صمت أوباما عن العدوان الإسرائيلي على غزة.. لماذا؟
أسامة أبو ارشيد
مع كتابة هذه السطور (الاثنين 5/1/2009) يكون العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد دخل يومه التاسع.
وفي حين سارعت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، والذي سيتقاعد عمليا من منصبه خلال أسبوعين، إلى تبني موقف إسرائيل بالكامل وإدانة حركة حماس وتحميلها مسؤولية التطورات الدامية في المنطقة، فإن الإدارة الانتقالية للرئيس المنتخب، باراك أوباما، بقيت ملتزمة للصمت حيال التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد القطاع، وهو ما أثار الكثير من الاستهجان والتساؤلات حول حقيقة وعود أوباما بـ”التغيير”.
والمثير هنا أن أصوات الاستنكار والاستهجان في الولايات المتحدة المستاءة من موقف أوباما إلى حد اللحظة، لا تصدر فقط عن أولئك الذين يطالبونه بأن يقول شيئا ينتقد فيه التصعيد الإسرائيلي، بل إن أقطابا مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، ترى في صمته إلى الآن دليلا على عدم التزامه الكامل بأمن إسرائيل ومصالحها وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.
وهي الاتهامات ذاتها التي كانت تكال إليه خلال الحملة الانتخابية التمهيدية في الحزب الديمقراطي، وبعد ذلك في الحملة الانتخابية العامة للرئاسة الأميركية.
التعقيب الأول والأخير
مع دخول اليوم الثاني من العدوان الصهيوني على القطاع، وبعد حملة من التساؤلات الإعلامية عن أسباب صمت أوباما حتى ذلك الحين عن تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، جاء التعقيب الأول من إدارته الانتقالية، ولكنه كان الأخير كذلك، على الأقل حتى اللحظة.
فيوم الاثنين (29/12/2008) صرح ديفيد إكزلرود، وهو أحد كبار مستشاري أوباما، بأن الرئيس المنتخب يتابع عن كثب تطورات العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.
مضيفا بأنه ناقش المسألة مع الرئيس جورج بوش، وكذلك مع وزيرة الخارجية كوندليزا رايس. وفي ذات اليوم، قال إكزلرود بأن “هناك رئيس واحد يحكم”، عانيا بذلك أن جورج بوش هو الرئيس الوحيد والمسؤول حتى يوم تنصيب الرئيس الجديد المنتخب في العشرين من الشهر الجاري. وأكد إكزلرود بأن الرئيس المنتخب لن يعلق على التصعيد العسكري في المنطقة حتى ينصب رئيسا بشكل رسمي.
وعلى الرغم من أن إكزلرود حرص على التذكير بموقف أوباما المبدئي حيال إسرائيل، على أساس أن ثمة “علاقة خاصة” تربط البلدين وبأن إسرائيل الحليف الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة، إلا أنه بقي مصرا على عدم التعقيب بشكل مباشر على الحملة العسكرية الإسرائيلية.
تصريحات مستشار أوباما لم تنه الجدل الدائر حول حقيقة موقفه مما يحدث إلى الآن من عدوان. بل إن تصريحات إكزلرود، أثارت نقاشا آخر حول محاولة أوباما وإدارته الانتقالية النأي بأنفسهم عن التعليق مباشرة على الموضوع وتحديد موقفهم منه.
فالحانقون على العدوان الإسرائيلي والمؤيدون له على السواء، رفضوا حجة فريق أوباما بأن ” هناك رئيس واحد يحكم”، مشيرين في هذا الصدد، إلى أن هذه الذريعة لم تكن حاضرة عندما كان أوباما، ولا زال، يخرج بين الفينة والأخرى ليعلق على واقع الاقتصاد الأميركي ويطرح تصوراته حول المسألة، ويفصل في سياساته المستقبلية للخروج به من الركود العميق الذي يمر به.
