مشروع مارتن إنديك: قوات دولية لكل فلسطين
هاني عصفور
على الأرجح أن توقيت الهجوم الإسرائيلي على غزة والذي يتزامن مع الانتخابات في إسرائيل في شباط المقبل وتنصيب الرئيس المنتخب باراك أوباما الشهر الجاري يأتي استباقاً لإطلاق عملية سلام شاملة في الشرق الأوسط. الهدف الأقصى لاجتياح غزة هو خلق الظروف التي تؤدّي إلى دخول قوات دولية إلى فلسطين. وجزء من الغاية وراء نشر هذه القوات هو تعزيز نظام الرئيس محمود عباس والسماح للزعيم الفلسطيني بأن يبسط سلطته على فلسطين بكاملها. فمن خلال المطالبة بدعم عسكري دولي، يسعى عباس إلى إنهاء العنف والاحتلال الإسرائيلي في الوقت نفسه. ويأمل أن يفرض شرعيته من جديد ويرسي أسس حل الدولتين كما هو منصوص عليه في القرار 1397 الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي عام 2002 بدعوة من الرئيس بوش ويتحدّث عن “دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، تعيشان جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها”، وقد رفضت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب “الليكود” اليميني الإسرائيلي، الاقتراح علناً.
مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في عهدي بيل كلينتون وجورج بوش الابن، هو أول من اقترح فكرة التدخّل العسكري الدولي في مقال في مجلة “فورين أفيرز” عام 2003 بعنوان A Trusteeship for Palestine “وصاية على فلسطين؟” الفكرة الأساسية هي استبدال الاحتلال الإسرائيلي بقوّة دولية تدرّب الفلسطينيين على الحكم الذاتي وتوجّههم إلى آلية تطبيقه، بينما توفّر الأمن لإسرائيل وفلسطين على السواء.
كرّر إنديك عرض الخطة في صيف 2007 بعيد سيطرة “حماس” على غزة. ففي تعقيب على مقاله في “فورين أفيرز”، يقترح أن تكون القوة الدولية “شريكة” للسلطة الفلسطينية – بدلاً من الحلول مكانها كما كان اقترح في البداية – في مسعى لبسط السيطرة على كامل فلسطين، بما في ذلك غزة. ويعتبر أن سيطرة “حماس” على غزة لا تقوّض هدف الوصاية في المدى الطويل، لكنّها توفّر فرصة لعزل “حماس” (سحبت “فتح” غالبية جنودها)، وخنقها (من خلال الحصار)، ثم تفكيكها (عقب اجتياح، وهذا ما نشهده الآن بصورة مأسوية).
إليكم ما كتبه إنديك: “في نهاية الأمر، إذا أصبحت صواريخ قسّام غير الفاعلة التي لا تنفكّ تسقط على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية أكثر فتكاً، فقد تُضطّر قوات الدفاع الإسرائيلية إلى القيام بتلك المهمة [تفكيك “حماس” في غزة]. لكن عند إنجاز المهمة، وسقوط عدد كبير من الضحايا لدى الجانبين، لن ترغب إسرائيل في المكوث دقيقة واحدة أكثر من اللازم. وعندئذٍ ستكون هناك حاجة إلى قوة دولية لمساعدة عباس على استعادة السيطرة هناك بصفته رئيس السلطة الفلسطينية المنتخَب ديموقراطياً”.
شارك إنديك منذ وقت قصير في وضع ورقة عن السياسات مع ريتشارد هاس، رئيس “مجلس العلاقات الخارجية”، وقد أكّد فيها من جديد الأجندة نفسها. في Beyond Iraq: A New US Strategy for the Middle East “أبعد من العراق: استراتيجيا أميركية جديدة للشرق الأوسط”، يقترح هاس وإنديك على أوباما أجندة عامة للشرق الأوسط، بما في ذلك تشجيع دولة فلسطينية ناشئة. يوصيان: “يتعيّن على الرئيس الجديد أن يرسي الأسس لنشر قوات دولية كجزء من اتفاقية حول الوضع النهائي، بهدف إقامة شراكة مع القوات الفلسطينية إلى أن تصبح قادرة على فرض الأمن في أراضيها”.
يستحقّ تأثير إنديك التوقّف عنده. فهو على علاقة وثيقة جداً بوزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس حزب العمل إيهود باراك، وتعود هذه الروابط إلى الفترة التي كان فيها سفيراً أميركياً ومساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى عندما كان باراك رئيساً لوزراء إسرائيل. ولاحقاً أصبح باراك زميلاً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث ودراسات موالٍ لإسرائيل شارك إنديك في تأسيسه. ويُعتبَر إنديك أيضاً أحد المستشارين الأساسيين حول المنطقة في فريق هيلاري كلينتون التي عيّنها أوباما وزيرة للخارجية في إدارته، وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، من المتوقّع أن يكون مبعوثها الخاص في الشرق الأوسط. عقب جولة في إسرائيل عام 2007، اقترح إنديك أن يعمد باراك الذي كان قد عُيِّن للتو وزيراً للدفاع، إلى اجتياح غزة لإفساح المجال أمام نشر قوات دولية: “يمكن أن ينتظر [الاجتياح] حتى يتولّى باراك دفة القيادة، كي تكون هناك ثقة أكبر من جانب الرأي العام بقرارات الحكومة… إذا لم يطرأ شيء آخر لوقف إطلاق الصواريخ، سوف يدخل الإسرائيليون لكنهم لن يدخلوا قبل وضع استراتيجيا ما، وحتى تفاهم ما يؤدّي إلى نشر القوات الدولية بعد دخولهم وتنظيفهم مخيّمات اللاجئين والمدن”.
يبدو أن زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق للرئيس جيمي كارتر، يؤيّد الخطة. لقد أدّى بريجينسكي بصفته أحد كبار مستشاري أوباما، دوراً أساسياً في وضع الأخير سياسة خارجية واقعية. بالفعل، يُعتبَر الرئيس المنتخب أحد محميّي بريجنسكي الذين يشملون أيضاً جوزف بايدن، نائب الرئيس المنتخَب، وروبرت غايتس، وزير الدفاع الحالي الذي سبق أن شاركه بريجينسكي في رئاسة فريق خاص حول إيران تابع لمجلس العلاقات الخارجية. في The Choice: Global Domination or Global Leadership (الخيار: سيطرة عالمية أم قيادة عالمية) (2004)، يتصوّر بريجينسكي قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منتشرة “على طول الحدود الإسرائيلية-الفلسطينية” كجزء من حل شامل.
في تقرير استشاري في صحيفة “واشنطن بوست” في تشرين الثاني الماضي بعنوان Middle East Priorities for January 21 (أولويات الشرق الأوسط في 21 كانون الثاني)، يصرّ بريجينسكي وبرنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأسبق في عهد بوش الأب، مرة أخرى على أن سلوك طريق الاستقرار في الشرق الأوسط يقتضي نشر قوات تابعة للحلف الاطلسي (الناتو) في فلسطين: “قد تكون هناك حاجة إلى شيء إضافي لمعالجة المشاغل الأمنية الإسرائيلية بشأن تسليم الأراضي لحكومة فلسطينية عاجزة عن حماية أمن إسرائيل من النشاطات الإرهابية. يمكن معالجة هذا الأمر عبر نشر قوة دولية لحفظ السلام، مثل قوة تابعة للناتو، ولا تحلّ هذه القوة مكان قوات الأمن الإسرائيلية وحسب بل تدرّب أيضاً القوات الفلسطينية كي تحقّق الفاعلية”.
إلى جانب إنديك وبريجينسكي، أحد أبرز مؤيّدي نشر القوة الدولية هو الجنرال المتقاعد جيمس جونز الذي اختاره أوباما مستشاره للأمن القومي. يقول دان كلايدمان في عدد هذا الأسبوع [الأسبوع الماضي] من مجلة “نيوزويك” بثقة: “قد يوافق أوباما على الأمر”، بما أن جونز “طوّر الفكرة عندما كان مبعوث كوندوليزا رايس للشؤون الأمنية الفلسطينية-الإسرائيلية”.
في خطابه الإذاعي الأسبوعي يوم الجمعة [2 كانون الثاني]، دعا الرئيس جورج بوش إلى اعتماد “آليات مراقبة” للتوصّل إلى حل طويل الأمد في غزة. في الوقت نفسه، أعلن غوردون دوغيد، الناطق باسم وزارة الخارجية بالإنابة، أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس “تنخرط بقوّة” مع القادة الدوليين من أجل التوصّل إلى “وقف دائم لإطلاق النار” لوضع حد لأزمة غزة.
