قضية فلسطين

لم يبق لهم شيء غير مقطوع

جهاد الخازن
ودّع العالم سنة بؤس واستقبل سنة أمل، وجلست وأصدقاء أمام التلفزيون، يجمعنا حزن قديم مقيم. ودّعنا سنة أمام صور الموت والدمار في قطاع غزة، واستقبلنا أخرى بالصور نفسها.
في النهاية شعرت بالخجل من نفسي وأنا أجد أنني لا أملك ما أنصُر به غزة وأهلها سوى الحزن، ففي غرفتي في الفندق كانت محطات «الجزيرة» و«العربية» و«الإخبارية» تتابع، وأنا اتنقل بينها وأجد الأخبار نفسها وأبدأ من جديد.
صباح أول أيام 2009 فتحت التلفزيون، وأقصى طموحي أن أسمع خبراً عن وقف إطلاق النار، ورأيت أطفالاً ينتحبون، ونساء يُغسِلن الدم، وأشلاء في كل مكان.
ربما كان الأمل، موجوداً أو مفقوداً، هو الفرق بين سنة عربية وأخرى غربية، ويستوي في ذلك أن تكون السنة هجرية أو غريغورية.
الغرب ضُرب في جيبه سنة 2008، والإمام علي يقول: ينام الإنسان على الثكل ولا ينام على الحَرَب (فقدان المال). إلا أن الغرب استقبل سنة جديدة يحدوه الأمل بأن يسترد عافيته الاقتصادية.
نحن أيضاً كنا من ضحايا الأزمة المالية، غير أننا خسرنا، والسنة ترحل، ضحايا من الأهل، وخارج مجازية كلمة ضحايا، ووقفنا أمام سنة جديدة، ولا أمل بأن نرى نهاية هذا الليل الطويل.
أذكر جيداً حزيران (يونيو) 1967، فقد كنت رئيس نوبة العمل في وكالة «رويترز» في بيروت، وطالت النوبة صباح الخامس من حزيران من ست ساعات الى ستة أيام، وانتهت بالخسارة الكارثة.
غير أن عرب ذلك الزمان كانوا لا يزالون يقاومون ويأملون ويقولون: لا ثلاث مرات، وهم قالوا لا مرة أخرى سنة 1973، وقطعوا البترول.
اليوم العرب قطعوا الأمل قطعوا أشياء كثيرة أخرى، حتى أصبحوا خصيان السياسة الدولية، فلم يبق لهم شيء غير مقطوع سوى ألسنتهم، ثم لا يسمع لهم أحد.
أدين نفسي كمواطن، قبل أن أدين أحداً آخر، ثم أدين الجميع. أنا لا أملك ازاء مأساة غزة سوى الحزن وكلمات الرثاء، والكل تمنى النصر لأهل غزة ثم لم ينتصر لهم ونحن لا نملك سوى أن نبكيهم ونرثي أنفسنا فيهم، وهذا كله لا يرد ميتاً.
اسرائيل دولة نازية ولأنها كذلك كنت أتمنى لو أن حركة المقاومة الوطنية «حماس» لم تدخل هذا المدخل معها. والذين أيدوا «حماس» وأكثرهم بحسن نيّة، شجعوا على الانجرار الى وضع قُتل فيه أبرياء.
وإدارة بوش اسرائيلية حتى آخر يوم لها، فموقفها المعارض لوقف اطلاق النار في مجلس الأمن هو موقفها نفسه قبل سنتين واسرائيل تهاجم لبنان. والاتحاد الأوروبي متواطئ دائماً، وقد تغيّر رئيس وزراء بريطانيا ووزير خارجيتها ثم وقفت كما فعلت سنة 2006 لتعارض وقف اطلاق النار.
كنت أتمنى لو أن لـ«حماس» سلاح حزب الله حتى تطلب اسرائيل في النهاية وقف اطلاق النار كما فعلت قبل سنتين، إلا أن رجال «حماس» يحاربون أشباحاً من الجو والبحر، والنتيجة ما نرى.
لم أعد أتمنى شيئاً لأنني أعرف أنني لن أحصل عليه. وفي حين أنني لا أتمنى شيئاً لنفسي، فإنني أقف أمام أحداث غزة، وأكاد أسأل، لولا بقية من ايمان، عن العدالة الإلهية.
والدتي، رحمها الله، كان عندها الجواب. وقد كان من أسباب زيارة لبنان أن نزور قبرها، ثم كثر الموتى والقبور. هي كانت تزور إخوتي أيام الجامعة في الولايات المتحدة، ودعاها جيران أميركيون لمشاركتهم عشاء «عيد الشكر» التقليدي في تشرين الثاني (نوفمبر) من كل سنة واعتذرت الوالدة وأصروا، واعتذرت من جديد، وسألوها لماذا ترفض وقالت: أنتم ربنا أعطاكم بلداً، نحن ربنا أخذ بلدنا منا.
كلامها صحيح، ولكن ثمة بقية من ايمان.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى