رصاص متدحرج أم “مؤامرة متدحرجة”؟
سعد محيو
هل تسعى “إسرائيل” وراء صواريخ حماس، أم وراء حماس، أم وراء ما هو أكبر من الصواريخ وحماس معاً؟
الرفض “الإسرائيلي” لكل عروض وقف إطلاق النار بدأ يوحي أن الشكوك حول وجود مخططات كبرى تتجاوز مسألة الصواريخ وربما تتجاوز حتى حركة حماس، قد تكون حقيقية.
فتسيبني ليفني لم تعد تتحدث عن ضرورة “وقف الإرهاب” في غزة وحسب، بل أيضاً عن الحاجة إلى “تغيير المعادلة في الشرق الأوسط”. والمحللون العسكريون “الإسرائيليون” يُلمحون إلى احتمال الانتقال من الحرب المحدودة الراهنة إلى غزو القطاع برمته. هذا في حين يهدد كل من اولمرت وباراك منذ أيام بتمديد الحرب إلى لبنان في أي لحظة.
قد تكون هذه مجرد جزء من الحرب السايكولوجية الضرورية في أي حرب. وقد يكون هدف الدولة العبرية النهائي هو بالفعل استعادة هيبة الردع التي فقدتها في حرب لبنان 2006 وإجبار حماس على وقف مقاومتها الصاروخية في اتجاه جنوب “إسرائيل”. لكن استمرار “تدحرج الرصاص” وتوسعه المتواصل في العملية العسكرية الراهنة، يفسح في المجال امام السيناريوهات الأخطر والاوسع.
كتب جون بولتون، السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة، قبل أيام: “حل الدولتين فشل ولامجال لإحيائه لأن السلطة الفلسطينية أفشلته وحماس قتلته. المخرج هو تطبيق مقاربة “الدول الثلاث” حيث تعود غزة إلى السيطرة المصرية، والضفة الغربية إلى السيادة الأردنية. هذا هو الطريق الوحيد للاستقرار في الشرق الأوسط”.
وبالمناسبة، مشروع بولتون هذا هو نفسه مشروع بنيامين نتنياهو، وربما الآن الثنائي ليفني- باراك.
وكيف يمكن تطبيق هذه المقاربة؟
ليس بالدبلوماسية بالطبع. فمصر لن تقبل بأي حال بإلقاء البطاطا الغزاوية الملتهبة، بكل ما تتضمنه من مئات آلاف الجائعين إلى حضنها. وهي تتوجس منذ أشهر عديدة بأن هذا قد يكون بالفعل المخطط البعيد “الإسرائيلي”. والأردن يخشى أن يؤدي هذا “الحل” إلى إحياء مشروع الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، بعد ان اعتقد أن اتفاقية وادي عربة قد ضمنت في شكل نهائي كيانه السياسي وحدوده الجغرافية.
التطبيق لا يمكن ان يتم إلا بالعنف. وعلى سبيل المثال، إذا ماتطورت العملية العسكرية “الإسرائيلية” الراهنة لتصبح اجتياحاً كاملاً لكل القطاع، فهذا سيدفع مئات آلاف الغزاويين إلى اللجوء إلى سيناء، الأمر الذي سيفرض على مصر أمراً واقعاً جديداً.
وكذا الأمر بالنسبة إلى الأردن والضفة الغربية إذا ما أفلت زمام التطورات العسكرية الراهنة عن نطاق السيطرة، ليس فقط في فلسطين بل أيضاً في لبنان. إذ إن توسّع الحريق الغزاوي إقليمياً سيقدم كل المبررات للقيادة “الإسرائيلية” كي تمضي قدماً في هدف “تغيير المعادلة في الشرق الأوسط” الذي أشارت إليه ليفني.
مشروع مجنون؟ حتماً.
لكن “الجنون” كان طيلة السنوات الستين الماضية الثابت الأول في تاريخ الدولة “الإسرائيلية” المتحوّل: من إحلال شعب مكان شعب في فلسطين، إلى تغيير كل خريطة الشرق الاوسط الكبير.