عن أهداف الحرب على غزة
سلامة كيلة
ما الهدف من الحرب على غزة؟ سؤال أجيب عليه بصيغ متناقضة، حيث كان التركيز في كثير من وسائل الإعلام، وممن كان يصنّف في اليسار، على صواريخ حماس، سواء كسبب لدى البعض، أو كمبرر لدى آخرون. ورغم موقفي الواضح من حماس ومن إطلاق الصواريخ، أقول بأن هذا المنطق سطحي إلى حدّ أنه يكرر المبررات الصهيونية.
طبعاً يمكن مناقشة مسألة إطلاق الصواريخ من الزاوية العسكرية للقول بأنها مثمرة أم لا. ويمكن حتى مناقشة مسألة “المقاومة” كلها انطلاقاً من ميزان القوى الراهن. لكن أن تصبح المقاومة والصواريخ هي سبب الحرب التدميرية على غزة فهذا ما يعني بأن “العقل” الذي يحكم كل الذين يركزون على هذه المسألة هو سطحي إلى أبعد الحدود، لأنه يرى الحدث، ولا يرى كل الصورة، ويتجاهل خلفياته. فهل إذا ما توقفت الصواريخ سيتوقف القصف والقتل والتدمير الصهيوني؟ لقد جرى وقف لإطلاق النار لأشهر مرات دون أن توقف الدولة الصهيونية القصف والقتل والتدمير. وكانت تختلق المبررات دائماً.
المسألة التي يجب أن ترى بوضوح هي أن الممارسة العسكرية الصهيونية تنطلق من سياسة محددة لوضع قطاع غزة، كما لوضع الضفة الغربية، ولوضع القضية الفلسطينية كلها. ومن لم يفهم ذلك سوف يبقى يكرر مواقف تافهة. هي في التحليل الأخير جزء من سياق الاستسلام الذي بات هو سمة فئات اجتماعية في الوطن العربي، هي الرأسماليات التابعة. الاستسلام الذي يتأسس على تحوّل هذه الفئات إلى كومبرادور تابع للرأسمال الإمبريالي، وبالتالي منفذ لسياسات هذا الرأسمال. وهنا تتكئ مواقف الليبراليين ومقالاتهم.
إن الانطلاق من أن الدولة الصهيونية “محايدة” تتصرف مستفزة فقط يعني بأن الرؤية “ممسوحة” (كما العقل). فالدولة الصهيونية هي أساس الفعل وبالتالي الباقي ردود أفعال (صحيحة أو خاطئة). ولهذا يجب أن ينصبّ التفكير في ما الهدف من الحرب على غزة؟ أو بالتحديد هذا الشكل من الحرب على غزة؟ ومن ثم يمكن البحث في السياسة والمقاومة. ويمكن الإشارة إلى خطأ سياسة وصحة أخرى.
وبالتالي فإن الانطلاق من أن ما يجري هو نتيجة إطلاق صواريخ يخل بكل تصور سليم، ويغطي على سياسة صهيونية تعمل بشكل مستمر لاختلاق الأعذار من أجل القتل والتدمير والحرب. لهذا يجب ترك الموقف من حماس جانباً الآن، لأنه ليس الأساس، والتنبه لما تريده الدولة الصهيونية من حربها هذه. كما من الحروب الأخرى التي سوف تشنها على غزة، وربما على الخليل، وأيضاً رام الله …ألخ. كما فعلت في جنين ومخيم جنين ونابلس.
ربما كان تقريع الذات هو الذي يدفع إلى الهروب من رؤية الآخر. وربما يكون الشعور بالعجز هو أساس ذلك، لكن يجب أن نرى هدف الآخر. أن نعرف ما يريده وما يعمل على تحقيقه. أيضاً ربما كان الموقف من حماس، والخوف من الأصولية الإسلامية هما اللذان يفرضان هذا الميل لاتهام حماس، ولرفض “مقاومتها”، وكل المقاومة، لكن كل ذلك يصبّ في سياسات الدولة الصهيونية، ويخدم ما تروج له. ليست المعركة الآن مع حماس، رغم كل التناقض الذي يقوم معها، بل المعركة ضد الدولة الصهيونية التي لازالت تعمل من أجل إفراغ فلسطين من سكانها. هنا يجب أن نلتقط الأساس، ونتلمس الهدف. وكما أشرت فإن المشجب سوف يظل موجوداً سواء ظلت حماس أو انتهت، لأنه ضروري لإنجاح هذه السياسة. لهذا يجب أن نكف عن ترك “الجمل” و”الدق في البرذعة”.
ما تريده الدولة الصهيونية هو فلسطين بدون سكانها. وإذا كانت قد استخدمت المجازر سنة 1948 لترحيل هؤلاء السكان، فهي الآن تستخدم المجازر، لكن في شكل حرب. وتتعلق بأي سبب لكي تكمل التدمير والقتل. ولهذا وقعت اتفاق أوسلو، حيث بدا أنها قد أوجدت سلطة أخرى، وهو الأمر الذي بات يبيح لها التصرّف ليس كقوة احتلال بل كـ “دولة” تتعرض للقصف من “دولة” أخرى. وبالتالي استطاعت عبر هذا الوهم أن تقصف بالدبابات والطائرات مدناً عديدة دون أن تلحظ بأنها لازالت دولة تحتل هذه المدن. وهي تستطيع كذلك أن تحاصر المدن، وأن تتحكم في وسائل العيش وفي كل شيء دون أن يعتبر ذلك جريمة تقوم بها قوة محتلة.
لهذا يجب التركيز عن ما تهدف إليه الدولة الصهيونية بغض النظر عن كل المبررات التي تسوقها. فالأساس هو ما تهدف إليه، وليس أي شيء آخر. رغم ما يمكن أن نقوله عن حماس وصواريخ حماس.