عـروبــة
ساطع نور الدين
في الفترة الماضية تساءل أكثر من مسؤول أميركي عما اذا كان يمكن لقمة دمشق العربية أن تنجح بغياب لبنان ورئيسه. جرى تفسير هذا الموقف باعتباره دعوة أميركية الى مقاطعة القمة. وهو استخلاص بسيط بالمقارنة مع المسألة الأكثر جدية، وهي ان لدى أميركا معاييرها الخاصة لنجاح القمم العربية أو فشلها، لا تقتصر على الحضور ومستواه، وتتعدى طبعا فكرة التضامن مع لبنان.
أوحت واشنطن من خلال هذه التصريحات التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ القمم العربية، أنها معنية بشكل خاص بقمة دمشق، ودخلت في منافسة ضمنية مع القيادة السورية حول مستوى التمثيل العربي، يفترض أن تحسم نتيجته قبل ظهر اليوم عندما يتضح العدد النهائي للزعماء العرب الحاضرين والمقاطعين.. وعندما يتحدد أول أسباب نجاح القمة أو فشلها، من وجهة نظر الاميركيين، وبناء على قياس نفوذهم العربي لدى معظم العواصم العربية، باستثناء الرياض والقاهرة اللتين كانتا قد قررتا الغياب قبل أن تخطر الفكرة في أميركا، ولسبب لبناني لا شك فيه، ولسبب ايراني لا جدال فيه ايضا.
لكن واشنطن لم تغامر برصيدها العربي الثمين فقط بالدخول في مثل هذه المنافسة الشكلية التي لا تكفي وحدها للحكم على القمة بالنجاح أو الفشل، لأنها تدرك سلفا أنها لا تستطيع أن تمنع جميع الزعماء العرب من الحضور، كما أنها تتوقع بلا شك أن يقرر أحدهم أو بعضهم أن يتحدى تلك التوصية الاميركية بالمقاطعة، تماما كما هو حاصل حتى الآن .. فقط من أجل التحدي. وفي هذه الحالة تكون أميركا قد خسرت تلك المعركة الدبلوماسية، حتى لو كان رئيس جزر القمر هو الوحيد الذي يترأس وفد بلاده الى القمة.
معركة المشاركة والمقاطعة كانت خاسرة منذ البداية، كما جميع المعارك السياسية التي خاضها الأميركيون في الشرق الأوسط على مدى السنوات السبع الماضية، لكنها بالتأكيد لم تكن الوحيدة التي تستهدف إبلاغ القيادة السورية أنها معزولة عربيا نتيجة تحالفها المثير للجدل مع ايران، ودعمها المثير للغضب للحلفاء اللبنانيين. وهي معركة ستحتدم بعد القمة، التي لم يعد بإمكان واشنطن الزعم انها فشلت، مثلما لن يكون بإمكان دمشق أن تعلن أنها نجحت.. ولن يكون بإمكان العاصمتين أن تعتبرا أنها كانت بمثابة تعادل. لكن سيكون بإمكان طهران من دون أدنى شك أن تدعي أنها لا تزال حاضرة بقوة في الوضع العربي، وطرفا مباشرا في أحد محوريه المتصارعين.
عندما تساءلت واشنطن عن نجاح قمة دمشق، أوحت بأنها ترغب برؤية رئيس الجمهورية اللبنانية يجلس بين بقية أشقائه من الزعماء العرب، مما يتيح للجميع الدخول في مناقشات جدية حول مختلف بنود جدول الاعمال العربي.. وعبرت بذلك ضمنا عن أعلى درجات الحرص الاميركي على العروبة، الذي قد لا يدركه أحد من الحاضرين أو الغائبين عن العاصمة السورية اليوم.