طبعا هناك من يقول بأن الواقع الاقتصادي في الولايات المتحدة هو ما يشغل بال المواطن الأميركي العادي، وبأن أوباما انتخب على أمل أن يخرج الاقتصاد الأميركي من عنق الزجاجة، وبالتالي فإنه من الطبيعي جدا أن يكون حاضرا بقوة في فترة ما قبل تنصيبه رئيسا في الملف الاقتصادي، على أساس أنه أولويته الأولى بعد التنصيب وبأن الأمر لا يحتمل أي تأخير.
غير أن ثمة من يرد على هذا التبرير بالقول بأن ذلك لم يمنع أوباما وفريقه الانتقالي من التعليق على هجمات مومباي الهندية وإدانتها. حيث أن إدارة أوباما الانتقالية سارعت ومنذ اليوم الأول (26/11/2008) إلى إدانة الهجمات وإبداء التعاطف مع الهند واعتبار التصدي للهجمات جزءا من “الحرب على الإرهاب”.
أوباما بين فكي الكماشة
وعلى الرغم من أن صمت أوباما هذا حتى اللحظة قد جلب عليه الكثير من الانتقادات والاستنكار، ولكنه عمليا قد يكون الأسلم له سياسيا.
فأوباما واقع عمليا بين فكي كماشة. فهو من ناحية (وهذا فك الكماشة الأول)، وضع حملته الانتخابية بمضمونيها المعارض للحرب في العراق وإنقاذ الاقتصاد الأميركي من ورطة الركود العميق تحت لافتة شعار “التغيير”.
الإشكال الآن لفريق أوباما أن شعار “التغيير” تحول إلى قيد يلجم حركتهم. فحجم التوقعات منهم كبير جدا، ومن ضمن ذلك الآمال التي بنيت على أوباما بإحداث تغيير في المقاربة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط، وخصوصا بؤرة الأزمة فيه، القضية الفلسطينية.
فخلال الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، أكثر أوباما من انتقاد إدارة بوش لملف السلام في الشرق الأوسط. كما أنه أعلن غير مرة بأنه وعلى عكس بوش لن يؤخر جهود الدفع بعجلة المفاوضات إلى سني إدارته الأخيرة. بل إنه سيبدأ مباشرة مساعي تحقيق السلام للعمل على تحقيق حل الدولتين، يهودية لإسرائيل، وفلسطينية تعيش بجانبها بأمن وسلام.
أيضا وضمن ذات شعار “التغيير”، فإن أوباما تعهد كمرشح، ومن ثمَّ كرئيس منتخب، بتحسين العلاقات الأميركية مع العالمين العربي والإسلامي، والتي وصلت إلى أدنى مستوى لها خلال السنوات الثمانية من حكم الرئيس جورج بوش. وأعلن فريق أوباما الانتقالي، بأن أوباما سيلقي خطابا بعد تنصيبه من إحدى عواصم العالم الإسلامي، وذلك في مسعى لتحسين صورة أميركا هناك.
الإشكال الرئيسي لأوباما وإدارته الآن، أن القضية الفلسطينية تعتبر هي المقياس الأساس في النظرة إلى الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي فإن صمت أوباما وإدارته الانتقالية على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى حد اللحظة لا يساعد كثيرا خطط أوباما لإعادة إصلاح ما أفسدته سنوات بوش الثمانية.
الفك الآخر للكماشة يتمثل في إسرائيل ومؤيديها في الولايات المتحدة، وحقيقة كون الالتفاف حول إسرائيل، ظالمة أم مظلومة، موقفا استراتيجيا ثابتا وفوق الحزبية في الولايات المتحدة.
إحدى أهم المآخذ التي وظفت ضد أوباما المرشح في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، ثمّ في مرحلة لاحقة مرشحا عن الحزب الديمقراطي، هي أنه غير معروف بانحيازه الكامل والمطلق لإسرائيل، خصوصا في المرحلة السابقة لدخوله مجلس الشيوخ الأميركي.
غير أن خطاب أوباما ومواقفه ستميل تدريجيا لصالح إسرائيل بدءا من مطلع عام 2005، وذلك بعد أن أصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي. وسيبرز التحول في خطاب أوباما ومواقفه في القضايا التي تتعلق بإسرائيل بشكل أكبر مع إعلانه نيته الترشح للرئاسة الأمريكية والتي ستصل إلى أكبر تكثيف لها في خطابه أمام اللوبي الإسرائيلي الأشهر في الولايات المتحدة (إيباك) في حزيران 2008.
وعلى الرغم مما طفح به خطاب أوباما ذلك من مديح وإطراء ودعم لإسرائيل، إلا أن هذه التهمة بقيت توجه له من خصومه السياسيين.
وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية، صعَّدّت الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري جون مكين من استهداف أوباما في هذه الجزئية، حتى اُضٌطُرَ هذا الأخير لزيارة الدولة العبرية في صيف 2008، وذلك للتأكيد أكثر فأكثر على أنه لن يكون أقل التصاقا بإسرائيل ممن سبقه من رؤساء أمريكيين.
وفي تلك الزيارة، وتحديدا، في السابع والعشرين من شهر يوليو/تموز صرح أوباما من القدس بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، بأنه “لو كان أحد يطلق قذائف على المنزل الذي تنام به بناتي في الليل فإني سأفعل كل ما بوسعي للتصدي لهم، وأتوقع من إسرائيل فعل ذات الشيء”.
طبعا، القذائف التي كان يشير إليها أوباما، هي قذائف المقاومة الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة ضد العدوان والحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع.
غير أن أوباما المرشح حينها، لربما لم يكن يدرك ما سيكون لكلماته تلك من وقع كبير وبعيد بعد حوالي خمسة أشهر فقط من إطلاقها، حيث أن وزير الدفاع الإسرائيلي باراك، سارع إلى التذكير بها إبان انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك في مسعى لحشر أوباما في الزاوية. وفعلا فقد نجح التذكير بذلك التصريح، والذي يتناقله الإعلام الأميركي بكثرة هذه الأيام في إسكات أوباما إلى حد اللحظة.
أخف الضررين سياسيا
وبغض النظر عن حقيقة رأي أوباما في العدوان الإسرائيلي على القطاع، إلا أن صمته إلى الآن يعد من وجهة نظر العديد من المحللين السياسيين الأميركيين الأسلم بين خيارات أخرى أكثر صعوبة، بما قد يترتب عليها من إحراج، أو حتى ثمن سياسي سيدفعه أوباما.
فهو إن تساوق مع مطالب أصحاب الفك الأول من الكماشة، والمتمثلة في انتقاد إسرائيل ودعوتها لوقف عملياتها العدوانية، فإن الرجل يكون قد وضع نفسه وإدارته في مواجهة تيار سياسي عام وسائد في الولايات المتحدة، بما في ذلك الكونغرس الأمريكي بأغلبيته الديمقراطية.
وأما إن اختار التساوق بشكل مكشوف مع العدوان الإسرائيلي، فإن وعوده بتغيير المقاربة الأميركية في الشرق الأوسط، وتعهده بانخراط أكثر مباشرة وكثافة في العملية السلمية، فضلا عن تحسين صورة أميركا في العالمين العربي والإسلامي ستذروها الرياح.
قراءتين للتصعيد الإسرائيلي
ثمة من يرى من المحللين والمراقبين السياسيين في الولايات المتحدة بأن إسرائيل اختارت توقيت العدوان على القطاع بعناية فائقة. فما بين إدارتين، واحدة ذاهبة والثانية قادمة، تتبدد قدرة الضغط على إسرائيل.
