صفحات سورية

من يخاف من إيران في قمة دمشق ؟

null


سليم نصار

لم تشهد القمم العربية السابقة خلافاً في حجم الخلاف الذي تشهده أول قمة عربية تعقد في دمشق منذ إعلان تأسيس جامعة الدول العربية يوم 22 آذار 1945.

ولم يحدث ان تغيب لبنان عن أي من القمم العادية او الاستثنائية منذ اشتراكه في مجموعة الدول المؤسسة مع مصر والسعودية والعراق وسورية وشرق الأردن (سميت الاردن سنة 1946) واليمن الذي انضم الى هذه المجموعة في الخامس من ايار سنة 1945.

وبسبب الترتيب الأبجدي الذي اقترحه الشيخ زايد بصورة دورية كل سنة، وصلت القمة الثلاثون الى سوريا بعد قمة السعودية، من دون حصول عملية التسلم والتسليم. وقد استندت دمشق الى سابقة تغيب حاكم البحرين عن قمة تونس 2004، الأمر الذي دعا في حينه الرئيس زين العابدين بن علي الى اعلان نفسه رئيساً للقمة السادسة والعشرين.

من هنا القول ان الترتيب الأبجدي فرض على سوريا القيام بدور جديد ابتعدت عنه طوال ستين سنة من عمر الجامعة. والسبب – كما يفسره المطلعون على شؤونها – ينطلق من اقتناع راسخ بأن هذا التجمع العربي ولد من أجل خدمة مصر، لا فرق أكان ذلك في عهد فاروق ام في عهد عبد الناصر. وقد دعمت وثيقة الجامعة هذا التوجه بدليل انها حددت المقر الدائم في مصر. وقد انتج هذا الامتياز اربعة أمناء عامين هم: عبد الرحمن عزام (1945 – 1952) وعبد الخالق حسونة (1952 – 1972) ومحمود رياض (1972 – 1979) وعصمت عبد المجيد (1991 – 2001) وعمرو موسى (2001). ولولا نقل المقر الدائم بصورة موقتة الى تونس عقب اتفاق “كمب ديفيد” لما دخل الشاذلي القليبي قائمة الأمناء.

بخلاف كل القمم العربية السابقة التي انحصرت اهتماماتها بحل الازمات الصعبة والقضايا الساخنة، ركزت قمة دمشق على جمع أكبر عدد من الزعماء العرب. ولكن، هذا التركيز تم بطريقة فوقية أحدثت استياء لدى بعض الدول الاعضاء. وقد ترجم هذا الاستياء الى خفض مستوى التمثيل بحيث فقدت هذه القمة أهم عناصر القيادة من اصحاب القرار السياسي في العالم العربي. ولكن ردود الفعل لم تزعج الحكومة السورية التي توقعت غياب عدد من الحكام بسبب الاختلاف على معالجة أزمة الرئاسة في لبنان. وفسر وزير الخارجية وليد المعلم اصرار بلاده على موقفها المتشدد بالقول: إن سوريا لا تفرط في مبادئها من أجل رفع مستوى المشاركة.

يتردد في دمشق ان الرئيس الليبي معمر القذافي حظي باهتمام استثنائي من قبل الرئيس بشار الاسد الذي اتصل به شخصياً لحضّه على الاشتراك في القمة. وكان من الطبيعي أن تغريه هذه الدعوة بالحضور لعل دمشق تتوسط لانهاء مشكلته مع لبنان عقب اختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه في طرابلس صيف 1978. والمعروف ان القذافي حاول في عدد من المناسبات تبرير اختفاء ضيفه الكبير من طريق الادعاء بأن جهاز الاستخبارات ضلله، أو أن عناصر غريبة عن ليبيا هي التي ورطته بهذا الحادث المؤسف. ولكن المرجعيات الشيعية – الدينية والسياسية – رفضت هذه الأعذار وطالبته بإيضاحات صريحة لم يستطع تأمينها بواسطة ابن عمه أحمد قذاف الدم. وعندما حاول الرئيس اميل لحود كسر الحظر وتوفير غطاء رسمي لوفد اقتصادي لبناني زار ليبيا، واجهته حملة إعلامية واسعة مع تحذير بالمقاطعة من قبل الرئيس نبيه بري.

