخطابة.
وليس عبثاً هنا المقارنة بين علاقة الحكام العرب بشعوبهم وعلاقة الحكام الإسرائيليين.
في إسرائيل نظام »ديموقراطي«. إسرائيل ديموقراطية؟ قد يستهجن كثيرون. مهلاً! لليهود فقط. إلا إذا كنا نحسب ديموقراطية البلدان الغربية شيئاً آخر غير »جنة« (سياسية وثقافية) تجري من تحتها أنهار الدماء لأبناء شعوب المستعمرات! أو إذا كنا نمني النفس بأن الديموقراطية نظام يقوم على تغليب مصالح الغير على المصالح الوطنية والقومية للبلدان التي تطبّقها؟ إسرائيل »ديموقراطية« بمعنى أن قادتها عشية الانتخابات يتنافسون ـ بواسطة شلالات الدم الفلسطينية ـ على كسب جمهور من الناخبين تدل استطلاعات الرأي العام على أنه عنصري وإجلائي لفلسطينيي أراضي الـ٤٨ بنسبة ٧٢٪ منه وداعم لكل مغامرة عسكرية يخوضها جيشه إلى أن تتعثر أو تفشل فيبدأ بالمطالبة بالمحاسبة. وفي المقابل، فالأنظمة التي تحكمنا أنظمة استبدادية ـ بلا مزدوجين ـ ليس فقط لأنها باتت تستمد شرعيتها من الخارج (الأميركي) بل لأنها لا تحمل أية مسؤولية تجاه شعوبها بل أنها تنتهج سياسات هي النقيض من أبسط حاجاتهم إلى الخبز والحرية ومستهترة بصفاقة بأبسط مشاعرهم وتطلعاتهم في المجال الوطني والقومي.
هي دعوة للنضال الوطني القومي العربي أن يكون ديموقراطياً أيضاً. ليتنافس حكامنا العرب في المزايدة على الرأي العام العربي. وأن يكون ديموقراطياً بأن يحاسب الجمهور العربي حكامه وهو يرفسهم رفساً من أجل الفعل الوطني.
والفعل الوطني الآن يعني ببساطة عدم الاكتفاء باتخاذ قرارات رسمية عربية، وزارية أو نيابية، تكتفي بالمطالبة بوقف إطلاق النار وفك الحصار عن غزة. بل أن تزوّد قراراتها بعناصر القوة والضغط والتأثير على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من أجل تنفيذ ذلك فوراً.
في هذا السبيل، تتراوح الوسائل من الأبسط إلى الأعقد والأكثر جذرية. يجب وقف كل ما قد قدمته دول عربية مجاناً من تنازلات لإسرائيل في مجال التطبيع، ومكاتب تنسيق، وتبادل سفراء والمبادلات الاقتصادية (وأبرزها البيع غير المباشر للنفط والمباشر للغاز) وتطبيع إعلامي. وصولاً إلى التهديد بتعليق الاتفاقيات الثنائية بين مصر والأردن، بعد أن علّقت سوريا مفاوضاتها غير المباشرة، بل وتعليقها فعلاً.
تستطيع الجماهير أكثر مما نتصور. خصوصاً إن هي رفضت الاختيار بين تظاهرات التنفيس عن الاحتقان الشعوري والغضب المشروع، وبين الجلوس المستكين خلف التلفزيونات المنفّطة تتوزع برامجها بين مزايدات ديماغوجية (من شبكات مارست التطبيع الإعلامي مع إسرائيل ولا تزال تعطي الكلام للناطقين الرسميين باسم الجيش الإسرائيلي دون مقابل) وشبكات تمارس المناقصات مشبوهة (عند المطبلين في الطبول المفخوتة لمبادرة السلام العربية).
إن الوسيلة الوحيدة لإعادة ثقة الجماهير العربية بنفسها هي نجاحها في أن تفرض إرادتها ومطالبها ولو بتحقيق مطلب واحد من مطالبها. أو أن تقيس أقلا الفارق بين تعبيرها عن مصالحها ومشاعرها ومطالبها وبين مواقف حكامها وردود فعلهم عليها.
هذا ليس مجرد حق. إنه الآن واجب تمليه عليها دماء غزة! وأمثولة غزة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى