ملف: شاكر العبسي للأضواء من جديد
عصام خوري
وجهت الاستخبارات السورية صفعة قاسية للاستخبارات اللبنانية والمؤسسة العسكرية الحامية للديمقراطية التوافقية في لبنان، من خلال إعلانها أثناء الاجتماع الرباعي في دمشق للرئيس الفرنسي ساركوزي، أن قائد تنظيم فتح الإسلام “شاكر العبسي” هو حي وفي قبضة السلطات السورية.
واتى هذا الإعلان بعد أن نشرت صحيفة البيان الإماراتية خبرا عن طريق مسؤول كبير في تنظيم فلسطيني مقرب من دمشق أن زعيم تنظيم “فتح الإسلام” شاكر العبسي استطاع التسلل إلى سوريا منذ عدة أشهر، إلا أنه سقط في قبضة السلطات السورية منذ شهر ونصف وهو الآن في السجن.
وحول سؤاله عن الأشرطة التي بثها بعد هروبه وتوعد فيها الجيش اللبناني رجح المصدر أن تكون صورت في دمشق.
يذكر أن العبسي اختفى على نحو غامض من مخيم “نهر البارد” للاجئين الفلسطينيين بشمال لبنان بعد انتهاء المعارك بين الجيش اللبناني وتنظيم “فتح الإسلام” أواخر أيلول الماضي. وكان يعتقد أن العبسي قتل إثر معارك سيطر خلالها الجيش اللبناني على مخيم “نهر البارد” في أيلول (سبتمبر) الماضي منهيا 15 أسبوعا من قتال أدى إلى مقتل أكثر من 400 شخص بينهم 162 جنديا لبنانيا.
وفي ذلك الوقت، قالت عناصر “فتح الاسلام” الذين القي القبض عليهم ان جثة عثر عليها تحت أنقاض المخيم تخص العبسي، وكذلك تعرفت زوجته وافراد من عائلته على هذه الجثة، لكن الجيش اللبناني أخذ عينات من دماء اقاربه لاجراء فحوص الحمض النووي واثبات شخصيته. ليأتي بيان المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا مؤكدا أن فحوصات الحمض النووي للجثة لا تخص شاكر العبسي.
بدوره د. عبد الرزاق العبسي أخ شاكر صرح لقناة الجزيرة: “بالنسبة لنا شاكر استشهد في مواجهات نهر البارد ولن نصدق الأخبار عن أنه معتقل في سوريا حتى أرى شقيقي بأم عيني وهو ما أعتقد أنه لن يتحقق”.
وقد صرحت زوجة العبسي “للجزيرة نت” في وقت سابق من العام الجاري أنها متأكدة من وفاة زوجها وأن الجثة التي عرضت عليها في مستشفى بطرابلس في وقت سابق من العام الماضي كانت لشاكر العبسي، نافية الأنباء عن أن زوجها لا يزال على قيد الحياة. وعن التسجيل الصوتي الذي بثه أحد المواقع المحسوبة على تنظيم القاعدة والذي جاء كرسالة من شاكر العبسي، اعتبرت زوجته حينها أن التسجيل لا علاقة له بزوجها، وعن الصوت الموجود بالتسجيل قالت إنها متأكدة من أنه ليس لزوجها وإن كان قريبا منه. “المصدر: موقع اسلام اون لاين، الجزيرة نت”
شاكر العبسي:
وُلد في مخيم عين السلطان، القريب من مدينة أريحا في فلسطين عام 1955، والذي استقر فيه أهله بعد هجرتهم من قرية الدوايمة، درس في مدارس عين السلطان، وأكمل دراسته في مدارس الوكالة في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في العاصمة الأردنية عمّان، بعد احتلال الضفة الغربية سنة 1967.
وأنهى دراسته الثانوية العامة بتقدير عال أهله لدراسة الطب في تونس عام 1973، على نفقة حركة “فتح” التي انتمى إليها حين كان في السادسة عشرة من عمره. بعد عام من الدراسة في تونس، رجع شاكر إلى عمّان تاركاً دراسة الطب، رغبة منه في العمل العسكري، فبُعث على إثر قراره نحو ليبيا ليلتحق بالكلية العسكرية هناك، وليتخرج عام 1976 برتبة ملازم طيار حربي. بعد التخرج، تلقى شاكر عدة دورات في قيادة طائرة “ميغ” السوفيتية المقاتلة من طرازي 21 و22، وذلك في كل من ألمانيا الشرقية ويوغسلافيا وروسيا والمجر، بينما كان الاتحاد السوفيتي في أوجّه إبان حقية السبعينيات.
