معركة الإسلاميين
ساطع نور الدين
ليست معركة حياة أو موت بالنسبة الى حركة حماس، لكنها قد تكون كذلك الى الحركات الإسلامية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وتتمركز سواء في السلطة أو في المعارضة، أو تتخفى تحت الأرض.. المتصلة بالكهوف الأفغانية والباكستانية.
يمكن، بل يرجح أن تخرج حماس من هذه الحرب الإسرائيلية الوحشية أقوى مما كانت في أي وقت مضى. وليس من المستبعد أن تعلن النصر في نهاية هذا الدم المتدفق وذلك الخراب الذي يعم قطاع غزة.. والذي يمكن أن يكون دليلاً جديداً على حجم التضحيات التي تقدمها الحركة الإسلامية الفلسطينية، والتيار الإسلامي الفلسطيني عموماً، والتي تبز بها التضحيات التي قدمها الجيل السابق من الحركة الوطنية الفلسطينية، الذي يقف اليوم متفرجاً إن لم يكن أكثر، على تلك المذبحة الكبرى في قطاع غزة.
فالحرب الحالية هي في معايير الحركة الإسلامية بمثابة معمودية الدم والنار، التي تتيح لها أن تثبت أهليتها وجدارتها لقيادة المرحلة الراهنة مع المشروع الوطني الفلسطيني، في مواجهة عدو يرفض الاعتراف بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وفي منافسة سلطة فلسطينية تأبى التسليم بأن طريقها التفاوضي كان ولا يزال مسدوداً. وهي حرب مطلوبة من قبل حماس لهذه الغاية أساسا، بقدر ما هي مفروضة بعدما استعصت كل السبل الاخرى لفك الحصار عن قطاع غزة.
لكنها المعمودية الأهم، ليس فقط لأنها الأعنف والأقوى، بل لأنها تخاض مباشرة مع العدو الأبرز للأمة الإسلامية، وهي بعيدة عن أي شبهات أو اتهامات بالإرهاب أو الفتنة أو الغلو، كما هي حال الحروب التي تخوضها حركات إسلامية اخرى على الجبهات الأفغانية أو العراقية أو الخليجية عموماً، مع العدو الآخر للأمة.. من دون أدنى تنسيق أو تشاور أو حتى صلة تذكر بالحرب الدائرة حاليا على أرض الرباط الأول، فلسطين. بل ربما كان العكس هو الصحيح، بحيث يصعب العثور على حساسية فلسطينية جدية لدى أي من الإسلاميين الذين يقاتلون أميركا على تلك الجبهات النائية.
قد تؤدي حرب غزة الى تحريك تلك الحساسية الفلسطينية لدى أولئك الإسلاميين الذين أوحوا أكثر من مرة بأن فلسطين ليست بالفعل بنداً رئيسياً على جدول أعمالهم القتالي أو حتى السياسي، لكن الظاهر حتى الآن هو أنهم ما زالوا خارج المواجهة الدموية المفتوحة منذ أسبوع. وهم في ذلك لا يتميزون كثيرا عن الأحزاب والتيارات التي تتوزع في مختلف بلدان العالم الإسلامي، والتي تنظم تظاهرات التضامن والتعاطف مع غزة، باعتبارها فريضة دينية أو واجباً إنسانياً، وتكتفي بذلك، كأنها جالية تنظم احتجاجاً في دولة أوروبية! كما هم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن حكومات بعض الدول الإسلامية التي اكتفت بإصدار بيانات السخط.. عدا طبعا حكومة تركيا التي تقف اليوم على الخط الأمامي للجبهة.
حتى الثقة بحتمية انتصار حماس في هذه المعركة، لا تبرر هذا الفتور في الردود الإسلامية على مذبحة غزة، التي لا شك بأنها تحسم من رصيد الإسلاميين جميعا.. مهما كان مضمون اتفاق وقف إطلاق النار.