ولكن القذافي لم يتعب من ارسال الوسطاء، ومن تذكير الإعلاميين بأنه دفع مبلغ مليار دولار خلال حرب لبنان لعناصر فلسطينية ومحلية كانت تؤيد سياسته. وقد رسخت زيارته للبنان في عهد الرئيس شارل حلو علاقات الصداقة مع أدباء وصحافيين كان يستعين بهم لتدبيج خطبه وكتابة قصصه. كذلك نمت صداقته مع الرئيس السابق امين الجميل الذي فرض الترتيب الأبجدي في القمم العربية، جلوسه بالقرب من الزعيم الليبي. وكثيراً ما شوهد وهو يمرر قلمه فوق خطب معمر تفادياً لأخطاء لغوية وتحاشياً لعبارات استفزازية محرجة. وعندما يتحدث القذافي عن حنينه الى لبنان، لا ينسى ان يذكر ان المرحوم جورج حاوي كان ضيفه في معسكر باب العزيزية يوم هاجمته الطائرات الأميركية وقتلت ابنته بالتبني.

الدافع الأساسي لتردد القذافي في إعلان حضوره قمة دمشق، هو الخوف من مواجهة جماهير لبنانية قررت التصدي له رغم الحماية السورية. وجاء تهديدها بناء على مذكرة جلب أصدرها المحقق العدلي اللبناني سميح الحاج، في حق القذافي والرائد عبد السلام جلود وأربعة عشر شخصاً يعملون في أجهزة الأمن. وعلى رغم مرور ثلاثين سنة تقريباً على تلك الحادثة، فإن غلام حسين الهام، الناطق باسم حكومة ايران، ما برح يطمئن رجال “المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى” في لبنان، بأن قضية تحديد مصير الامام موسى الصدر، ما زالت مدرجة على جدول اعمال الحكومة.

في لقائه مع البطريرك الماروني نصرالله صفير، شدد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على ضرورة مشاركة لبنان في قمة سوف تبحث القضية اللبنا نية من مختلف جوانبها. وكان بهذا التشجيع يحاول اغفال كل السلبيات التي تعاملت بها سوريا مع حكومة السنيورة، ومع الوسطاء الدوليين والاقليميين بدءاً بفرنسا والمانيا وانتهاء بالمبادرة العربية التي حملها عمرو موسى باسم العرب. ومن المؤكد ان ميقاتي يسعى الى الاحتفاظ بشعرة معاوية وبتغليب ديبلوماسية المصلحة الوطنية على أي قرار آخر قد يؤدي الى تصدع الوحدة الوطنية. في حين يرى الوزير مروان حمادة ان الاهانة التي أُلحقت بالرئيس السنيورة من طريق دعوته بواسطة وزير مستقيل لا يعترف بشرعيته، كانت بمثابة اهانة وطنية لدستورية المقام الذي يمثل الغالبية النيابية والشعبية. بهذا اختار المقاطعة باعتبارها اقل ثمن يدفع للدول التي أيدت الشرعية الدستورية في مواجهة مطالب تعجيزية لا ترضى بأقل من تعطيل دور الحكومة ومؤسسات الدولة، ثمناً للتعاون والمشاركة.

وفي هذا يقول السنيورة ان لبنان الغائب، ستظل قضيته حاضرة في قمة دمشق بواسطة الدول المدافعة عن حق لبنان في ممارسة نظام ديموقراطي تعددي يوفر لأبنائه العيش الكريم في وطنهم لا في الأوطان الاخرى حيث شردتهم سياسة المعارضة.