أما في الثمانينات، فقد قاتل شاكر إلى جانب نورييغا في نيكاراغوا، وإلى جانب ليبيا في حربها ضد تشاد، وذلك عندما استطاع الجيش الليبي تحرير واحات أوزو، وكان العبسي حينها قائد سرب.
وتشير بعض المصادر إلى أنّ العبسي حاول القتال مع قوات الفصائل الفلسطينية في بيروت، لكنّه بقي خارج العاصمة اللبنانية رغم وجوده في لبنان.
بعد خروج قوات منظمة التحرير من بيروت في أيلول (سبتمبر) 1982 بسنة، انشقّ العبسي عن حركة “فتح” تحت قيادة أبي خالد العملة وأبي موسى، وجرى تأسيس تنظيم جديد عُرف بـ”فتح الانتفاضة”.
غادر شاكر العبسي دمشق إلى اليمن “الشمالي” عام 1990، ليتولى مهمة مدرِّب وقائد سرب في سلاح الجو اليمني، وبعدها عاد إلى ليبيا والتحق بالجيش الليبي أيضاً، بصفة مبعوث من “فتح الانتفاضة” وتولى المهمات نفسها.
بقي شاكر العبسي في ليبيا إلى عام 1993، وفيها ترفّع إلى رتبة عقيد، ومنها عاد إلى الشام بعدما قامت السلطات الليبية بإبعاد اللاجئين الفلسطينيين إثر اتفاقية أوسلو المبرمة بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني. وبالرغم من أنّ شاكر المدرِّب في سلاح الجو الليبي لم يكن من بين المبعدين، إلاّ أنه آثر الابعاد الاختياري رافضاً الدعوات الليبية له بالبقاء.
وبعد “أوسلو” سنة 1993 عرض عليه رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات قيادة “القوات الجوية” في السلطة، لكنه رفض، لرفضه اتفاقات أوسلو.
في غضون ذلك، بقي شاكر في دمشق بعد عام 1993 يقطن حي الحجر الأسود قرب مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، وفي هذه الفترة بدت عليه نزعة التديّن، قيل عنه حينها إنه تمكّن من حفظ القرآن، كما أدى فريضة الحج عام 2000.
وفي أيلول من العام 2002 اتهم في سورية بتهريب السلاح، ولكن دون الإعلان عن وجهة الأسلحة، وتمّت في ذلك الحين محاكمته محاكمة ميدانية، وبقي في السجن حتى شباط (فبراير) 2005، وفي هذه الأثناء، عام 2003 تحديداً، حاكمته محكمة أمن الدولة الأردنية غيابياً في قضية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي، وأصدرت بحقه قراراً بالإعدام.
لم يمكث شاكر طويلا في دمشق بعدما أُفرج عنه، فغادر سورية إلى لبنان، وهناك تنقّل بين المخيمات الفلسطينية واستقر في مخيم نهر البارد، حيث بدأت انعطافة جديدة برز بعدها زعيماً للتنظيم المثير للجدل “فتح الإسلام”. “المصدر: الجزيرة توك”
العبسي وسوريا:
تتفاوت الآراء في علاقة النظام السوري بالعبسي، حيث يؤكد الرسميون السوريون التالي:
إن شاكر العبسي صناعة مخابراتية أردنية بالاتفاق مع قوى السلطة اللبنانية والمملكة العربية السعودية والهدف زرعه داخل حركة فتح الانتفاضة لينشق عنها فيما بعد ويشكل قوة تسمى بفتح الإسلام السنية المتشددة، تتخذ من لبنان مركزا لها لمواجهة حزب الله الشيعي …
هذا التحليل يتفق معه الصحافي الأمريكي المعروف سيمور هيرش الذي أكد في حوار مع جريدة السفير اللبنانية في 26/2/2007 على تورط سمير جعجع في تمويل جماعات جهادية متسللة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى لبنان وتمويلها بأموال أمريكية، كما أشار هيرش في حواره إلى أن الأمير بندر بن سلطان طمأن الولايات المتحدة الأمريكية أن المجموعات الجهادية في لبنان ليست ضد واشنطن وإنما ضد السيد حسن نصر الله . كما يشير الكاتب خضر العواركة إلى وجود رعاية لسعد الحريري وأجهزة أمنية لبنانية تابعة لتيار المستقبل للعبسي بدأت بتنسيق كامل مع الأميركيين والأردنيين وذلك لحرف التيار السلفي الجهادي عن العداء للأميركيين وإشغاله بالعداء للشيعة وللمسيحيين ولضرب قوى الجيش اللبناني الذي لا يخضع لسيطرتهم”. “المصدر: موقع تلفزيون الدنيا، مقرب من النظام السوري”
وقد استفادت الاستخبارات السورية من استقبال زوجته وعدة نسوة وأطفال معها في الحصول على معلومات رقابية مكنتها في نهاية الأمر من اعتقاله.