الأسلوب المبتكر إنما المبهم الذي تعتمده الإدارة الحالية هو على الأرجح تغطية ديبلوماسية لتفادي الكشف عن الخطة قبل الأوان. ففي شكل أساسي، لا يزال كل من حزب “الليكود” وحركة “حماس” يعارض نشر قوة دولية وحل الدولتين. لكن يبدو أن “حماس” تغيّر موقفها تحت تأثير الضغوط. فقد خفّف أسامة حمدان، ممثّل حركة “حماس” في لبنان، في مقابلة مع قناة “الجديد” التلفزيونية يوم السبت [3 كانون الثاني] من حدّة الرفض القاطع الذي كانت تبديه الحركة للفكرة، ملمّحاً إلى أن “حماس” قد توافق على القوة الدولية شرط أن تُنشَر في الضفة الغربية المحتلة وغزّة على السواء، بهدف حماية الشعب الفلسطيني بكامله وليس الإسرائيليين فقط.
بحسب تقرير صادر عن مؤسسة “ماكلاتشي” الإعلامية، لقد انطلقت المحادثات حول نشر قوة دولية ولو كانت لا تزال “في بدايتها”. يتوجّه عباس إلى مجلس الأمن الدولي إلى جانب قادة عرب ودوليين آخرين [كُتِب المقال قبل ذهاب عباس إلى الأمم المتحدة].
ومن جهة أخرى، لفتت شركة “ستراتفور” المتخصّصة في الاستخبارات الاستراتيجية، إلى أن طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا) في الشرق الأوسط، سوف يتوجّه إلى الشرق الأوسط من أجل حشد الدعم للخطة على الأرجح. كتب إنديك بصراحة في مقاله عام 2007: “إذا أراد طوني بلير أن ينجح في مهمته الجديدة كمبعوث للرباعية في الشرق الأوسط، يحتاج إلى خطة من هذا القبيل في جيبه وآلاف الجنود الدوليين المستعدّين لمؤازرته”.
وقد لفت أمين عام الناتو، جاب دو هوب شيفر، إلى استعداد الحلف “للتجاوب” والمساهمة في الاستقرار في فلسطين عبر نشر قواته “إذا جرى التوصّل إلى اتفاق سلام شامل في نهاية المطاف”.
سواء هُزِمت “حماس” أو واجهت إسرائيل مأزقاً في غزة، من المؤكّد أن الهجوم البري سوف يؤدّي إلى تزايد عدد الضحايا واشتداد الضغوط الدولية لوضع حد للقتال. قد يفاجئ صمود “حماس” في وجه الهجوم الإسرائيلي الضاري، المراقبين، لكن تبقى الحقيقة أن الحركة تفتقر إلى التماسك الداخلي والانضباط الميداني والعمق الجغرافي وطرقات التموين التي كانت أساسية في المواجهة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي عام 2006.
مع تعاظم الضغوط، لا يأمل حزب “كاديما” برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وحزب العمل برئاسة باراك تحسين مكاسبهما في الانتخابات المقبلة وحسب إنما أيضاً إضعاف الرفض الذي يبديه حزب “الليكود” من أجل الحصول على تفويض عام لتطبيق الخطة. ومن هذا المنطلق، على الأرجح أن النتيجة الدموية للاجتياح سوف تحسّن فرص موافقة الناخبين على تدخّل عسكري دولي يعد بوضع حد نهائي للنزاع.
إذاً يبدو أن أجندة إنديك، كما تطبّقها ليفني وباراك وتوافق عليها بصمت الإدارة الأميركية التي تستعدّ لتولي مهماتها، قد شقّت طريقها وتحظى بالدعم من العالم العربي والولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة، وعلى الأرجح روسيا (بصفتها عضواً في الرباعية). كما أن سوريا وإيران – و”حزب الله” الذي يتصرّف بالوكالة عنهما – لا تريدان تقويض علاقتهما المستجدّة مع الولايات المتحدة، فلديهما الكثير ليكسباه من تقارب محتمل مع واشنطن.
العائق المتبقّي الذي يخشاه المخطّطون هو الصعود المحتمل لـ”الليكود” بعد إخفاق في غزة أو مأساة شبيهة بالهجوم على المجمّع التابع للأمم المتحدة في قانا الذي أدّى إلى خسارة شمعون بيريس انتخابات 1996 لمصلحة بنيامين نتنياهو. لهذا السبب، تظل واشنطن حذرة من التصرفات الإسرائيلية، وتحض ليفني وباراك على تفادي أخطاء الماضي (مثل مأساة قانا الثانية عام 2006) والالتزام بالخطة المحدّدة من أجل تأمين مسار “مستدام ودائم” نحو الاستقرار.
(مهندس معماري تدرّب في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفرد ومقيم في الشرق الأوسط يكتب من حين لآخر عن السياسة الخارجية. ترجمت النص عن الانكليزية نسرين ناضر.)