نقطة نظام عربي
ساطع نور الدين
لا يخلو النزاع بين الزعماء العرب على سبل نصرة غزة وإنقاذها من المحرقة الإسرائيلية المستمرة منذ ثلاثة أسابيع، من الطرافة التي تضفي لمسة خاصة على الموقف العربي البائس إزاء المذبحة الفلسطينية الأكبر في تاريخ الصراع مع إسرائيل، وتسلي الجمهور الذي يميل في العادة الى تتبع اخبار القصور وأسرارها، ويعتبرها ضمانة لاستمرار التواصل مع ساكنيها، ورحلة الى عالم الأحلام المسيجة بالأسوار العالية.
بين القصور العربية خلاف على غزة دب من اليوم الأول للمذبحة، عنوانه قياس درجة الانفعال والتأثر والتحرك إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق، وجوهره المزايدة بين الزعماء العرب في بورصة سياسية محدودة الأفق يدرك الجميع سلفاً أنها لا يمكن أن توقف العدو الإسرائيلي عند حد ولا أن تحمي الضحية وتنهي سيلان دمها الغزير… لكنها يمكن أن ترفع من الأرصدة الشعبية والإعلامية، وترمي كرة النار بعيداً عن حدود كل قصر.
قد يكون من الظالم اتهام الزعماء العرب أنهم في ذلك النزاع يعمدون الى تصفية حسابات سياسية قديمة في ما بينهم، لكن تخليهم عن رصانتهم المفترضة وتحولهم الى معلقي صحف ومقدمي برامج تلفزيونية يطرحون تساؤلاتهم ويبدون آراءهم في مذبحة غزة مثل أي مواطن عادي، لم يساهم في تقريبهم من الجمهور المتواطئ معهم في غالبيته الساحقة، والذي بات يتوقع منهم أن يشاركوا شخصياً في تظاهراته الاحتجاجية، بقدر ما ساهم في تصعيد خلافاتهم المثيرة لحشرية ذلك الجمهور بالتحديد، وحماسته.
التصعيد هو في ذروته الآن، وبات الزعماء العرب يستخدمون فيه مختلف أنواع الأسلحة الإعلامية والسياسية المحرمة، ما يوحي بأن العودة الى صيغة التعايش السابقة في ما بينهم صارت مستحيلة فعلاً، خصوصاً أن المس بالأمن الداخلي لهذا البلد العربي او ذاك اصبح من أهداف المعركة العلنية الضارية بين القصور العربية المحمية الآن وأكثر من أي وقت مضى من قبل جمهور ضائع، وهي معركة لم يسبق لها مثيل إلا في المراحل الأولى من تشكيل مقومات النظام العربي الحالي في خمسينيات القرن الماضي في أعقاب ضياع فلسطين وقيام دولة إسرائيل.
لكن الفارق الجوهري بين المعركة الراهنة بين الأنظمة العربية وبين معارك الخمسينيات والستينيات، هي أنها تدور حالياً على شاشات التلفزيون التي تسجل النقاط على الفور وتضيفها مباشرة الى رصيد هذا الزعيم او ذاك، من دون ان يكون لها أي مضمون سياسي جدي. وهي أيضاً أشبه بعملية خداع ونفاق متبادل، بالمقارنة مع المواجهات الأولى التي كانت تستخدم فيها أدوات أيديولوجية ضخمة، وترفع فيها شعارات مدوية لا تقل عن الوحدة والحرية والديموقراطية… ولا تنسى تحرير فلسطين طبعاً.
برغم هذا الفارق الجوهري فإن نتيجة المعركة الراهنة قد لا تكون مختلفة كثيراً عن معارك الأيام الخوالي، التي تساقطت فيها أنظمة عربية وتفككت فيها مجتمعات عربية أخرى، ونزف الشعب الفلسطيني المزيد من دمه وأرضه وقضيته.
السفير