مجرد قمة
حسام عيتاني
الرأي الأعمق يأسا من أي تحرك عربي يقول انه سيان أعقدت القمة العربية ام لم تعقد طالما انها لن تخرج بقرار عملي. يمكن الجزم ان لقاءات الرؤساء العرب سواء جرت في الكويت او الدوحة او الرياض، فإن مردودها سيكون ضئيلا بل هزيلا.
الخطوات التي اقترح امير قطر على القمة المقبلة اتخاذها، تمثل حدا اقصى لا قبل لوضع عربي مهترئ مثل هذا الذي نرى ببلوغه. تجميد مبادرة السلام العربية ووقف التطبيع مع إسرائيل من المطالب التي يتراوح الرد عليها بين وضعها في خانة الحقوق السيادية الوطنية وبين حاجتها الى اجماع عربي واستفتاءات شعبية، في حين ان واقع الامر يشير الى امر مختلف. انه يشير الى ان مستوى »السيادة« العربية بات منقوصا الى الحد الذي تعجز فيه كل الدول عن تقرير مصائرها بنفسها، مفضلة انتظار تلميحات خارجية حول افضل سبل النجاة والسلامة. المفارقة ان هذا الواقع لا يمنع بعضهم من القول انه حتى هذه الحالة الانتظارية ـ الاتكالية، هي بمثابة ممارسة سيادية.
بل ان النظر في الاسباب التي يسوقها المسؤولون المصريون والسعوديون لتفسير رفضهم المشاركة في أي قمة عربية تخصص للحرب الاسرائيلية على غزة، لا تصمد امام دعوة قد تكون خبيثة للمشاركة في القمة وجعلها تسير في ذات الوجهات التي سارت اليها القمم السابقة: نحو الإخفاق في الخروج بما يتجاوز التضامن اللفظي العاري من أي معنى.
حتى تكرار فشل القمم السابقة لم يعد اقتراحا مقبولا عند بعض المسؤولين العرب. ربما لا يريد المصريون ان تستخدم القمة كمنبر لاستعراض الكفاءات الخطابية لرؤساء امتهنوا المزايدة. ولعل القيادة المصرية لا تريد سماع المزيد من الدعوات والمطالبات بفتح معبر رفح وإعادة النظر في علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل، من قادة عرب تاريخهم هو تاريخ من الازدواجية بين المعلن والمضمر وبين القول والفعل… ولعل المصريين والسعوديين وغيرهم من العرب يفضلون تفادي الازعاج المباشر الذي تمثله مطالبات وإلحاحات بفعل شيء، أي شيء، على التحديق في المستقبل القريب القاتم.
السؤال يبرز هنا عن العائق امام اجتماع الزعماء العرب لمجرد البحث والتفكير في ما يمكن قوله (لا فعله) في شأن فلسطين. بكلمات أخرى، طالما ان طريق »العمل العربي المشترك« قد نما عليها العشب منذ عقود، فلماذا لا يصير التركيز على ابتكار وسائل، لا هي بالدبلوماسية ولا بالسياسية ولا بالعسكرية، بما أن احدا من الرؤساء العرب لا يجرؤ على مجرد تخيل خطوة من هذا النوع. ما المشكلة في الاتفاق على سياسة اعلامية منسقة او على حملات تبرع شعبية لاعادة اعمار غزة ومعالجة الجرحى؟
سيعتبر هذا التساؤل بمثابة مزاح غير موفق عند وضعه على خلفية الوضع العربي. وحتى لا يحتج امرؤ بأن انتقاد التشرذم العربي بات مبتذلا ومستهلكا وأن »الانظمة« (التي يحجم اكثر المعلقين العرب عن تسميتها بأسمائها) اصبحت ككيس الرمل الذي يتمرن عليه ملاكم محبط، نضيف ان التحركات الشعبية العربية اقل بكثير مما يفترض ان يقرع جرس الانذار للأنظمة. القياس على ذلك بسيط ويكمن في المقارنة بين عدد المشاركين في أكبر تظاهرة عربية للاحتجاج على الجرائم في غزة وبين عدد سكان المدينة التي سارت التظاهرة في شوارعها.
كل هذا يبقى في الهوامش والاطراف. المثير للحنق هو ان من يمتنع عن المشاركة في القمة العربية (أي قمة وفي أي عاصمة كانت) يحاول بموقفه هذا الفرار من سؤال محوري: ما هو مصير القضية الفلسطينية في حال دمرت اسرائيل غزة وتابعت استباحتها لأبسط القيم الانسانية على نحو ما نشهد اليوم؟ لا تتعلق المسألة هنا بـ»حماس« او غيرها، ولا بمستقبل السلطة في رام الله والموقع الذي سيحتله محمود عباس في التاريخ. بل، ببساطة، بما سيلاقيه الفلسطينيون في حال لم يواجه القرار بذبحهم المنفذ اليوم برد حازم، عربي او دولي.
مفهوم تماما ان تدمير القضية الفلسطينية سينعكس سلباً على الشعوب العربية الأخرى والقريبة من فلسطين قبل البعيدة. ومفهوم ان النظام العربي الرسمي الذي يعاني ـ ويعاني المواطنون العرب معه ـ من حالة احتضار لا تعرف كيف تنتهي، سينهار كالسقف الثقيل المتفسخ على رؤوس جميع الواقفين تحته، لتنشق الارض العربية عما لا يمكن حصره من صراعات وتشققات شهدنا في العراق ولبنان عينات منها في الاعوام القليلة الماضية.
بيد ان اصحاب النظام المذكور لا يبدون حرصا عليه. فها هم يتصرفون على ان ما يجري في غزة حالة معزولة ليس لها ما قبلها ولا ما بعدها. وان المشكلة تكمن في فصيل يمكن الاتفاق او الاختلاف معه، في حين ان المطروح على المحك اليوم هو تحديدا ما يفترض ان تلتئم القمة العربية لمناقشته: أي مكان للعرب في هذا العالم، اذا ظلوا على هذه الدرجة من الارتخاء الجسدي والعقلي؟ من ذا الذي يصدق ان مجموعة من المستبدين (المعتدلين والممانعين، لا كبير فرق) تحكم شعوبا تستحق الاحترام وأن للشعوب هذه قضايا عادلة ومطالب جديرة بالمعالجة؟