ملفات شائكة يحاذر لبنان وسوريا الاقتراب منها
اميل خوري
السؤال المطروح بعد الكلام على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بين لبنان وسوريا هو: ما الذي تغيّر في العلاقات اللبنانية – السورية منذ أن عقدت القمة بين الرئيس ميشال سليمان والرئيس بشار الاسد في دمشق بتاريخ 13 آب 2008؟
يجيب سياسيون متابعون لتطور العلاقات بين البلدين ان لا شيء تغير سوى المناخ العام، اذ بعدما كانت الاجواء ملبدة بغيوم تمطر من حين الى آخر خلافات وتصريحات عنيفة متبادلة، فان هذه الاجواء اصبحت صافية والاحاديث المتبادلة ودّية، لكن الصفحة التي طويت ليست صفحة واحدة بل هي صفحات ويحتاج طيها وازالة ما فيها الى وقت، قبل ان تبدأ الكتابة على صفحات جديدة، وان كلاً من الطرفين اللبناني والسوري يحاذر الاقتراب من المواضيع المهمة لئلا تثير خلافاً يعكر صفاء الاجواء.
لذلك فان التعديلات المقترحة على عدد من الاتفاقات المعقودة بين البلدين لا يتم ادخالها عليها الا بالتوافق بينهما، أما تلك التي لا يتم توافق عليها، فانها توضع جانبا ريثما يتم التوصل الى هذا التوافق.
واذا كانت تلك الاتفاقات عقدت في ظل وصاية سورية على لبنان ولم يكن ثمة تكافؤ بين الطرفين عند عقدها وصار تنفيذ ما تريد سوريا تنفيذه منها وعدم تنفيذ ما لا مصلحة لها في تنفيذه، فان الوضع بينهما لا يزال حتى الآن غير متكافئ وان بشكل آخر. فاذا كان الوجود العسكري السوري في لبنان جعل طرفاً أقوى من طرف عند توقيع العقود وخصوصا عند تنفيذها، فان الوجود السياسي السوري في لبنان وقد عاد بديلا من الوجود العسكري، جعل التكافؤ مفقوداً ايضا بين البلدين، اذ ان في استطاعة سوريا خلق ازمة وزارية اذا لم تكن موافقة على التعديلات اللبنانية وذلك بتحريك من يمثل خطها السياسي في الحكومة وخارجها بالوقوف ضد هذه التعديلات والمطالبة بأن يتم التوافق عليها بالحوار بين الجانبين اللبناني والسوري مهما طال لأن الحرص على ابقاء الاجواء صافية أهم من أي اتفاق اذا كان عدم التوصل اليه سبباً لتعكيرها.
هذا الوضع الذي يسود العلاقات اللبنانية – السورية هو وضع دقيق وحساس يجعل كل طرف يحاذر الاقتراب من المواضيع الشائكة والملفات الساخنة، وان يُترك لعامل الوقت وللمتغيرات امر معالجتها.
استنادا الى ذلك، لا يتوقع اصحاب هذا الراي التوصل الى اتفاق بين الجانبين اللبناني والسوري على تعديلات تتناول عددا من الملفات ولا سيما منها:
أولا: ترسيم الحدود اذا كان سيشمل مزارع شبعا لان لسوريا موقفا واضحا منه، وهو ان لا ترسيم لهذه المزارع ما دامت تحتلها اسرائيل، ولا اسرائيل تنسحب منها تمهيدا لترسيمها او وضعها في عهدة الامم المتحدة تنفيذا للبند الوارد في القرار 1701.
ثانيا: لا اجراءات تشارك فيها سوريا من أجل ضبط الحدود ومكافحة التهريب والاعمال المخالفة للقانون ووضع آليات ارتباط واتصال سريعة ودقيقة لهذا الغرض ما دام القرار السياسي لم يتخذ بعد لمنع التهريب وخصوصا تهريب الاسلحة ما دام لبنان وسوريا في حرب مع اسرائيل ومعرّضين لخطر عدوانها ولم يتم التوصل الى اتفاق معها على سلام يعالج الوضع في الجولان وفي بقية الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة.
ثالثا: لا مجال للبحث في تعديلات اساسية تتناول معاهدة “الاخوة والتعاون والتنسيق” المعقودة بين البلدين اذا كانت هذه التعديلات ستتناول موضوع انشاء المجلس الاعلى اللبناني – السوري وبنوداً مهمة في اتفاق الأمن والدفاع، وخصوصا أن الجانب السوري يتعمد اعطاء دور للامين العام للمجلس السيد نصري الخوري يفوق الدور المعطى لسفير سوريا في لبنان، اذ انه هو الذي يحضر اجتماعات الوفدين اللبناني والسوري، وهو الذي يلخص بتصريح نتائج هذه الاجتماعات. وقد سبق له أن اكد في احاديث ان هذا المجلس باق ولا يمكن الغاؤه من طرف واحد. أما اتفاق الدفاع والامن، ففيه من البنود التي ترفض سوريا الغاءها أو ادخال تعديلات عليها، لا سيما البند الآتي نصه: “بغية تأكيد تعهد كل من البلدين عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا او سوريا لأمن لبنان، فعلى الاجهزة العسكرية والامنية في كل من البلدين اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع اي نشاط أو عمل أو تنظيم في كل المجالات العسكرية والامنية والسياسية والاعلامية (انتبه الى الاعلامية) من شأنه إلحاق الأدنى والاساءة للبلد الآخر، وعدم تقديم ملجأ او تسهيل مرور أو توفير حماية للاشخاص والمنظمات الذين يعملون ضد أمن البلد الآخر، وفي حال لجوئهم اليه، يلتزم الجانب الآخر القبض عليهم وتسليمهم الى الجانب الثاني بناء على طلبه”.
رابعا: ملف المفقودين من الطرفين والمعتقلين في السجون السورية، وهو ملف لم ينته الى معرفة مصير هؤلاء لكي يقفل رغم الاتفاق بين البلدين على تفعيل اعمال اللجنة المشتركة المتعلقة بهذا الملف وتكثيفها واعتماد الآليات الكفيلة بالوصول الى نتائج نهائية بالسرعة الممكنة.
لقد مضى ما يقارب السنتين على زيارة الرئيس ميشال سليمان الى دمشق وعقده قمة مع الرئيس الاسد وتلتها زيارات للرئيس الحريري وعدد من الوزراء اللبنانيين الى دمشق، ولم تتوصل هذه الزيارات حتى الآن الى طي كل صفحات الماضي ولا الى فتح صفحة جديدة بل الى تبادل الكلام الودّي وتكرار الحرص على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات وتطويرها بما يخدم مصالحهما والعمل على ترسيخها على أساس الاحترام المتبادل لسيادة واستقلال كل منهما وتعميق أواصر التعاون والتنسيق بينهما.
ويرى اصحاب هذا الرأي ايضا ان الحوار اللبناني – السوري حول الاتفاقات المعقودة ولا سيما منها المهم، قد يكون اشبه بالحوار الجاري بين القيادات اللبنانية البارزة حول “الاستراتيجية الدفاعية” وسلاح المقاومة، بحيث ان استمراره، وان من دون نتيجة، يظل افضل من حصول خلاف يوقفه. واذا كان لبنان عاش سنوات وهو يشكو من “العمى” فهو يشكر الله عندما يعيش على “الكحل”، فشرّ يصير الاتفاق عليه افضل من خير يصير الخلاف عليه، واذا كان من يعمل يخطئ، فالافضل الا يعمل كي لا يخطئ… وان ظلت العلاقات بين لبنان وسوريا تراوح بين طي صفحة وفتح صفحة… أو أن لا تطوى صفحة ولا تفتح صفحة اذا ظلت الثقة مفقودة ولا مبادرات صادقة تعيد بناءها..
النهار