فإدارة بوش تعد أيامها الأخيرة، وهي “إدارة هيكل” يفترض أنها تملك السلطة، ولكن العالم يتعامل معها على أن فترة صلاحيتها قد انتهت، وإدارة أوباما القادمة ينظر لها العالم على أنها الإدارة الحاكمة ولكنها عمليا لا تملك صلاحيات.
أيضا يضيف أولئك، بأن إسرائيل أرادت أن تحسم الموقف في قطاع غزة في ظل إدارة بوش، حيث ثمة قلق إسرائيلي من أن لا تسمح إدارة أوباما بمثل هكذا عدوان عسكري واسع، وذلك حتى لا تؤثر على خطط الإدارة القادمة لمنطقة الشرق الأوسط، فضلا عن رؤى أوباما لتحسين العلاقة مع العالمين العربي والإسلامي.
ومما ساهم أكثر في تسريع إسرائيل للعملية حسب أولئك، أن إدارة بوش لا تغض الطرف فحسب عن مثل هكذا عدوان بل إنها تدعمه وتحض عليه. في حين أن ثمة تخوفا إسرائيليا، ومن أنصار إسرائيل في أميركا، من أن تسعى إدارة باراك أوباما إلى محاولة استيعاب حماس والتواصل معها، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.
بعض المقربين من فريق أوباما الانتقالي ينقلون بشكل غير رسمي عن مصادر من داخل ذلك الفريق أن صمت أوباما حيال التطورات في منطقة الشرق الأوسط تحتمه ضرورات أن تتحدث الولايات المتحدة بصوت واحد، ما دام أن هناك رئيسا واحدا. إلا أن ثمة مؤشرات تدل على أن أوباما وفريقه غير سعيدين جدا بالعملية العسكرية الإسرائيلية في هذا التوقيت الحساس.
فالحديث عن ضرورة تحدث أميركا بصوت واحد، يعطي انطباعا بأنه لو تكلم أوباما فإنه سيقول شيئا مختلفا عن الدعم اللامشروط الذي تتلقاه إسرائيل من إدارة بوش. وإلا إذن، فلماذا تكلم بعد هجمات مومباي؟ ببساطة لأن خطابه ولغته في ذلك السياق لم يكونا ليختلفا عن خطاب ولغة إدارة بوش، وهذا ما حصل حينها.
هذا لا يعني بحال أن إدارة أوباما الانتقالية مستاءة من فعل إسرائيل حبا بالفلسطينيين، وإنما استياءها، إن كان قائما حسب التوقعات، هو من باب أنه يزيد من أعباء ومسؤوليات الرئيس المنتخب مع تسلمه للرئاسة.
حيث إنه سيجد أمامه ملفا متفجرا في الشرق الأوسط يتوجب التدخل بسرعة في محاولة لإطفائه وتخصيص جزء من المجهودات له، في الوقت الذي يسعى فيها أوباما لتركيز جلَّ وقته في الفترة الأولى من رئاسته على الاقتصاد الأميركي الذي يوشك أن يدخل مرحلة الموت السريري.
ومن الضرورة هنا الإشارة أيضا، إلى أن ثمة من يرى، بأنه لو نجحت إسرائيل على الأقل في إضعاف قدرة وقوة حماس قبل تولي أوباما الرئاسة، فإن ذلك قد يفيده في التعامل مع ملف السلام في الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فيحصد هو بذلك ثمار المواجهة، في حين يأخذ بوش معه إلى التقاعد انتقادات المراقبين اللاذعة.
ولكن السؤال يبقى: ماذا لو فشلت إسرائيل في إنهاء حملتها أو تحقيق أهدافها قبل تنصيب أوباما رئيسا؟ حينها سيبدأ أوباما رئاسته بتحد كبير قد يفشل الكثير من خططه، ووقتها لن يكون سعيدا، غير أنه أيضا لن يكون قادرا على فعل شيء لمعاقبة إسرائيل.
ــــــــــ
كاتب فلسطيني