ولكن، هل صحيح ان دمشق ستركز اهتمامها على حل مشكلة الرئاسة في لبنان، أم ان جدول اعمال هذه القمة يعنى بأمور اخرى أكثر ارتباطا بازمة النظام العربي وبمراجعة الاستراتيجية العربية للسلام؟

يقول الصحافيون الذين تابعوا اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الخميس الماضي، أن المناقشات تجنبت القضايا القابلة للانفجار مثل قضية تغلغل إيران داخل المجتمعات العربية والاسلامية. وحمل ثلاثة اعضاء من الوفود ملفات مزودة بالقرائن حول تمدد النفوذ الايراني في لبنان والعراق وسوريا وغزة واليمن والكويت والبحرين والصومال وافغانستان واريتريا. ويتوقع هذا الفريق في مطالعاته ان تحل ايران محل السعودية ومصر في نظام اقليمي جديد سيتنامى على حساب تلاشي نتائج قمة الاسكندرية المصغرة كانون الاول 1994. أي القمة الثلاثية التي اثبتت النظام العربي على معادلة حققت توازنا دقيقاً بين السعودية ومصر وسوريا.

يرجح الديبلوماسيون في دمشق ان يتضمن الموقف السوري عرضاً لمراجعة كاملة تتعلق بمشروع السلام العربي – الاسرائيلي، بدءاً بمؤتمر مدريد (1991) وانتهاء بمبادرة السلام في قمة بيروت (آذار 2002). ومع ان الرئيس بشار الاسد حاول ترميم الخلافات التي نشأت عقب غزو العراق، إلا أن تحالفه مع ايران لم يسعفه على معالجة الانقسام بطريقة تؤدي الى وضع مبادرة سلام بديلة، علما بأن وزير خارجيته وليد المعلم لمّح الى ضرورة اعادة النظر في المبادرة اذا لم تثبت اسرائيل نيتها في السلام. وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض أي تعديل او تغيير على المبادرة عقب محادثاته مع العاهل الأردني عبدالله الثاني.

رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود أولمرت رد على هذا التشكيك بحديث الى صحيفة “معاريف” قال فيه ان المواقف العربية غير متجانسة مثلها مثل المواقف الفلسطينية المثلثة الزوايا. ذلك ان “حماس”، في رأيه، لا يمكنها القبول والاعتراف بالدولة العبرية، في حين تطالب القيادة في رام الله بضرورة مواصلة محادثات أنابوليس.

وبين هذين الموقفين المتعارضين يطل فلسطينيو الشتات لتأييد المحورين. وهو يرى ان موقف “حماس” من وجود اسرائيل يتلازم مع موقف “حزب الله” الذي أعلنه السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، وبشر بزوال اسرائيل في المستقبل المنظور. ومثل هذه التوقعات، كما وصفها أولمرت، تستمد سياستها من العقيدة التي يسوقها الرئيس الايراني احمدي نجاد، وفي الدعوة الى ازالة اسرائيل من الوجود.

يجمع المراقبون على القول ان الانقسام داخل النظام العربي اصبح حقيقة راسخة ساعدت قمة دمشق على اظهارها الى الملأ. وبسبب تذبذب بعض الدول العربية التي تمثلت في القمة بأعلى المستويات خوفاً من ايران على أمنها واستقرارها… وبسبب تردد اسرائيل في تنفيذ المبادرة العربية، أصبحت القمم العادية والاستثنائية منابر لانتاج ازمات جديدة كأزمة لبنان وازمة الخيارات الاستراتيجية للسلام.

أعلن وزير الثقافة اللبناني (الخارجية بالوكالة) طارق متري أن قرار الحكومة بعدم المشاركة في قمة دمشق لن يمنع السنيورة من مخاطبة القادة العرب من خلال كلمة او مذكرة. وكان بذلك يشير الى الخطاب الذي أعده الرئيس السنيورة للبث عبر شاشات التلفزيون عوضاً عن الخطاب الذي لم يلقه في قاعة المؤتمر. قد نصحه وليد جنبلاط بألا يغامر ويرسل كلمته عبر الهاتف مثلما فعل ياسر عرفات في قمة بيروت (2002) يوم منعته اسرائيل من السفر. وكانت النتيجة ان الرئيس اميل لحود تدخل – بناء على طلب سوريا – وامر جهاز الامن العام بضرورة التشويش على الكلمة بحيث وصلت الى القمة متقطعة، مجتزأة مثل القضية الفلسطينية.

بقي ان نذكّر بكلام البطريرك صفير الذي قال لعباس زكي، ممثل منظمة التحرير في لبنان، إن الوطن الصغير قد يصبح نسخة ثانية عن قضية فلسطين!

(كاتب لبناني مقيم في لندن)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى