مناقشة مع الكاتب الفلسطيني الأستاذ سلامة كيلة حول قضايا فلسطينية ساخنة
كاظم حبيب
قبل البدء بالنقاش مع الأخ الأستاذ سلامة كيله لا بد من أن نعي بأن المهمة المركزية التي تواجهنا الآن جميعاً تتلخص في العمل الحازم والمثابر والدءوب من أجل إيقاف الزحف الإسرائيلي والعدوان على غزة وإيقاف القتال وعودة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها السابقة وإيقاف القصف الجوي وإيقاف نزيف الدم الفلسطيني , فهي المهمة المركزية التي يفترض أن تواجه جميع الناس في كل أنحاء العالم والجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. ونحن نعرف بأن هذا لن يتم ما لم تتوقف حماس وبقية الفصائل عن توجيه الصواريخ صوب المدن الأسرائيلية. ولهذا لا بد من إيقاف هذه الصواريخ من جانب حماس والجهاد الإسلامي أيضاً.
كنت أتوقع ردود فعل مختلفة حول مقالي الموسوم “شعب غزة بين المطرقة والسندان , بين عدوان إسرائيل وحماس إيران” المنشور على صفحات الحوار المتمدن بتاريخ 4/1/2009. فقد وصلتني رسائل مرحبة وأخرى مسيئة وسيئة. ثم قرأت المقال الهادئ والرصين للأستاذ الفلسطيني الفاضل سلامة كيلة الذي نشره اليوم 5/1/2009 في (الحوار المتمدن – العدد: 2518 – 2009 / 1 / 6 ), المناضل من أجل بناء المجتمع المدني الديمقراطي في سوريا بدلاً من الدكتاتورية الغاشمة القائمة حتى الآن , الذي يناقش فيه مقالي على صفحات الحوار المتمدن تحت عنوان “الحرب على غزة من منظور العقل الليبرالي”. وقد ركز نقاشه حول عدد من القضايا الفكرية و السياسية الواردة في مقالي. ويمكن العودة إلى مقاله للإطلاع على ملاحظاته , ولكن سألخصها في النقاط التالية التي تستوجب النقاش:
1) يقول الزميل كيلة إنه متألم من طريقة طرحي للمشكلة بين إسرائيل وفلسطين لأن “المسألة تتعلق بالأسس التي بات ينطلق منها د. حبيب، والتي تتنافى مع أبسط مفاهيم الماركسية، كما مع أبسط القيم التي تتعلق بوطن في وضع احتلال، وبدور الماركسيين فيه”.
2) ويقول بأن تقريعي لحماس يقوم على مبدأين يرفضهما , وهما : “الأول، هو الانطلاق من “حقيقة” وجود الدولة الصهيونية كحقيقة نهائية لا تحتمل التفكير فيها بغض النظر عما يجري في الواقع، وبغض النظر عما تريده هذه الدولة. والثاني، الرفض المطلق لـ “النزاع العسكري”، والعمل المسلح لأنه يعقد الوضع، والجزم بـ “النضال السلمي”، و”الطرق التفاوضية”. والتذرع هنا بميزان القوى المختل”.
3) واستناداً ذلك يقول السيد كيلة بأن د. حبيب لم يلحظ “بأن هذه السياسة كانت في صلب السياسات التي همشت الحركة الشيوعية”.
4) ثم يقول بأن د. حبيب حين يتذرع “بميزان القوى يكون كمن ينطلق من أن لا ضرورة لأي صراع، لأن الصراع يبدأ بين قوي وضعيف”. ثم يقول : “إن مبدأ الماركسية الأول هو التفكير في كيفية تغيير ميزان القوى، وليس القبول بالوضع القائم. كيفية تطوير الصراع وليس إتباع “النضال السلمي” وطريق التفاوض. فالأساس هو الصراع وليس التفاوض. والعكس هو طريق الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية الذي لاحظنا أين وصل، وليس طريق الماركسية”.
5) وأخيراً يرى بـ ” أن ليست “الإرادة الذاتية” لمثقف هي التي تحدد التاريخ، بل أن توافقها مع “إرادة الشعب” هي من يفضي إلى ذلك. ولقد بات واضحاً للشعب الفلسطيني بأن “النضال السلمي” وطريق التفاوض كلها لا تعني شيئاً”.ثم يرى “بأن هذه المسألة التي لم يفهمها اليسار هي التي قادت إلى تهميشه، وسوف تقود إلى موته. لأنه يعيش خارج الصراع الحقيقي، يعيش في الأوهام والأحلام، والأماني. وينحكم لـ “إرادة ذاتية” لتطور المجتمعات”.
6) القوى تتطور وتقوى عبر الصراع وليس من خلال تهدئته. ومن خلال وعي التناقضات والفعل فيها. ووعي ميول الطبقات المسحوقة والشعوب المضطهَدة. وليس عبر التنازل عن الحقوق بحجة ميزان القوى أو بحجة الأمر الواقع. والصراع مع الرأسمالية أمر بديهي لماركسي. وكذلك الصراع من أجل الاستقلال. ألم تكن هذه هي “وصية الرفيق فهد”؟ وأيضاً القبول بالدولة الصهيونية، حيث أصر على رفضها حتى وهو يتقدم نحو المقصلة؟
هذه هي النقاط الرئيسية التي تستوجب النقاش حولها مع الأستاذ الفاضل سلامة كيلة. وابتداءً أود أن أشير إلى أن هناك اختلافاً واضحاً في المواقف بيني وبين الأستاذ كيلة حول القضايا الواردة في أعلاه. وإذ أحترم كل الاحترام وجهات نظره بشأن الموقف من إسرائيل ومن الوضع في فلسطين ومن صراعات القوى فيها , فلي وجهة نظري الخاصة وفهمي للماركسية الذي أختلف فيه مع ما طرحه في مقاله. وهذه الرؤية لا دخل لها مع موقف الحزب الشيوعي العراقي الذي يعبر في صحافته عن رأيه بشأن المسألة الفلسطينية والموقف من إسرائيل . وفي مقالي المذكور في أعلاه عبرت عن رأيي المستقل عن رأي الحزب الشيوعي العراقي , سواء أتفق هذا الرأي مع الحب الشيوعي أم اختلف. ولهذا يفترض أن لا يجير هذا الموقف على الحزب الشيوعي العراقي بل هو موقفي الشخصي , وأنا إنسان يساري مستقل وغير منتم لأي حزب من الأحزاب السياسية العراقية أو غيرها.
أولاً : لا أتفق مع الزميل سلامة كيلة بأي حال حين يرى بأن ما أطرحه يتعارض مع أسس الماركسية ويتنافى مع أبسط مفاهيم وقيم الماركسية , بل اراها منسجمة تماماً. والماركسية يا أخي الفاضل ليست نظرية جامدة وقوالب ثابته ومفاهيم غير متحركة وقيم غير متطورة , بل منهج علمي مادي ديالكتيكي للتحليل والاستنتاج والعمل من أجل التغيير. والتغيير لا يتم عبر قوى أصولية إرهابية من جماعات الأخوان المسلمين الأكثر تطرفاً وعنفاً وقسوة , ومنهم جماعات القاعدة وحزب الله الشيعي المتطرف , بل يتم عبر وعي الواقع وموازين القوى وسبل التأثير على تلك الموازين لتغييرها لصالح الحركة الوطنية وتطورها وتحقيق أهدافها. والماركسية , التي توصلت إلى اكتشاف قوانين التطور الاجتماعي والقوانين الاقتصادي الموضوعية , تضع على عاتق القوى السياسية التي تمارس المنهج المادي الديالكتكي , وعي الواقع وتحديد أساليب النضال التي تنسجم مع قراتها النضالية , وليس المبالغة بقدراتها والتقليل من قدرات الطرف الآخر أو العدو , سوى أكان طبقة اجتماعية أم دولة. ومن هنا لا يجوز ابتداءً للسيد سلامة كيلة أو لي احتكار فهم الماركسية أو أن يفرض أحدنا نفسه قيماً عليها ومفسراً لها , كما لا يجوز اعتبار من يختلف معه في التحليل والموقف مخطئاً! فمثل هذه المواقف أصبحت من الماضي الذي يفترض أن لا يعود , إذ قاد كل القوى اليسارية إلى مشكلات كبيرة وعواقب وخيمة ولم يعد هذا مقبولاً , بل الأصوب هو النقاش حول القضايا المطروحة واتخاذ الموقف الذي يراه الشخص أو الحزب صحيحاً , رغم احتمال وقوع أي إنسان أو أي حزب من الأحزاب بخطأ التحليل والاستنتاج.
ثانياً: يبدو لي أن الأخ سلام كيلة لم يقرأ مقالات لي كثيرة بشان هذه الموضوعات أولاً , كما لم يقرأ كتبي التي أتطرق فيها إلى موضوع إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك أقول بوضوح كبير. لم يعد مقبولاً , وفق رأيي , الحديث عن إزالة إسرائيل , فهي دولة قائمة وعضو في الأمم المتحدة وشعب معترف بوجوده دولياً, وهي حقيقة واقعة بغض النظر عن سياساتها التي يفترض البحث فيها وإدانة الاحتلال والتوسع والعدوان. ومن جانب أدنت ولا أزال أدين ثلاث مسائل أساسية في سياسات ومواقف إسرائيل , وهي:
1 . رفض وإدانة سياسات إسرائيل التوسعية على حساب الأرض العربية واستمرار احتلالها للأراضي العربية في فلسطين منذ حرب العام 1967 , وضد احتلال الأراضي العربية الأخرى في الجولان ومزارع شبعا ورفضها تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص , إضافة إلى رفض إقامة المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية , والمطالبة بإنهاء الاحتلال والنضال من أجله بناء الدولة الفلسطينية الوطنية الديمقراطية بحدود العام 1967 وقبل وقوع الاحتلال وعاصمتها القدس الشرقية.
2 . إدانة سياسات الحكومات الإسرائيلية التي تعمل على المماطلة وتعطيل المفاوضات السلمية والتي تراهن على استمرار انتزاع لمصادرة المزيد من اراضي فلسطين وفرض الأمر الواقع.
3 . إدانة العقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني , سواء أكان بتدمير بيوت عائلات الانتحاريين أم غيرها أم عبر فرض الحصار الاقتصادي وغلق المعابر وبناء السور ضد الشعب الفلسطيني في غزة أو في غيرها.
لقد أقرت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية على أنها تناضل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية بالطرق السلمية وعبر المفاوضات. وأنا أويد هذا الموقف , وبالتالي أبدي رأيي بموقف حماس والجهاد الإسلامي الذي قاد إلى شق وحدة منظمة التحرير الفلسطينية وتنفيذ عملية إنقلاب على الحكومة الشرعية بدعم من إيران وحزب الله على نحو خاص. وأنا أتحدث هنا عن القضية الفلسطينية ولا أعمم الأمور , رغم أني أميل هنا إلى حل المشكلات الدولية بالطرق السلمية وعبر المؤسسات الدولية والإقليمية. وموقف حماس والجهاد الإسلامي يطرح شعار إزالة الدولة الإسرائيلية وهو يتنافى مع موقف منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بوجود الدولة الإسرائيلة بحدود العام 1967. وموقف قوى الإسلام السياسي الفلسطينية يتناغم ويتفق مع مواقف إيران في إعلامها الداخلي والخارجي الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل وإزالتها من الخارطة والتي لا تعني سوى المزيد من الحروب والدمار والموت في المنطقة , هذه المواقف التي رفضها الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي ولا يجلب للقضية الفلسطينية سوى الأذى وللشعب الفلسطيني سوى المزيد من الآلام والموت والدمار. ومن حق الزميل أن يتبنى الموقف الذي يراه مناسباً , ولكن ليس من حقه فرضه على الآخرين , كما أعبر عن رأيي وليس من حقي فرضه على الآخرين.
إن شعار إزالة إسرائيل لا يعبر عن سياسة واقعية وعقلانية , بل يعبر عن رغبة ووهم لا غير , وهو لهذا السبب يلحق أفدح الأضرار بالحركة الوطنية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني. وهذا الشعار طرحته ومارسته القوى القومية والإسلامية السياسية اليمينية المتطرفة على مدى ستة عقود وهو الذي ساهم بقوة إلى ما نحن عليه اليوم في فلسطين وما تبقى منها للعرب. وهذا لا يعني الإقرار بما تقوم به إسرائيل , بل لا بد من رفضه وإدانته والاتفاق على أسلوب النضال الذي اتفقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية بقواها الأساسية , وليس اتباع سياسة إيران.
ثالثاً: يفترض أن لا يغيب التحليل الجدلي عن النقاش في قضايا ساخنة كالتي نناقشها اليوم. فمن الذي تهشم حقاً في العالم العربي ؟ لم تتهشم الماركسية كمنهج علمي مادي جدلي , بل الذي تهشم هو سياسات القوى القومية اليمينية ونظمها السياسية الاستبدادية القمعية والشوفينية , وستتراجع بقوة قوى الإسلام السياسي اليمينية والمتطرفة والإرهابية في فترة غير بعيدة , في حين ستأخذ قوى اليسار الديمقراطي مواقعها النضالية المتقدمة في مجتمعاتها بعد أن تتخلص من سياساتها السابقة التي انطلقت من الرغبات ولم تستند إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد في الدول العربية ومن تلك الشعارات التي لا تنسجم مع طبيعة المرحلة التي يمر بها نضال شعوبها. إن الذي سقط ليست الماركسية , بل المدرسة الستالينية واللينينية , وهو ما يفترض أكيده , إذ لا بد من التمييز بين الاثنين.
إن شعارات بناء الاشتراكية في مجتمع لا يزال يعيش في مرحلة الإنتاج الأبوي أو العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية هو الذي سقط , وليست الشعارات الديمقراطية والتحرر من الهيمنة الأجنبية الاستعمارية وإقامة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية على أنقاض العلاقات شبه الإقطاعية. إن قفز المراحل هو الذي سقط , وليس النضال العقلاني لتغيير وبناء المجتمعات الوطنية والديمقراطية من جانب القوى اليسارية الماركسية. والاشتراكية , كما في تحليلات ورؤية ماركس , مرحلة لاحقة للمرحلة الرأسمالية , وعلاقات الإنتاج الرأسمالية المتقدمة هي القاعدة المادية التي تزيل علاقات الإنتاج الإقطاعية أو شبه الإقطاعية وتوفر مستلزمات التحول صوب الاشتراكية. فهل كانت المجتمعات في الشرق الأوسط , ومنها مجتمعاتنا , ناضجة للبناء الاشتراكي أو لرفع شعارات من هذا النوع؟ لم تكن كذلك , ولهذا تعرضت الحركة الشيوعية في الدول العربية إلى هزة شديدة , ولكنها بدأت تعيد النظر في الفكر والسياسة وتراجع تاريخها وتطرح شعارات أكثر عقلانية وواقعية وملموسية. وبغير ذلك ستفشل في تعبئة الناس حولها والسير بهم صوب التغيير الديمقراطي والسلمي المنشود.
رابعاً : نعم لا بد من العمل من أجل تغيير موازين القوى , ولكن كيف؟ كلنا يدرك بأن السياسة هي فن الممكنات وليس فن الرغبات , وهي بالتالي علم وفن. وعليه ليس من حقي أن أغامر في السياسة , إذ أن للمغامرة عواقب وخيمة لا على الفرد أو هذا الحزب أو ذاك بل على الشعب كله وعلى القضية ذاتها , خاصة وأن هناك أساليب وأدوات نضالية أخرى يمقدورها تحقيق الأهداف على صعوبة الدرب السلمي. لا شك في أن من واجبنا إدانة السياسة الإسرائيلية وسياسة الاحتلال والعدوان بقوة , وخاصة سياسة الاجتياح البري الجارية حالياً . ولكن علينا أن ندقق في ما حصل في غزة وكيف تطورت الأمور منذ وقوع الانقلاب فيها , وكيف عمدت حماس إلى ضرب وتدمير تنظيمات فتح ورمي مناضليها في المعتقلات واعتبارهم خونة ضد القضية الفلسطينية , وهذا يمكن أن يحصل لكل القوى السياسية الأخرى إذا ما استطاعت حماس فرض نفسها على الواقع الفلسطيني وبدعم إيران وقوى أخرى ..الخ. ونموذج حماس الأعلى حالياً هو غيران وسياساتها الداخلية والإقليمية والدولية وإزاء إسرائيل , وهو مماثل لما تبناه حزب الله في لبنان أيضاً. علينا أن ندرك ما تريده حماس من إنهاء حالة التهدئة مع إسرائيل التي أقرت بوساطة مصرية , وهي التي تدرك بأنها غير قادرة على مواجهة إسرائيل , بل الحصيلة سقوط الكثير من الضحايا الفلسطينية من دون نتائج إيجابية لصالح الشعب الفلسطيني. علينا أن نتعامل مع هذه الأمور بعقلية منفتحة , واعية وموضوعية وليس بعواطفنا , علينا أن نمتلك عقلاً بارداً قلباً دافئاً على قضية الشعب الفلسطيني وليس العكس , إذ لا تقود العواطف إلا إلى المزيد من العواقب السلبية المحزنة. وها نحن أمام ما كانت تسعى إليه القوى الأكثر يمينية وعنصرية وتشدداً في إسرائيل التي تهلل لما يجري في غزة والتي تتوجت بعملية عدوانية وقحة هي اجتياح غزة بعد أن دمرت الكثير من البنى التحتية عبر ضرباتها الجوية.
أخي الفاضل , الماركسية تقول “أن السياسة فن وعلم الممكنات” وليس المغامرات وليس التضحية بمزيد من الناس الشهداء والمزيد من الحرمان والعذابات دون طائل. إن ميزان القوى في القضية الفلسطينية لا يعتمد على القوى الداخلية فحسب , بل وعلى القوى والدول الإقليمية والدولية. وعملية تغيير ميزان القوى لا تتم بهذه الصيغة التي تمارسها حماس التي هي ليست لصالح الشعب الفسطيني بل استجابة لنهج إيران في المنطقة , بل إن هذه السياسة تزيد من تدهور ميزان القوى في غير صالح الحركة الوطنية الفلسطينية. وهو ما نعيشه اليوم في النزاع المسلح الجاري في غزة. علينا أن نلاحظ التناسب بين عدد قتلى وجرحى الفلسطينيين وعدد قتلى وجرحى الإسرائيليين في هذه الأيام السبعة منذ بدء العدوان الجوي وثم الاجتياح البري.
الماركسية لا تعلم هكذا بأي حال , بل هذه تعاليم المدرسة الخمينية البائسة وتعاليم القاعدة المماثلة لها من حيث المبدأ والجوهر , التي كانت تبعث بأطفال إيران إلى جبهات القتال وهم يحملون مفتاح الجنة في رقابهم ومات الآلاف منهم وهم يهرولون إلى ساحات المعارك المزروعة بالآلغام أو حصدتهم المدافع العراقية. وهي ذات المدرسة التي يتبعها حسن نصر الله في لبنان. وهكذا عمدت قوى القاعدة ومن يؤيدها في العراق والعالم العربي إلى إرسال أطفال ونساء إلى الموت عبر الأحزمة الناسفة ليقتلوا بنات وأنباء الشعب العراقي بذريعة مقاومة الاحتلال. كم أتمنى على بعض قوى اليسار في العالم العربي أن تكف عن هذه الأساليب البائسة في تأييد مثل هذه القوى الشريرة. العراق هو الذي يستطيع الخلاص من الاحتلال وليس تلك القوى البعثية والقومية اليمينية وقوى افسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التي أغرقت الشعب العراقي بالدم والدموع ومارست تدمير اقتصاد العراق وحياة الناس لسنوات ست عجاف , إضافة على ما فعله البعث وصدام طيلة عقود في العراق وحروبه العدوانية ضد غيران وضدج الكويت وضد شعبه واستخدامه الكيماوي في ضرب الشعب الكردي في حلبجة كردستان العراق الذي سكتت عنه الغالبية العظمى من المثقفين العرب والشعوب العربية.
اليسار الديمقراطي والعقلاني والواعي لن يموت ايها الأخ العزيز , بل تلك الحركات الإسلامية السياسية والقومية الشوفينية الإرهابية هي التي سوف تلفظ أنفاسها وأن طال الزمن.
خامساً: لقد أُجهد الشعب الفلسطيني وأرهق بالصراعات والنزاعات الدموية. وأن تصويته لحماس لم يأت بسبب تأييده لسياسة حماس المغامرة والمتطرفة والعسكرية , بل هو يتطلع إلى الحرية والسلام والديمقراطية , ولكنه أيد حماس في الانتخابات لثلاثة أسباب اتمنى على الأستاذ الفاضل لام كيلة أن يمعن النظر فيها ويدرسها بهدوء وعناية:
1. إنها بسبب السياسيات اليمينية المتطرفة والتوسعية التي مارستها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأخلت بكل اتفاقاتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ومع الرئيس الفلسطيني الراحل السيد ياسر عرفات.
2. لمعاقبة قيادة منظمة التحرير الفلسطيني , وخاصة قيادة فتح , بسبب الفساد المالي والإداري الطويل الذي مارسته تلك القيادات والقوى , وخاصة قيادات فتح باعتبارها أكبر التنظيمات في المقاومة الفلسطينية , التي أدت إلى تراجع شعبية ومصداقية هذه المنظمة وقادتها لدى المجتمع الفلسطيني , والذي تسبب بحصول أحباط شديد انتهى إليه المجتمع من هذه القوى والذي استثمر بذكاء وأموال سعودية وأيرانية من جانب قوى حماس للحلول محل منظمة التحرير الفلسطينية وتبويشمواقعها في صفوف الشعب الفلسطيني وفي الشتات.
3. أسلوب الدعاية الذي مارسته قوى الإسلام السياسي مستغلة الإحباط والعوز الذي كانت تعاني منه جماهير الشعب الفلسطيني , والدعم الذي حصلت عليه حماس من إيران وسوريا ومن الأخوان المسلمين في شتى بقاع العالم.
أي أن نجاح حماس لم يحصل بسبب تأييد الشعب لها ولأساليبها العنفية , بل بسبب الغضب الشعبي المتراكم على قيادات منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة فتح التي لم تلتزم بقواعد وأسس العمل الذي قامت على أساسه المنظمة والحركة النضالية الفلسطينية.
وأشير هنا مؤكداً بأن ليست ارادة هذا المثقف أو ذاك , بل وأضيف عليه , بأن ليست إرادة هذا الحزب أو ذاك , كما وليست إرادة هذا الشعب أو ذاك وحدها قادرة على إحداث التغيير , بل لا بد من معرفة الواقع الموضوعي واتجاهات تطوره والقوى الفاعلة فيه وميزان القوى وسبل تغييره والأساليب التي يفترض ممارستها في النضال. إرادة الشعب ضرورية , ولكنها ليست كافية , بل لا بد من سياسة عقلانية وواقعية تستند إلى حقائق الوضع القائم. فلم يعد قول الشاعر التونسي مطابقاً للواقع رغم ان الإرادة ضرورية كبداية وأعني بذلك:
إذا الشعب يوماً اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
سادساً: كنت أتمنى على الأخ الفاضل سلامة كيلة أن يكون قد قرأ الكتاب المشترك (كاظم حبيب وزهدي الداوودي) الموسوم ” فهد والحركة الوطنية في العراق” الذي صدر عن دار الكنوز الأدبية ببيروت بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد القائد الوطني والشيوعي العراق يوسف سلمان يوسف (فهد) حيث عالجنا فيه موقف الحزب الشيوعي من القضية الفلسطينية وتقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل , كما عالجت الموقف في كتابي عن يهود العراق الصادر في العراق في العام 2006. في حينها أيها الأخ الكريم وافق الحزب الشيوعي العراقي , ومعه فهد , على التقسيم وإقامة الدولتين على أرض فلسطين في ضوء قرار ستالين بالموافقة على قرار التقسيم ووصول تقرير من الدكتور يوسف إسماعيل عن المشكلة الفلسطينية التي أيد فيها قرار التقسيم. وكان فهد غير مرتاح من الموضوع , ولكنه أيده في المحصلة النهائية. وكان الزب الشيوعي متأثراً بقرار بالموقف السوفييتي , علماً بأن الحزب الشيوعي قبل ذاك كان يناضل بصلابة ودأب ضد الصهيونية وضد تقسيم فلسطين وشكل لهذا الغرض عصبة مكافحة الصهيونية شارك فيها كثرة من اليهد والعرب الشيوعيين والديمقراطيين. أي أن اعتراف الاتحاد السوفييتي بالتقسيم أجبر الحزب الشيوعي العراقي على الاعتراف بإسرائيل. ولكن الحزب الشيوعي رفض باستمرار وأدان واحتج على سياسات إسرائيل العسكرية والتوسعية. وهو موقف سليم. وكان الاعتراف بقرار التقسيم وغقامة الدولتين على الأرض الفلسطينية الذي رفضه الحكام العرب قبل شعوبها , قد ساعد على ما نحن عليه اليوم في فلسطين , إذ أن أغلبهم إن لم نقل كلهم قد خان القضية التر رفضوا الاعتراف بها وأثخنوا الفلسطينيين بالجراح.
التهدئة ضرورية ليس من أجل التهدئة فحسب , بل ومن اجل توفير مستلزمات التفاوض السلمي وقطع الطريق على ألاعيب إسرائيل وإزالة ذريعة الحكومة الإسرائيلية في إيقاف التفاوض أو توجيه الضربات الجوية ضد غزة بسبب الصواريخ العبثية التي تطلقها قوات حماس والجهاد الإسلامي صوب المناطق المدنية. التهدئة في مرحلة معينة تكون ضرورية وإيجابية , وهي شكل من اشكال الصراع ايضاً. كما أن التهدئة لا تعني إيقاف الصراع أو فضح إسرائيل. ولكن حماس كانت تعمل بكل ما تملك من إمكانيات من أجل تشديد التوتر وصب الماء في طاحونة إسرائيل والقوى الأكثر يمينية فيها والتي أدت إلى ضرب غزة. وقبل ليلة واحدة من الأجتياح البري كان خالد مشعل يهدد بالويل والثبور لإسرائيل ويؤكد بعد اليوم السابع من القصف الجوي ما يلي: “إن غزة بخير، والمقاومة بخير، وبنيتها التحتية بخير، ولم تخسر إلا القليل القليل جدا”, فماذا حصل؟ وهل يمكن تصديق هذا الرجل؟ دخل القصف الجوي يومه العاشر ودخل الزحف البري والقتل المستمر يومه الثاني ولم يتحقق إلا المزيد من الموت والدمار وتشريد العائلات الفلسطينية في غزة. ألا يذكرنا هذا بمواقف صدام حسين وعنجهيته في حرب الخليج الثانية في أم المعارك وكذلك في حرب الخليج الثالثة وفي أم الحواسم السيئة الصيت؟ ألا يذكرنا هذا بمواقف حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل وما لحق لنان وشعبها من تدمير وموت كثير , ثم اعتذاره لأنه لم يكن يقدر أن الجواب الإسرائيلي سيكون بتلك الصورة التي وقعت فعلاً؟
أيها الأخوة الكرام نحن بحاجة إلى وعي الواقع والتعامل معه بمسئولية كبيرة لصالح الشعب العربي في فلسطين ولصالح السلام في المنطقة.
إن العنجيهة والادعاء لا يقودان إلى نتائج طيبة للشعب الفلسطيني , بل أن حساب ميزان القوى المحلي والإقليمي والدولي وتقدير القوى وقوى العدو واختيار اساليب النضال المناسبة هي التي تساهم في التقدم إلى أمام وفي بلورة الصراع ووجهته وقواه والوصول إلى نتائج ملموسة في مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة.
5/1/2008 كاظم حبيب