صفحات ثقافية

السقوط الحر رواية وليام غولدنغ: كتابة اليأس

null
عناية جابر
»السقوط الحر« رواية وليام غولدنغ (حائز على جائزة نوبل للآداب لعام ١٩٨٣) ترجمة محمد درويش، صادرة حديثاً عن »الدار العربية للعلوم ناشرون) وتتمحور فيها، أو نعيش معها كقراء، قصة حب غريبة، تلعب فيها الكراهية والقسوة دوراً كبيراً. رواية صادمة، بتصويرها الاذى في ابشع أشكاله، الذي يمارسه الإنسان على آخر سواه، وكل همّه الاستئثار بالحب والحرية، ليكتشف عبثية بحثه عن الحب والحرية، وان البشر هم جدران الغرف التي تقيّده وتمنع عنه حريته، كما تمنع عنه الحب. وبمعنى آخر، للرواية »تيمة« اساسية تقول بأن الآخر هو الجحيم، على ما قاله سارتر يوماً.
الروائي البريطاني غولدنغ في مقالة نشرها في وقت مبكر من حياته كان اوضح ان احدى المآسي التي تعيّن عليه ان يتحملها في حياته، هي عجزه عن كتابة الشعر، فاستعاض عن حلمه الأثير بأن يغدو شاعراً، بكتابة الروايات التي رسخت مع ذلك، من مكانته الأدبية كواحد من أبرز الروائيين في القرن العشرين، ما افضى الى استحقاقه جائزة نوبل في الأدب.
مأزق الفرد
تيمة »السقوط الحر« اذن، ان الإنسان ينتج الشر مثلما تنتج النحلة العسل، وفيها يعالج غولدنغ مشكلة مأزق الفرد بوصفه إنساناً، محاولا من خلال هذه المعالجة، مشاركة القارئ ووضع الحقائق ـ بحسب الكاتب ـ المحزنة امام عينيه، وتتمثل في التركيز على قسوة الإنسان وشهوته الى الاستئثار بالمتع، ملقياً الضوء وبإيمان يبدو راسخاً بأن الإنسان كائن ساقط اساساً، وأسير خطيئته الاصلية وطبيعته الآثمة.
في »السقوط الحر« نرى الى طروحات غولدنغ والى أفكاره »المحشوة« في روايته، فلا نرى فيها جديداً، خصوصاً في الراهن الذي نعيش. كما يستفزنا قليلاً، إصرار الكاتب على أفكاره، وتضخيمها ومبالغته في حشد التفاصيل »السوداء« التي تعلي من شأنها وتجعلها وجعها كئيباً لمطلق حياة إنسانية.
هذه السوداوية التي يريدنا غولدنغ ان نجعلها معتقداً ثابتاً لنا، تنتشر على كامل صفحات روايته، التي تجري أحداث شخصياتها في مدينة صغيرة في القرن العشرين، هو الذي تنقل في رواياته السابقة من عصر الى عصر، فوجدناه في احدى الروايات في قصور الفراعنة، وفي رواية اخرى خصها بمدينة روما إبان العصور الوسطى.
غولدنغ المولع بالحفريات، يتجلى ولعه في روايته هذه، وينعكس انعكاساً واضحاً على بنائها، اذ نشهد له على درامية موضوعه، البناء المتين الذي يعتمده لعالم روايته، وتدور أحداثها بدقة متناهية. كما ان الفضاء الروائي الذي يستخدمه، يتسم بواقعية مذهلة، وان مزينة احيانا بالعبارة »الشعرية« حيث يطل الشعر برأسه في هذا الحدث وذاك، وفي توصيفات غولدنغ الذي بقي أميناً لرغبته الى الشعر، حتى في كتابة الروايات.
اليأس
غولدنغ في »السقوط الحر« يقدّم عملا معقدا بعض الشيء، غير انه ليس مستغلقاً على القارئ، خصوصا وان غولدنغ يخوض في تعقيدات القرن العشرين، هذا القرن الذي يشهد طفولة وشباب الكاتب، وأحس معه بأنه قرن مبهم وغامض، وان لا يقين تاما او نهائيا. كما ان المضمون الاخلاقي، بل وحتى الديني، يبدو واضحا في »السقوط الحر«، وان كان الكاتب يلجأ في مواضع الى الرمزية في التعبير عن محنة أبطاله وسقوطهم. رواية تهتم اهتماماً بالغاً، بالأفراد والعلاقات الشخصية، وبخاصة علاقات الاستغلال الجنسي. التناول لا ينحو الى تبسيط التقديم، او محاكاة يوميات أبطاله بما هي يوميات عادية! لمطلق كائن في أي عصر، بل نجد الكاتب كما لو يمعن قصداً في تعقيداته، وجذر التعقيد هو الصراع النفسي والعاطفي الذي يأخذ مدى يبلغ حد الكارثة، من خلاله يسعى الكاتب الى اثبات »وجهة نظره بسقوط بني البشر المدوّي، الذي لا يوجد بينهم من هو طيّب، فكلهم أشرار«.
حياة الرواية تدور في احد السجون، يرويها مسجون يعاني كل أنواع القهر، والاستغلال الجنسي والتعذيب، ومنع الهواء والشمس والحب عن جسده الواهن الضعيف. قرأنا للمناسبة رواية »أسوار« للكاتب والروائي المصري محمد البساطي، وهي جديده الروائي المتميز على غرار سائر اعمال البساطي. »أسوار« تحمل وتخوض في الموضوع نفسه الذي تناوله غولدنغ في »السقوط الحر«، لكن خوض البساطي للمناسبة، لا يفقدك شهيتك الى الأمل والحياة، فيما تخرج من قراءة غولدنغ، مثقلاً باليأس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى