انتخابات بدماء غزة
بقلم سميح صعب
الى أين تأخذ اسرائيل غزة من خلال الحرب التي تشنها عليها منذ اسبوع؟ الاهداف المعلنة للحرب مشوشة حتى الآن، عن قصد او عن غير قصد. يحارب المسؤولون الاسرائيليون من غير ان يستطيعوا طرد احتمالات الفشل في تحقيق اهدافهم. وباستثناء أولمرت الذاهب الى المحاكمة على أي حال بتهم الفساد، فإن شبح لجنة فينوغراد يطارد باراك وليفني التي تمكنت من النأي بنفسها عن التحقيقات التي طالت رموز الحرب الاسرائيلية على لبنان. هذه المرة ليفني في الواجهة، وستجد صعوبة من الافلات من اللوم في حال تحولت حرب غزة الى ما آلت اليه الحرب على لبنان. منذ بداية الحرب تجنّب المسؤولون الاسرائيليون وضع سقف عالٍ لما يبغون تحقيقه من العمليات العسكرية. فعبارة وقف اطلاق الصواريخ من غزة على اسرائيل، هي الاكثر ترداداً بين هؤلاء. لكن وقف الصواريخ كان يمكن تحقيقه لو نفذت اسرائيل شروط التهدئة الاخيرة مع “حماس”، لكنها لم تفعل. وحاولت قبل ان تلجأ الى الحرب الشاملة ان تلجم اطلاق الصواريخ بواسطة التحكم بفتح المعابر واغلاقها. لكن هذه الآلية ثبت فشلها في الوقت الذي لم تعد “حماس” تتحمل الحصار وتريد حلاً أطول يضمن موقعها في أي معادلة جديدة يمكن ان ترسو عليها المنطقة في ظل ادارة الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما.
اسرائيل هي التي بدأت الحرب على ابواب انتخاباتها. لكن لمصلحة من ستنتهي؟ فذلك سؤال آخر.
لا شك في ان أولمرت ليس لديه ما يخسره، سواء نجحت الحرب في غزة أم أخفقت. وليفني التي يتفوق عليها نتنياهو بتشدده، أرادت ان تظهر للرأي العام الاسرائيلي انها أيضاً لا تقل تشدداً ويمكن ان تتخذ قراراً بالحرب. أما باراك الذي يترنح مع حزبه في استطلاعات الرأي خلف “الليكود” و”كاديما” و”شاس” و”اسرائيل بيتنا”، فيشبه أولمرت مع فارق التشبث بحلم البقاء سياسياً من طريق إسالة الدماء في غزة.
ان الانتخابات هي جزء اساسي من الدافع الى الحرب. فحتى نتنياهو حرض عليها من خارج الحكومة. فاذا نجحت اسرائيل فيها سيقول للاسرائيليين انه هو الذي دفع الحكومة الى اتخاذ قرار الهجوم، واذا فشلت فإنه جاهز لالقاء اللوم على أداء الحكومة، أي على ليفني وباراك.
ولأنه ليس في امكان المسؤولين الاسرائيليين الاعلان عن خوضهم الحرب بسبب الانتخابات، فإنهم يبدون حائرين في انتقاء كلماتهم. فمنهم من يقول انه يريد القضاء على حكم “حماس”. ومنهم من يقول ان هدفه الوصول الى وقف اطلاق الصواريخ. وهناك من يسعى الى تهدئة بشروط أفضل لاسرائيل. والمتشددون يسعون طبعاً الى اعادة احتلال غزة بالكامل لأنهم كانوا يعارضون أصلاً الانسحاب منها.
ولكن مهما تكن النتيجة التي ستسفر عنها الحرب، فإن هدف القضاء على “حماس” لن يعدو كونه غير واقعي. والسبب ان اسرائيل اذا ذهبت الى حد احتلال غزة مجدداً فإن ذلك سيوجد واقعاً جديداً على الساحة الفلسطينية يصعب معه على السلطة في رام الله المضي في عملية التفاوض في ظل الاحتلال. كما ان عودة السلطة وقواها الامنية على ظهر الدبابات الاسرائيلية الى غزة، ليست مستحبة للسلطة او للجمهور الفلسطيني على رغم الصراعات الحادة بين “حماس” و”فتح”.
وعلى رغم الضربة القوية التي تلقتها “حماس” عسكرياً في غزة، فإن القضاء عليها سياسياً أمر مشكوك فيه. وتالياً تصير الحرب الاسرائيلية خالية من أي معنى سوى توظيفها في صناديق الاقتراع في شباط المقبل.
ان حكام اسرائيل يجدون في دماء الفلسطينيين أسهل ورقة رابحة في أيديهم. أما ما يسمى المجتمع الدولي فإنه في إجازة مفتوحة.