في حين يرى الطرف المعادي للنظام السوري:
تشير الادعاءات من الجانب اللبناني أن للعبسي علاقات وطيدة مع سوريا وأنها قد استخدمته لخلق الفوضى في لبنان ومنع إنشاء محكمة دولية للتحقيق في ملابسات اغتيال الحريري. وإذا اطلعنا على أجندة الحركة يتضح أيضا أن ربما يكون لها ضلع في تصعيد الخلاف في لبنان. وأنها قد خططت لاغتيال أكثر من 30 شخصية بارزه في لبنان.
في مطلع القتال في نهر البارد صرح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في مؤتمر صحفي أن خلفية العبسي تقترح تورط سوريا في ما يحدث في نهر البارد وقال: “إننا لا نتهم سوريا إلا إذا وجدنا شيئا يقينا وملموسا يبين لسوريا علاقة بها، فمثلا لماذا أُطلق سراح شاكر العبسي في سوريا وهو محكوم بجرائم عدة، وخصوصا أننا نعرف النظام السوري، وقد أطلقته عام 2005 أي بعد انسحاب سوريا من لبنان، فكيف لا نتهم سوريا وقد سكن في مخيمات تهيمن السيطرة السورية عليها. ونحن لا نتهم جزافا”. “المصدر: شبكة المحيط”
كما أن استقبال ما يقارب الثلاثين إمراة وطفلا تم إجلاؤهم من مخيم نهر البارد إلى سوريا. ومن بين هؤلاء زوجة شاكر العبسي، أمر يناقض تخوف النظام السوري من الحركات السلفية، خاصة وأن الإعلام اللبناني سوف يستغل الموقف السوري ويلصق التهم بسوريا، على أنها عنصر داعم للسلفيين في نهر البارد.
ما مصير العبسي:
على الرغم من تصريح الحكومة السورية، إنها تجري مشاورات عالية المستوى مع أطراف لبنانية على آلية تسليم العبسي لها. إلا أن الاستعراض السابق لحياة العبسي، ومقارنة اتهامات الأطراف اللبنانية والسورية لعلاقة كل منها معه، نجد ثلاثة احتمالات لنهايته:
الاحتمال الاول: أن تسلم السلطات السورية شاكر العبسي للسلطات اللبنانية، على أن لا يستغله الاطراف اللبنانية في عمليات ترويج ضد النظام السوري.
في حال تم هذا الاحتمال، فإن النظام السوري برئ من أي شراكة مع تنظيم فتح الإسلام، وكل الاتهامات المحاكة ضده تكون محض افتراء.
الاحتمال الثاني: أن تحتفظ السلطات السورية بالعبسي، وتحاكمه في الأراضي السورية. هذا أمر يحمل احتمالين:
1- في حال كانت المحاكمة عسكرية غير معلنة: فإن السلطات السورية قد تصفي العبسي، بغياب رقابة دولية أو إقليمية على تهمه، وبما أن تهم العبسي في سوريا مستوفاة، فإن عملية تصفيته ستبين أن للنظام السوري يد في دعمه داخل لبنان، ولا ترغب في تسليمه للسلطات اللبنانية كي لا يعترف هو بذلك.
2- في حال كانت المحاكمة معلنة: فأن شرعية محاكمته على الأراضي السورية هو أمر غير نافذ، خاصة وأن العبسي محكوم بالإعدام عند الطرف الأردني، وليس اقل من ذلك بالنسبة للطرف اللبناني، كما أن محاكمة من هذا النوع داخل الأراضي السورية، قد تضر بالأمن الداخلي لسوريا، وتذكي أنصار العبسي لافتعال قلاقل داخل الأراضي السورية.
الاحتمال الثالث: قد تطالب بعض الجهات الدولية في حال تورطها بدعم للعبسي، بضرورة احتواء ملفه داخل السجون السورية، وفي هذه الحالة سيكون النظام السوري في قمة سعادة، لأنه لن يقدم على هذا الأمر بغياب ضمانات وتسهيلات يرغبها من هذه الأطراف الدولية.