علم في رأسه نار!
علي ديوب
قد تكون تلك الصورة المنشورة على موقع جريدة السفير لليوم الأول من السنة الجديدة أصدق تعبيرعن الدلالة التي يمكن، في ضوئها، تفسير العقليات الجهادية وجبهات الرفض.. التي تحمل راية الممانعة والمواجهة وما إليها من الشعارات الكفيلة باقتناص البوصلة العاطفية للجماهير.
تبين الصورة علما حمساويا يرفعه شخص فوق أنقاض بناء دكته الغارات الإسرائيلية وحولته إلى ركام. في الصورة كل شيء ميّت عدا العلم( الراية الجهادية). حتى أن الرجل الذي يرفعه لم يبد لي أكثر من شبح، رغم أن جسمه يعكس حركة نشيط.
فهل يبشرنا الجهاديون الممانعون، والناشرون لراية الثورة الإسلامية في ربوع العالم، بأن البلاد ستذهب والراية وحدها ما سيبقى! هل كان اسماعيل هنية جادا بقوله إننا صامدون ولو دمرت غزة بكاملها؟ وهل كان يعي حجم الموت الذي يحمله حبه لغزة- هذا الحب الذي لا يقدم المحبوب ضحية لمشاعر مرضية متحكمة!
ما كان يلزم العاقل في الحكومة الحمساوية أن يصل الأمر بغزة وأهلها إلى هذا المستوى من التدمير العدواني الوحشي، والترويع الأمني المزلزل لروح الإنسان الجميل، والفاتك بالرجاء والدعاء الذي يغشى قلوب الأمهات يتكومن على أطفالهن في زاوية بيت واحدة، حيث لا عاصم من جحيم يحولهم إلى أوراق محترقة سوى شعارات التجاهل ورايات الممانعة.
كم غزة تحتاج راياتكم كي تظل ترفرف وحدها، مثل فزاعات الحقول؟ كم نهر من الدم تحتاج عروقكم الجافة؟ كم موت يكفيكم لكي تستيقظوا من موتكم؟ وكم ضحية بريئة تستلزمها خطاياكم؟
سيظل جهل البسطاء مصل عضلاتكم، ما داموا لا يلتفتون إليكم. وستظل همجية الإسرائيلي المتشدد مصلا يتغذى عليه جهل البسطاء، وذريعة لهمجية المتشددين منا.
الراية المرفرفة في السماء هي علامة على عرش ثابت على الأرض. ولا يهم المتربع إن كان عرشه من عظام ولحم وعويل؛ فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. حتى إن بعضهم تفتقت عقليته عن اتخاذ الناس مصدات لبقائه. فاخترع فكرة الدروع البشرية، بإسكان قادة المقاومة في مناطق السكن الكثيفة، لردع العدو الإسرائيلي عن قصفه- كما لو انه يعترف أن العدو أكثر شفقة منه على أهله! وربما كانت كذلك حتى معه هو؛ إذا صدقت الأخبار أن إسرائيل عمدت في عام 2005 أن تتصل بالكثير من المقاومين و تبلغهم أن عليهم إخلاء المنازل في غضون وقت محدد لأنه سيتم قصفها، وأن إسرائيل نجحت في ذلك الوقت بتدمير 25 منزلا. لكن القائد مبتدع فكرة الدروع البشرية جمع الرجال والأطفال والنساء ووقف معهم فوق كل سطح يتم تهديد صاحبه، الأمر الذي اجبر في النهاية الجيش الإسرائيلي على وقف هذا السلوك لمدة عامين. لكن القائد، الذي تزوج أربع نساء، قتل في بيته، بين ومع أهله، في البناية المؤلقة من أربعة طوابق، مع عدد لم يتم إحصاؤه بعد من أسرته وسواهم.
هل كان الأمر يحتاج لكل هذه السنين من الزمن، وكل هذه الضحايا والويلات التي تعرض لها شعب غزة، والتي آلت إلى تدمير شامل، يهدد بضياع نصف قرن من التضحيات الفلسطينية وانتهاء القضية الفلسطينية نفسها؛ أكان الأمر يحتاج الى هذا الهول كي يصحو قادة الممانعة الحمساويين على أن الحب يعني العطاء والبذل والتخلي، وليس القبض والرفض والتمسك والتشبث حتى حدود تقطيع الأوصال( كما تقول حكاية دائرة الطباشير القوقازية عن الطفل الذي طلب إلى الامرأتين اللتين تدعي كل منهما أنها أمه الحقيقية أن تشد كل منهما به من طرف- وطبعا تخلت عنه أمه الحقيقية خوفا عليه من الفسخ)؟
هل تكمن شجاعة المجاهدين الصامدين في تشددهم وممانعته، تمسكا بمصالحهم الذاتية و تلبية للتوجيهات التي توحى إليهم من أولي أمرهم؛ أم تكمن في تضحيتهم بكراسيهم، وإعلانهم أن مصلحة الشعب والأرض تقتضي منا أن نتنازل عن القيادة لسوانا- سواء أكان هذا السلطة الفلسطينية المتنازع معها أو أي فريق آخر، يمكن أن يمثل شرطا كافيا لسد ذريعة العدو الغاشم.. الخ؟