روما (غزة) من تحت وفوق
سعد محيو
“إسرائيل” تقول إن لديها هدفاً وحيداً: وقف إطلاق الصواريخ من غزة. هل هذا صحيح؟ وإذا ما كان ل “إسرائيل” أهداف أخرى فما هي؟ هل يمكن للدولة العبرية أن تحقق أهدافها، المعلنة أو غير المعلنة؟
ما المضاعفات غير المقصودة للهجوم “الإسرائيلي”. لقد فوجئت بأن رد الفعل الدولي كان ليّناً من جانب الدول الكبرى، خاصة روسيا والولايات المتحدة. فهل السبب أن هذه القوى تريد الحفاظ على حرية حركتها ضد منظمات مماثلة لحماس في الشيشان وجورجيا وأفغانستان وباكستان، ولذا لا تدين العمل العسكري “الإسرائيلي” غير المتناسب في غزة؟
ليس كاتب هذه السطور من يطرح هذه الأسئلة، بل جدعون رتشمان، الكاتب البريطاني اليهودي البارز في “فاينناشال تايمز” المعروف باطلاعه الواسع وقربه من مراكز القرار “الإسرائيلي”. وحين يكون الأمر على هذا النحو، أي حين يكون رتشمان وغيره من أنصار الدولة العبرية غارقين في لجج الأسئلة بدل حجج الإيجابات حول آفاق العملية “الإسرائيلية”، يكون من الممكن التفاؤل بأن مآل هذه العملية سيكون الفشل أو على الأقل شبه الفشل.
صحيح أن الدولة العبرية حققت بغاراتها الجوية مكاسب عسكرية تكتيكية واضحة، خاصة بعد اغتيال القيادي البارز في حماس نزار الريان ومعه كل أفراد أسرته، إلا أن هذه المكاسب لم تكن لا مفاجئة (على الرغم من كون الضربة الجوية مفاجئة زمنياً) لأن التفوق الجوي “الإسرائيلي” حقيقة معروفة، ولا كاسحة (على الرغم من حجم الدمار في البنى التحتية العلنية لحركة حماس والكوارث الإنسانية المترافقة معها).
فالصواريخ الفلسطينية لا تزال تنهمر بشكل “منتظم” بعد أسبوع من مئات أطنان القنابل التي ألقيت على غزة، لا بل هي تخطت حدود الأربعين كيلومتراً وتقترب كل يوم من مفاعل ديمونا النووي. كما أن الهيكلية العسكرية لحماس وبقية المنظمات لم تمس تقريباً، ولا أيضاً القرار السياسي بالصمود والتصدي.
ثم هناك شيء آخر لا يقل أهمية: لا يبدو في الأفق (حتى الآن على الأقل) أن “إسرائيل” تمتلك استراتيجية خروج من القطاع، تستطيع بموجبها أن تعلن أنها حققت أهدافها وبات في وسعها وضع حد للعمليات العسكرية. لو أنها فعلت ذلك بعد اليومين الأولين من بدء الغارات الجوية، لكان في إمكانها القول إن هذه الغارات ستكون النموذج في كل حين تسقط فيه صواريخ على جنوب “إسرائيل”، ثم تنسحب بعد ذلك مدّعية النصر أو تحقيق الأهداف.
هذا لم يحدث. وفي المقابل، لم تظهر على جبهة حماس أية إشارة أو تلميح إلى أنها في وارد قبول الشروط “الإسرائيلية” لوقف إطلاق النار أو لإبرام اتفاقية هدنة جديدة. وكلا هذين التطورين يفرضان على “إسرائيل” ضرورة إنزال خيار الحسم من السماء إلى الأرض. أي: خيار الحرب البرية.
هل كان جدعون رتشمان يلمح إلى هذا الخيار حين تحدث عن أهداف “إسرائيلية” أخرى غير وقف إطلاق الصواريخ؟
حتماً. لكنه أيضاً كان يُلمح إلى ما هو أخطر: حصيلة هذا الخيار لن تكون مضمونة البتة ل “إسرائيل”. فروما (غزة) التي سيراها جنود “إسرائيل” من تحت، لن تشبه أبداً روما التي رآها طياروها من فوق.
وهذا على ما يبدو ما يثير قلق رتشمان وبقية سرب أنصار “إسرائيل” هذه الأيام.