صفحات ثقافية

جيل جديد من الفنانين السوريّين: تحوّل حقيقي أم مجرّد طفرة؟

null
باسل السعدي
في مشهد فنيّ يرتبك بين تقاليد فنية تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ومحاولات جديدة تتلمس طريقها بصعوبة بسبب مزاجيّة الصالات الخاصة ومؤسسات الدولة الفنية، نأى الجيل الجديد قليلاً عن الساحة الفنيّة. وهنا، مثّل افتتاح معرضٍ للفنّانين السوريين الجدد نقلةً كبيرةً بعدما اختير الفنانون المجرّبون بالدرجة الأولى للمشاركة، فيما استُبعدت أسماء «لأسباب غير إبداعية». كذلك اختير مكان العرض في باب شرقي في دمشق، وتحديداً في مصنع سابق للبذلات الرسمية أعيد تجهيزه.
عندما ندخل المعرض الذي يستمر حتى 2 شباط (فبراير) المقبل، نشعر بأنّ المكان يتنفّس والأعمال موزّعة بحسب تقاطع التجارب وتقاربها، فإذا بالمكان يحمل مفاجأة فنيّة خلف كل جدار. ومن التجارب اللافتة، تجهيز لإيمان حاصباني هو عبارة عن عشرات العلب الصغيرة المتدلّية، رسمت عليها التشكيليّة وجوهاً تتشنج من فرط تعليبها في عوالمها المحصورة. وبين تجهيزات الفيديو، نرى عملاً لمحمد علي يحمل فيه الفنان الكثير من بحثه إلى سطح اللوحة، فيما أظهر منهل عيسى المقيم في فرنسا غرباناً تطير باحثة عن فضاء ما في الوقت الذي يجتمع فيه أطفال ليلعبوا في الشوارع. تجهيز نسرين بخاري جاء «حارّاً»، يحمل هموماً أنثوية في غرفة حمراء وضّبت عناصرها لتوصل لنا دلالات لا تخطئ، فيما مزجت خديجة بكر بين الولادة والحياة الشخصية في تجهيزها المتميّز بهدوء الألوان والألبسة المستعارة من صندوق العائلة.
حضور اللوحة في المعرض كان طاغياً في أعمالٍ حملت همّاً تعبيرياً لأكرم الحلبي، قيس سلمان، ياسر صافي، عروى أبو ترابة، عمران يونس، وسبهان آدم. تحافظ هذه الأعمال على الشكل الإنساني مع تعبيرية حادة في الخط أو اللون. تمثّل هذه المجموعة صلة الوصل بين جيل التسعينيات في تركيزه على الحضور الإنساني من زاوية أدبية، والجيل الحالي الذي طور أدواته في بحث أكثر تعقيداً عن مكوّنات اللوحة وسطحها. وفي هذا المجال، بدت بعض التجارب أكثر مغامرةً، مثل لوحات عبد الكريم مجدل البيك، حسكو حسكو، تمام عزام، وليد المصري، زافين يوسف الذي يدعونا إلى التوقّف والبحث في النسيج والمواد التي تؤلّف أعماله بصورة أكثر مباشرة.
كان النحت الغائب الأكبر، إذ تمثّل في ثلاثة أعمال فقط، أوّلها لمحمد عمران ويمثّل ثلاث شخصيّات هائمة تشبه شخصيّات بيكيت، تجلس على أرضيات شبيهة بمسرح العبث. أمّا فادي يازجي فقد صنع من البرونز كائناً بأربعة أرجل له رأس إنسان، في عملٍ يُحسَبُ له نقاؤه التقني، فيما كان عمل كاتب هذه السطور معدنيّاً بنائياً مطلياً باللون الأحمر في تحولٍ من حسيّة الحديد الصدئ إلى حسيّة اللون الذي يتكامل مع عناصر العمل الحادة.
في مجال التصوير الفوتوغرافي، قدّم المصور أيهم ديب صوراً بتقنيات بسيطة تتراكم داخلها أشكال غامضة، وصنع عمار البيك لوحات «فوتوكولاج» مزج فيها بين صور قديمة بالأبيض والأسود لرياضيين وصور ملونة لإلهة الحبّ «فينوس». أمّا جابر العظمة، فقدّم صوراً لجدران وأبنية قديمة مركّزاً على ما يحمله سطح هذه الجدران من مفاجآت بصرية.
ورغم الغياب التام للنقاد عن المعرض، إلاّ أنّ جيلاً كاملاً من التشكيليين السوريين الجدد، وجد مَن يعترف ولو متأخراً ببلوغه سن الرشد، وبحريته في المغامرة الفنية والتجريب بعيداً عن آراء أولياء الأمر. فهل يصبح هذا المعرض تقليداً سنوياً، أم أنّه طفرة مرتبطة بنشاطات «احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى