لماذا يتصرف النظام المصري كدرع لاسرائيل؟
خالد الشامي
بينما تستمر في غزة محرقة وقودها الاطفال والنساء، تشهد القاهرة معركة دبلوماسية ساخنة عنوانها الوحيد: من يخدع من؟
وفود من حماس واسرائيل وسلطة رام الله تتجاذب حبل الهدنة المهترئ الذي خشيت القاهرة ان تسرقه انقرة، فسارعت بتوجيه الدعوة لكل الاطراف. وليس السؤال ان كان الحبل سينقطع، ولكن متى؟
الاسرائيليون الذين وصلوا الى نهاية الطريق المسدود، مع عجزهم عن تحقيق اي انتصار عسكري بعد 17 يوما من المجازر، يريدون نصرا سياسيا واضحا وسريعا. والسيد عباس يطمح تحت غطاء الدعوة الى ‘وقف القتال’ الى تصفية حماس سياسيا، تعويضا عن فشل اسرائيل في تصفيتها عسكريا. اما المقاومة فتبدو رغم اكثر من ربع مليون طن من المتفجرات استهدفتها، الاكثر تماسكا سياسيا، كما على ارض المعركة. اما النظام العربي الرسمي فتم دفنه اخيرا دون مراسم تحت الركام في غزة، بعد ان كان مات يوم سقوط بغداد. واما النظام المصري فيواجه مأزقا اكثر تعقيدا مما يظن كثيرون، اذ يواجه ضغوطا متعاظمة، ويفشل في اتخاذ موقف منسجم مع مصالحه ناهيك عن مصلحة غزة، مسؤوليته التاريخية.
ومن منظور وطني بحت، يتعين على المسؤولين المصريين الذين يضغطون على حماس حاليا للقبول بقوات دولية في غزة، ان يعيدوا النظر في موقفهم، خاصة في ظل هذا التهافت الاسرائيلي الامريكي ‘العباسي’ على هذا التوجه، الذي يشكل النتيجة الحتمية لقراءة متوازية لقرار مجلس الامن 1860 والمبادرة المصرية، والذي يفسر عدم استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن.
ان تدويل غزة وما سيمثله من دعوة مفتوحة لتنظيمات التطرف العالمية الى المجيء الى ساحة المعركة الجديدة، قد يجعل النظام المصري يدفع ثمنا باهظا لرفضه التعامل مع حكم حماس بسبب هواجسه.
ومع تزايد البوادر على ان ثمن هذه المحرقة قد يكون باهظا لدرجة لا تستطيع حماس او غزة وحدها دفعه، لم يستطع الاسرائيليون اخفاء نواياهم طويلا في استخدامها لتمرير اجندة قديمة / جديدة في العودة الى سيناء تحت مزاعم منع تهريب الاسلحة.
وفي هذ الاطار جاء الطلب الاسرائيلي بنشر قوات امريكية على الجانب المصري من الحدود، واعلان ايهود اولمرت صراحة ان المطلوب ليس فقط وقف انطلاق الصواريخ من غزة، ولكن منع وصولها اصلا للقطاع. ما يعني حرف الانظار عن المحرقة وتحويل الضغوط المتزايدة على اسرائيل الى مصر باعتبارها المسؤولة عن الحدود.
بل ان صحفا اسرائيلية تحدثت عن ان رفض مصر لمنع تهريب الاسلحة لغزة سيدفع البعض للمطالبة باعادة النظر في معاهدة السلام التي ستحل الذكرى الثلاثون لتوقيعها بعد عشرة اسابيع، وكأنهم يستبقون تصاعد الدعوات المتوقعة في مصر ولالغاء المعاهدة التي فشل النظام في تعديلها ليتمكن من ارسال سبعمائة جندي باسلحة خفيفة الى حدود غزة. وهكذا لم تكن الخدمات القيمة التي قدمها النظام المصري في غزة، بدءا من غلق المعبر حتى امام المساعدات الغذائية والاطباء وانتهاء بالمبادرة، كافية لتعفيه من هذا التصعيد الاسرائيلي. ولم يجد الوزير ابو الغيط ما يرد به على كل هذا سوى ان الاسلحة تأتي لغزة عبر البحر، وان مصر لن تستجيب لطلب الشيخ حسن نصر الله بتزويد غزة بالسلاح.
وكان الوزير قال صراحة في حديث لقناة العربية ‘ان النضال والمواجهة ليسا الاسلوب الصحيح لمواجهة الاحتلال’. نعم قال هذا بينما تسقط القنابل على رؤوس الاطفال والأمهات في غزة.
ولا تشجع هذه الفوضى في ماكينة الدبلوماسية المصرية على التفاؤل بامكانية التوصل الى تسوية مقبولة للمقاومة التي تريد رؤية دليل على النفي الرسمي الذي اصدرته القاهرة للتقارير حول ابلاغ الرئيس مبارك ضيوفه الاوروبيين بعدم رغبته في انتصار حماس.
والسؤال هو لماذا يصر النظام المصري على ان يستمر في التصرف كدرع تحمي اسرائيل من اكتمال ما تعانيه من حصار شعبي واعلامي وسياسي عالمي، حتى بعد ان اصبح العدوان يستهدف علنا الأمن القومي المصري. لماذا لايسحب المبادرة في حال عدم قبول اسرائيل بها عمليا بوقف العدوان فورا، بدلا من استسهال الضغط على الطرف الاضعف.
ومن الأحق بالتلويح باعادة االنظر في معاهدة السلام؟ الذين انتهكوها الف مرة أم الذين دخلوا بسببها تحت حالة من ‘الانتداب’ غير الرسمي؟ وماذا ينتظر النظام بعد ان انتهكت الطائرات الاسرائيلية الاجواء المصرية، واصابت صواريخها شرطيين على الحدود؟ هل يجب ان يقصفوا القاهرة انتحرك؟
لقد حان الوقت لوقفة شاملة تعيد النظر في هذه السياسة التي تستدعي التغول الاسرائيلي على امن مصر وكرامتها. لقد حان الوقت لأن يتحمل النظام مسؤوليته او فليواجه العواقب، وهي اكثر فداحة مما قد يتخيل.
القدس العربي